زاوية العقائد الدينية

علم الغيب وهل هو مختص باللّـه أم للمعصوم عليه السلام حظ منه – الجزء الثاني

 أخبر النبي – صلى اللّـه عليه واله وسلم – عن كثيرٍ من الغيوب التي أطلعه اللّـه عليها في مناسباتٍ عديدة، كان أهمّها موقفه حينما قام بالناس خطيباً فأخبرهم بما هو كائن إلى يوم القيامة، يقول عمر بن الخطاب: ” قام فينا النبي – صلى اللّـه عليه واله وسلم – مُقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه ” رواه البخاري .

وتتنوّع النبوءات التي أخبر بها رسول اللّـه – صلى اللّـه عليه وسلم – بين البشارة باستشهاد عددٍ من أصحابه، والإخبار بتمكين هذه الأمة وظهورها على أعدائها، والتحذير مما سيحدث في الأمة من الافتراق والبعد عن منهج اللّـه، والتنبّؤ بزوال بعض الممالك والدول من بعده وفتح البعض الآخر، والبيان لأشراط الساعة وما بين يديها من الفتن، وغير ذلك من الأخبار الصحيحة .
أما ما يتعلق باستشهاد عدد من الصحابه الأجلاء كإخباره بشهادة أمير المؤمنين عليه السلام، واخبر بشهادة عمّار بن ياسر رضي اللّـه عنه : ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية) رواه البخاري ، ورواه أحمد ، وأخبر ثابت بن قيس رضي اللّـه عنه باستشهاده فقال : ( يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة ) رواه الحاكم ، ويضاف إلى ذلك إخباره عليه الصلاة والسلام عن مقتل قادة المسلمين الثلاثة في معركة مؤتة في اليوم الذي قُتلوا فيه رغم بعد المسافة وعدم وجود وسيلة لإبلاغ الخبر بهذه السرعة . ومن ذلك أيضاً ما حدث في إحدى المعارك النبويّة حينما قاتل أحدهم في صفوف المسلمين بشجاعة نادرة، فأظهر الصحابة إعجابهم بقتاله، فقال لهم النبي – صلى اللّـه عليه وسلم – : ( أما إنه من أهل النار ) ، فقام أحد الصحابة بمراقبة هذا الرجل، فوجده مثخناً بالجراح، فلم يصبر على آلامه واستعجل الموت فقتل نفسه، فعاد الصحابي إلى رسول اللّـه – صلى اللّـه عليه وسلم – يخبره بما فعل الرجل، رواه البخاري .
وأما ما يتعلّق بأحداث المستقبل، فقد أخبر النبي – صلى اللّـه عليه وسلم – بالعديد منها، يأتي في مقدمتها الإخبار عن ظهور هذا الدين والتمكين له واتساع رقعته، فعن خباب بن الأرت أن رسول اللّـه صلى اللّـه عليه واله وسلم قال : ( واللّـه ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا اللّـه أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ) رواه البخاري ، وعن ثوبان أن رسول اللّـه صلى اللّـه عليه وسلم قال : ( إن اللّـه زوي لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ) رواه مسلم.
ومن جملة ما أخبر  به  – صلى اللّـه عليه واله وسلم – طاعون عمواس – الذي حدث في الشام وكان سبباً في موت كثير من الصحابة.
ومن ذلك أيضا، إخباره بفتح الشام وبيت المقدس، وفتح اليمن ومصر، وركوب أناسٍ من أصحابه البحر غزاةً في سبيل اللّـه، وإخباره – صلى اللّـه عليه واله وسلم – عن غلبة الروم لأهل فارس خلال بضع سنين كما في سورة الروم.
ومن الأمور الغيبية التي أخبر عنها النبي – صلى اللّـه عليه واله وسلم – زوال مملكتي فارس والروم، ووعده لسراقة بن مالك أن يلبس سواري كسرى، وهلاك كسرى وقيصر، وإنفاق كنوزهما في سبيل اللّـه، كما جاء في حديث أبي هريرة أن رسول اللّـه – صلى اللّـه عليه واله وسلم – قال : ( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل اللّـه ) رواه البخاري ، وفي يوم الخندق شكا الصحابة إلى رسول اللّـه – صلى اللّـه عليه واله وسلم – صخرة لم يستطيعوا كسرها، فجاء رسول اللّـه صلى اللّـه عليه واله وسلم – وأخذ الفأس وقال : ( بسم اللّـه ) فضرب ضربة كسر منها ثلث الحجر، وقال : ( اللّـه أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، واللّـه إنى لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا ) ، ثم قال : ( بسم اللّـه ) ، وضرب ثانيةً فكسر ثلث الحجر، فقال : ( اللّـه أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، واللّـه إنى لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا ) ، ثم قال : ( بسم اللّـه ) وضرب ضربة كسرت بقية الحجر، فقال : ( اللّـه أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، واللّـه إنى لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا ) رواه أحمد .
ومن الأمور التي أخبر بها النبي – صلى اللّـه عليه واله وسلم – الضعف والهوان الذي سيصيب الأمة من بعده وتكالب أعدائها عليها، فعن ثوبان أن رسول اللّـه – صلى اللّـه عليه وسلم – قال : ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ) ، فقال أحدهم : ” ومن قلةٍ نحن يومئذ ؟ “، فقال لهم : ( بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن اللّـه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ اللّـه في قلوبكم الوهن : حب الدنيا وكراهية الموت ) وواقعنا اليوم خير شاهد على تحقّق ذلك .
وهذا الانحدار الذي حذّر منه النبي – صلى اللّـه عليه وسلم – كان نتيجةً حتميةً لافتراق الأمة واختلافها، والتقليد الأعمى للأمم الكافرة وسلوك سبيلها، وقد بيّن النبي – صلى اللّـه عليه واله وسلم – ذلك في قوله : ( والذي نفس محمد بيده، لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار ) رواه ابن ماجة ، وقوله : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ) رواه البخاري .
ومما أخبر به كذلك، فتنة الخوارج من بعده وما اتصفوا به من شدّة العبادة والجهل في الدين، حتى أنه وصف أحد قادتهم بأن إحدى يديه مثل ثدي المرأة، فوجده الصحابة رضوان اللّـه عليهم يوم النهروان مقتولاً ، وتفاصيل هذا الخبر مذكورة في مسند الإمام أحمد .

