زاوية العقائد الدينية

علم الغيب وهل هو مختص باللّـه أم للمعصوم عليه السلام حظ منه – الجزء الأول

لقد خاضت كثير من الاقلام في مسائله علم الغيب فهم ما بين افراط وتفريط وكل واحد منهم له ادلته حسب مايراه بعقله القاصر من ظواهر بعض الايات الكريمه التي تقصر علم الغيب على اللّـه جل وعلى دون  الأنبياء والائمه عليهم السلام وهذه الظواهر قد تشبث بها أبناء العامه وقالوا إن علم الغيب مقتصر على اللّـه دون غيره وكفّروا من يقول ان الانبياء والائمة عليهم السلام يعلمون الغيب اما المثبتين لعلم الغيب أيضا تمسكوا بآيات تدل على ان الأنبياء والائمه عليهم السلام يمتلكون هذه الصفه فنبدأ بحول اللّـه وقوته فنقول:

تعريف الغيب لغة:-
يجد الباحثُ لدى مراجعته لكتب اللغة أن الغَيْبَ يُطْلَقُ على كُلِّ ما غاب عن الحواس و كان مستوراً و محجوباً عنها .و إنما تسَمَّى الغَابَةُ غابةً لأنها تُغَيِّبُ ما فيها و تَسْتُرُها عن الأنظار لكثافة أشجارها .قال الخليل الفراهيدي : و كل شي‏ء غَيَّبَ عنك شيئاً فهو غَيَابَة .و قال أيضاً : وأغابت المرأة فهي مغيبة ، إذا غاب زوجها .أما إبن منظور فقد قال : الغَيْبُ : كلُّ ما غاب عنك .وقال أيضاً نقلاً عن شمر : و يُقال : سمعتُ صوتاً من وراءِ الغَيْب ، أَي من موضع لا أَراه، و قال الطُريحيُ : قوله تعالى : ﴿ قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ  ـ بفتح الغين ـ أي في قَعره ، سُمِّيَ به لغيبوبته عن أعين الناظرين ، و كل شي‏ء غَيَّبَ عنك شيئاً فهو غَيَابَة .

وتعريفنا للغيب :
و بعد الإطلاع على آراء اللغويين من خلال مراجعة مجموع كلماتهم المختلفة التي ذكروها في كتبهم و قواميسهم حول الغيب يمكننا صياغة تعريف أدق للغيب كالتالي :الغَيْبُ : ما غَابَ عن الحواس و خَفي عليها .فما غاب عن حواسنا و خرج عن دائرتها و حدودها فهو غيب بالنسبة إلينا .

الغيب في المُصطلح القُرآني :
أما الغيبُ في المصطلح القرآني فهو ضِد الشهود و الحضور ، و قد تكرر استعمال لفظ ” الغيب ” و بعض مشتقاته في القرآن الكريم أربعاً و خمسين مرة بالمعنى المذكور ، و من تلك الآيات :

1. قال اللّـه عَزَّ و جَلَّ : ﴿ … عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ .
2. قال تعالى : ﴿ … ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾.
3. قال جَلَّ و عَلا : ﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّـه عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ .
أقسام الغيب :
ينقسم الغَيبُ إلى قسمين :الغيب المُطلق : و هو الغيب الذي يستحيل الإطلاع عليه بواسطة الحواس أبداً ، و يمتنع إدراكه بالآلات و الأدوات المادية كذات اللّـه سبحانه و تعالى و صفاته و غيرهما .

الغيب النسبي : و هو الغيب الذي يتفاوت إمكان الإطلاع عليه بحسب الظروف و الأفراد و الأزمان ، فقد يكون غيباً بالنسبة لإنسان و لا يكون كذلك لإنسان آخر ، أو يكون غيباً في زمان دون زمان ، و لا يستحيل الإطلاع على هذا القسم من الغيب إذا توفرت الأسباب و الأدوات اللازمة لذلك فيصبح محسوساً بعد أن كان غيباً .
ومن أمثلة ذلك أن أذن الإنسان غير قادرة على إلتقاط الأصوات التي تقل عدد ذبذباتها ( اهتزازاتها ) عن 20 اهتزازة في الثانية ( دون سمعية ) و لا تلك التي تزيد اهتزازتها عن 25000 إهتزازة في الثانية ( فوق سمعية ) في حين تستطيع كثير من الحيوانات سماع معظم تلك الأصوات و تمييزها ، فتكون هذه الأصوات بالنسبة إلى الإنسان غيباً و لا تكون بالنسبة إلى تلك الحيوانات غيباً كما هو واضح .
 فالأشياء المجهولة ـ أي غير الواقعة تحت الحواس ـ غيب ، و من الحَري أن نسمّيها عندئذ غيباً نسيباً ، لأنّ هذا الوصف الطارئ عليها ، وصف نسبي يختلف بالنسب و الإضافات ، كما أنّ ما في الدار ـ مثلاً ـ من الشهادة بالنسبة إلى من فيها ، و من قبيل الغيب بالنسبة إلى من هو في خارجها ، و كذا الأضواء و الأكوان المحسوسة بحاسّة البصر ، من الشهادة بالنسبة إلى البصر ، و من الغيب بالنسبة إلى حاسّة السمع ، و المسموعات التي ينالها السمع ، شهادة بالنسبة إلى الإنسان الذي يملكهما في بدنه و من الغيب بالنسبة إلى غيره من الاناسي .
ومن الايات التي تصرح ان علم الغيب مختص باللّـه تعالى هي مثل قوله تعالى : ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا اللّـه ) الآية (65) من سورة النمل (27) وهي مكية .
    وقوله تعالى : ( فقل إنما الغيب للّـه . . . ) الآية (20) من سورة يونس (10) وهي مكية .
    وقوله تعالى : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) الآية (59) من سورة الأنعام (6) وهي مكية .
    وقد وصف اللّـه نفسه جل ذكره بأنه ( عالم الغيب ) في آيات أخرى :
    منها قوله تعالى : ( عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير ) الآية (73) من سورة الأنعام (6) وهي مكية .
    وقوله تعالى : ( ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ) الآية (94) من سورة التوبة (9) وهي مدنية .
    وقوله تعالى : ( عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ) الآية (9) من سورة الرعد (13) وهي مدنية .
    وقوله تعالى : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ) الآية (26) من سورة الجن (72) وهي مكية .

وقال تعالى : ( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ، وما مسني السوء ، إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ) الآية (188) من سورة الأعراف (7) وهي مكية .

اما الايات التي تعطي علم الغيب الى الانبياء والاوصياء المرتضين عند اللّـه :
قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا {26} إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَد يْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا {27} [سورة الجن] وقوله تعالى على لسان عيسى (ع)، {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم} (آل عمران:49)

وقوله تعالى ( وما كان اللّـه ليطلعكم على الغيب ولكن اللّـه يجتبى من رسله من يشاء ) .

فهنا قسمان من الآيات الكريمة قسم ينفي علم الغيب إلا للذات المقدسه والقسم الأخر يثبتها لغير الذات المقدسه فهل هنا يوجد تنافي بين آياته حاشا للّـه وهو العليم الخبير تعالى اللّـه علوا كبيرا والحقيقة التي لابد أن نعرفها إن علم الغيب أولا وبالذات هو للّـه جل وعلى وثانيا على نحو الطولية والعطاء والتكرم منه جل وعلى لأنبيائه وأوليائه عليهم السلام

ولا ينفي علم الغير به بتعليم منه تعالى كما يشير إليه قوله : ” عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ” الجن : 27 ، وقد حكى اللّـه سبحانه نحوا من هذا الاخبار عن المسيح عليه السلام إذ قال : ” وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون ” آل عمران : 49 ، ومن المعلوم أن القائل أن النبي صلى اللّـه عليه وآله وسلم كان يخبر الناس بما يكون في غد لا ينفي كون ذلك بتعليم من اللّـه له . وقد تواترت الأخبار على تفرقها وتنوعها من طرق الفريقين على إخباره صلى اللّـه عليه وآله وسلم بكثير من الحوادث المستقبلة .

أما الروايات التي تؤكد هذا المعنى عن طريق العامة فسنرجئ ذكرها الى قسم لاحق.

………………………………………………………………………………………………………………..ز

( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 13 – السنة الثانية – بتاريخ 19-10-2010 م – 11 ذو القعدة 1431 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى