يقول ابن عبد البر في الاستيعاب عن هذا الحديث: هو من أثبت الأخبار وأصحها. قال: وطرق حديث سعد بن أبي وقاص كثيرة جدا. فذكر عدة من الصحابة الذين رووا هذا الحديث ، ثم قال: وجماعة يطول ذكرهم[1]. ومثله يقول المزي في ترجمة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في تهذيب الكمال[2]. وذكر الحافظ ابن عساكر بترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق كثيرا من طرق هذا الحديث وأسانيده من عشرين من الصحابة تقريبا[3]. ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري بعد أن يذكر أسامي عدة من الصحابة ، ويروي نصوص روايات جمع منهم يقول : وقد استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة علي[4]. فهذا الحديث مضافا إلى أنه متواتر عند الإمامية، هو من الأحاديث الصحيحة المعروفة المشهورة عند أهل السنة ، بل هو من الأحاديث المتواترة عندهم كذلك . يقول الحاكم النيسابوري : هذا حديث دخل في حد التواتر[5]. كما أن الحافظ السيوطي أورد هذا الحديث في كتابه الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة[6]، وتبعه الشيخ علي المتقي في كتابه قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة . وممن اعترف بتواتر هذا الحديث شاه ولي اللّـه الدهلوي محدث الهند في كتابه إزالة الخفاء في سيرة الخلفاء .
أشهر رواة القوم لهذا الحديث في القرون المختلفة:
1 – محمد بن إسحاق ، صاحب السيرة . 2 – سليمان بن داود الطيالسي أبو داود الطيالسي ، في مسنده 3 – محمد بن سعد ، صاحب الطبقات . 4 – أبو بكر ابن أبي شيبة ، صاحب المصنف . 5 – أحمد بن حنبل ، صاحب المسند . 6 – البخاري ، في صحيحه . 7 – مسلم ، في صحيحه . 8 – ابن ماجة ، في صحيحه . 9 – أبو حاتم بن حبان ، في صحيحه . 10 – الترمذي ، في صحيحه. 11 – عبد اللّـه بن أحمد بن حنبل ، هذا الإمام الكبير الذي ربما يقدمه بعضهم على والده ، يروي هذا الحديث في زيادات مسند أحمد وزيادات مناقب أحمد . 12 – أبو بكر البزار ، صاحب المسند . 13 – النسائي ، صاحب الصحيح 14 – أبو يعلى الموصلي ، صاحب المسند . 15 – محمد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ والتفسير . 16 – أبو عوانة ، صاحب الصحيح . 17 – أبو الشيخ الإصفهاني ، صاحب طبقات المحدثين . 18 – أبو القاسم الطبراني ، صاحب المعاجم الثلاثة . 19 – أبو عبد اللّـه الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك على الصحيحين . 20 – أبو بكر الشيرازي ، صاحب كتاب الألقاب . 21 – أبو بكر بن مردويه الإصفهاني ، صاحب التفسير . 22 – أبو نعيم الإصفهاني ، صاحب حلية الأولياء . 23 – أبو القاسم التنوخي ، له كتاب في طرق أحاديث المنزلة 24- أبو بكر الخطيب ، صاحب تاريخ بغداد . 25 – ابن عبد البر ، صاحب الإستيعاب . 26 – البغوي ، الملقب عندهم بمحيي السنة ، صاحب مصابيح السنة. 27 – رزين العبدري ، صاحب الجمع بين الصحاح . 28 – ابن عساكر ، صاحب تاريخ دمشق . 29 – الفخر الرازي ، صاحب التفسير الكبير . 30 – ابن الأثير الجزري ، صاحب جامع الأصول . 31 – أخوه ابن الأثير ، صاحب أسد الغابة . 32 – ابن النجار البغدادي ، صاحب تاريخ بغداد . 33 – النووي ، صاحب شرح صحيح مسلم . 34 – أبو العباس محب الدين الطبري ، صاحب الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة . 35 – ابن سيد الناس ، في سيرته . 36 – ابن قيم الجوزية ، في سيرته . 37 – اليافعي ، صاحب مرآة الجنان . 38- ابن كثير الدمشقي ، صاحب التاريخ والتفسير . 39 – الخطيب التبريزي ، صاحب مشكاة المصابيح . 40 – جمال الدين المزي ، صاحب تهذيب الكمال . 41 – ابن الشحنة ، صاحب التاريخ المعروف . 42 – زين الدين العراقي المحدث المعروف ، صاحب المؤلفات ، صاحب الألفية في علوم الحديث . 43 – ابن حجر العسقلاني ، صاحب المؤلفات . 44 – السيوطي ، صاحب المؤلفات كالدر المنثور وغيره . 45 – الدياربكري ، صاحب تاريخ الخميس . 46 – ابن حجر المكي ، صاحب الصواعق المحرقة . 47 – المتقي الهندي ، صاحب كنز العمال . 48 – المناوي ، صاحب فيض القدير في شرح الجامع الصغير . 49 – ولي اللّـه الدهلوي ، صاحب المؤلفات ككتاب حجة اللّـه البالغة وإزالة الخفاء . 50 – أحمد زيني دحلان ، صاحب السيرة الدحلانية . وغير هؤلاء من المحدثين والمؤرخين والمفسرين من مختلف القرون والطبقات .
نص الحديث في صحيح البخاري:
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن سعد قال : سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه [ أي سعد بن أبي وقاص ] قال النبي ( صلى اللّـه عليه وسلم ) لعلي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى[7]. قال : وحدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب – مصعب بن سعد بن أبي وقاص – عن أبيه : إن رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وسلم ) خرج إلى تبوك فاستخلف عليا فقال : أتكلفني بالصبيان والنساء ؟ قال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي[8].
حديث المنزلة في صحيح مسلم:
وأما لفظ مسلم ، فإنه يروي هذا الحديث بأسانيد عديدة لا بسند وسندين : منها : ما يرويه بسنده عن سعيد بن المسيب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : قال رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وسلم ) لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي . قال سعيد : فأحببت أن أشافه بها سعدا ، فلقيت سعدا فحدثته بما حدثني به عامر فقال : أنا سمعته ، قلت : أنت سمعته ؟ قال : فوضع إصبعيه على أذنيه فقال : نعم ، وإلا أستكتا[9]. في هذا الحديث ، وفي هذا اللفظ نكت يجب الالتفات إليها. وبسند آخر في صحيح مسلم : عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول اللّـه فلن أسبه . . . فذكر الخصال الثلاث ومنها حديث المنزلة[10].
دلالات حديث المنزلة:
قبل كل شئ لا بد أن نرى ما هي منازل هارون من موسى حتى يكون علي نازلا من النبي منزلة هارون من موسى ، لنرجع إلى القرآن الكريم ونستفيد من الآيات المباركات منازل لهارون: المنزلة الأولى : النبوة قال تعالى : ( ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا )[11]. المنزلة الثانية : الوزارة قال تعالى عن لسان موسى : ( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي )[12]، وفي سورة الفرقان قال تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا )[13]، وفي سورة القصص عن لسان موسى: (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني )[14]. المنزلة الثالثة : الخلافة قال تعالى : ( وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين )[15]. المنزلة الرابعة : القرابة القريبة قال تعالى عن لسان موسى : ( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري )[16]. ورسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) يخبر في حديث المنزلة عن ثبوت جميع هذه المنازل القرآنية لهارون لعلي ما عدا النبوة. فقد أخرج رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) النبوة لقيام الضرورة على أن لا نبي بعده ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم ) ، ويبقى غير هذه المنزلة باقيا وثابتا لعلي ( عليه السلام ). المنزلة الخامسة: من منازل هارون : أعلميته بعد موسى من جميع بني إسرائيل ومن كل تلك الأمة ، وقد ثبتت المنزلة هذه بمقتضى تنزيل علي منه بمنزلة هارون من موسى لأمير المؤمنين ( عليه السلام )[17].
من دلالات حديث المنزلة العصمة:
وهل من شك في ثبوت العصمة لهارون ؟ وقد نزّل رسول اللّـه أمير المؤمنين منزلة هارون ، ولم يدع أحد من الصحابة العصمة ، كما لم يدعها أحد لواحد من الصحابة ، سوى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) . وحينئذ هل يجوز عاقل أن يكون الإمام بعد رسول اللّـه غير معصوم مع وجود المعصوم ؟ وهل يجوز العقل أن يجعل غير المعصوم واسطة بين الخلق والخالق مع وجود المعصوم ؟ وهل يجوز الاقتداء بغير المعصوم مع وجود المعصوم ؟
للبحث بقية ستأتي.
[1] – الاستيعاب 3 / 1097 – دار الجيل – بيروت – 1412 ه .
[2] – تهذيب الكمال 2 / 483 – مؤسسة الرسالة – بيروت – 1413 ه .
[3] – انظر في الكتاب المذكور ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) 1 / 306 – 393 .
[4] – فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 / 60 – دار إحياء التراث العربي – بيروت .
[5] – انظر ذلك في كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للحافظ الكنجي : 283 .
[6] – الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة : حرف الألف .
[7] – صحيح البخاري 5 / 24 – دار إحياء التراث العربي – بيروت .
[8] – صحيح البخاري 6 / 3 .
[9] – صحيح مسلم 4 / 1870 رقم 2404 – دار الفكر – بيروت – 1398 ه .
[10] – صحيح مسلم 4 / 1871
[11] – سورة مريم : 53 .
[12] – سورة طه : 29 .
[13] – سورة الفرقان : 35
[14] – سورة القصص : 34
[15] – سورة الأعراف : 142 .
[16] – سورة طه : 31 .
[17] – انظر في أعلمية هارون بعد موسى في تفسير قوله تعالى : ( قال إنما أوتيته على علم عندي ) في: تفسير البغوي 4 / 357 – دار الفكر – بيروت – 1405 ه . تفسير الجلالين 2 / 201 – نشر مصطفى البابي الحلبي بمصر – 1388 ه .
(صحيفة الصراط المستقيم ـ العدد 13/ السنة الثانية ـ بتاريخ 11 ذو القعدة 1431 هـ الموافق ل 19/10/2010 م)