ومن جملة ما أخبر به النبي – صلى اللّـه عليه وسلم – غير ما تقدم، تقارب الزمان، وتوالي الفتن، حتى يصبح القابض فيها على دينه كالقابض على الجمر، وظهور النساء الكاسيات العاريات، وتطاول الحفاة الرعاة في البنيان، وتضييع الناس للأمانة، وتعاملهم بالربا، وإتيانهم للفواحش، واستحلالهم للخمر وتسميتها بغير اسمها، وانتشار قطيعة الرحم وسوء معاملة الجار، وتوالي الحروب، وكثرة الزلازل، وزيادة عدد النساء على الرجال، وادعاء ثلاثين رجلا للنبوة، إلى غير ذلك من العلامات التي وقعت .

أما ما ورد عن اهل البيت عليهم السلام نذكر جمله من الروايات كشاهد على ذلك:-

عن معمر بن خلاد  قال : سأل أبا الحسن عليه السلام رجل من أهل فارس فقال له : أتعلمون الغيب ؟ فقال : قال أبو جعفر عليه السلام : يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم ، وقال : سر اللّـه عز وجل أسره إلى جبرائيل عليه السلام وأسره جبرائيل إلى محمد صلى اللّـه عليه وآله ، وأسره محمد إلى من شاء اللّـه .
وعن عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد اللّـه عليه السلام عن الإمام ؟ يعلم الغيب ؟ فقال : لا ولكن إذا أراد أن يعلم الشئ أعلمه اللّـه ذلك .
وفي شرح أصول الكافي لمولي محمد صالح المازندراني – ج 3 – ص 288 – 2

وقال أبو الحسن العسكري ( عليه السلام ) : « اسم اللّـه الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا كان عند آصف حرف فتكلم  به  فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا وحرف عند اللّـه مستأثر به في علم الغيب »

حدثنا عباد بن سليمان عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه عن سدير قال كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير الرقي في مجلس أبى عبد اللّـه عليه السلام إذ خرج إلينا وهو مغضب فلما اخذ مجلسه قال يا عجباه لأقوام يزعمون انا نعلم الغيب ما يعلم الغيب الا اللّـه لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منى فما علمت في أي بيوت الدار هي قال سدير فلما ان قام عن مجلسه صار في منزله وأعلمت دخلت انا وأبو بصير و ميسر وقلنا له جعلنا اللّـه فداك سمعناك أنت تقول كذا وكذا في امر خادمتك ونحن نزعم انك تعلم علما كثيرا ولا ننسبك إلى علم الغيب قال فقال لي يا سدير ألم تقرء القرآن قال قلت بلى قال فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّـه قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك قال قلت جعلت فداك قد قرأت قال فهل عرفت الرجل وهل علمت ما كان عنده علم من الكتاب قال قلت فأخبرني افهم قال قدر قطرة الثلج في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب قال قلت جعلت فداك ما أقل هذا قال فقال لي يا سدير ما أكثر من هذا لمن ينسبه اللّـه إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّـه عز وجل قل كفى باللّـه شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال قلت قد قرأته قلت جعلت فداك قال فمن عنده علم من الكتاب افهم أم عنده علم الكتاب قال بل من عنده علم الكتاب كله قال فأومى بيده إلى صدره قال وعلم الكتاب واللّـه كله عندنا علم الكتاب واللّـه كله عندنا .
وفي الكافي للشيخ الكليني – ج 1 – ص 256 – 258

وعن عبد الاعلى مولى ال سام قال سمعت ابا عبد اللّـه عليه السلام يقول واللّـه اني لاعلم كتاب اللّـه من اوله الى اخره كأنه في كفي فيه خبر السماء وخبر الارض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن قال تعالى فيه تبيان كل شيء 0الكافي ج1 ص229.

وعن ابي بصير قال قال ابو عبد اللّـه عليه السلام أي امام لايعلم ما يصيبه بحجه للّـه على خلقه الكافي ج1ص258.

عن الحارث بن المغيره وعده من اصحابنا منهم عبد الاعلى وابو عبيده وعبد اللّـه بن بشير الخثعمي سمعت ابا عبد اللّـه عليه السلام يقول:اني لاعلم ما في السماوات وما في الارض واعلم مافي الجنه واعلم ما في النار واعلم ما كان وما يكون قال:ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه فقال علمت ذلك من كتاب اللّـه عز وجل أن اللّـه عز وجل يقول فيه تبيان كل شيء  الكافي ج1 ص261.

وعن علي السائبي عن ابي الحسن الاول موسى عليه السلام قال :قال مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه :ماض وغابر وحادث فأما الماضي فمفسر وأما الغابر فمزبور وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الاسماع وهو افضل علمنا ولا نبي بعد نبينا 0الكافي ج1 ص264.

فالنتيجه المتحصله من ذكر الآيات والروايات أن عالم الغيب والشهادة هو اللّـه ولكنه يطلع على غيبه ما يشاء من أنبياء وأوصياء لمصلحه هو يراها جل وعلى فعلم الغيب أولا وبالذات له سبحانه وتعالى وثانيا وبالتبع لأوليائه صلوات ربي عليهم اجمعين والحمد للّـه رب العالمين .

……………………………………………………………………………………………………………………………..

( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 14 – السنة الثانية – بتاريخ 26-10-2010 م – 18 ذو القعدة 1431 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى