عمر يرفض وصية رسول الله محمد (ص)
الأب: فلقد سمعتم ما قال عمر لرسول الله (ص)، حيث أتهمه بالهذيان والهجر، وهو (ص) الذي أمرنا الله بطاعته بنص الكتاب الكريم، فقال: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، وقال: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ﴾، وبين الله تعالى بأن طاعة الرسول من طاعته بقوله تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾، وما ذلك إلاّ أن الله تعالى ائتمنه على دينه، فهو أمين الله على دينه، ولذا قال: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾.
فكيف يقال عنه بأنه يهجر؟! وغلبه الوجع؟! فعمر يريد أن يقول لا تأخذوا بكلام رسول الله (ص) لأنه غلبه الوجع!! والحال أنّ القرآن يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾، وقال سبحانه: ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً﴾، ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾، ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾.
ومن الواضح يا أبنائي أن هذه الآيات المباركات تنص على حقائق مختلفة لكن نأخذ من جميعها أن الرسول (ص) أمين على الوحي ويجب طاعته فيما يقول، فكيف لعمر أن يقول: غلبه الوجع،، يهجر!!
أليس الهجر يتنافى مع صريح الآية التي تأمر بالأخذ بقوله؟!!
فلو كان يهجر في آن ما فكيف يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾.
ثم لو كان يهجر فكيف يقول عنه الله تعالى: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى)؟!!
فلاحظوا يا أبنائي ظلامة عمر ومن سار على منواله لرسول الله (ص). فلقد آلموا قلب النبي (ص) حتى قال لهم (قوموا عني)، وهو (ص) المعروف بخلقه السامي حتى أنّه إذا جلس عنده أحد لا يقوم حتى يقوم الذي جلس عنده، وكان لا يترك يد من صافحه حتى يتركها صاحبها يد الرسول (ص)، وهو الممدوح في القرآن بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، فمع عظم هذه الأخلاق قال لهم: (قوموا عني)!! فكم كانت المرارة التي يقاسيها منهم!!
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.
واثق: يا لها من مآسي مرّت على النبي (ص)!!
محمود: إنّ الهدف من بعثة الرسل والأنبياء وإنزال الكتب السماوية معرفة الله تعالى وصون الإنسان من الضلال وقوده إلى الهدى ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، ونحن المسلمون ندعو ليلاً ونهاراً ﴿اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾، والرسول (ص) أراد بكتابة الكتاب صيانة الأمة من الضلال، فقال: (أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)، فلماذا يقال له ما قيل؟!!
الأب: إن الرسول كان يرى الفتن مقبلة من بعده، ولشفقته على الأمة أراد كتابة تلك الوصية وذلك الكتاب، لكن حال عمر وجماعته دون كتابته في ذلك المجلس، وهذا لا ينافي أنّه كتبها في وقت آخر، فانتبهوا يا أولادي.
أحمد: إنّ النبي (ص) قال: (أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)، ومعنى ذلك أنّ الكتاب عاصم من الضلال لمن أخذ به، وكلامك يا أبي يُشعر بأنّ النبي (ص) كتب وصيته في وقت آخر، فهل كتب الرسول (ص) الكتاب بعد ذلك أم لا؟
الأب: نعم يا بُني كتب الكتاب، وهو وصيته التي أوصى بها ليلة وفاته، وسأتكلم لكم عنها في الوقت المناسب.
محمود: لأول مرّة أسمع أن النبي (ص) أوصى قُبيل وفاته؟!!
الأب: نعم يا بُني لقد أوصى ليلة وفاته لعلي بن أبي طالب (ع)، وأشهد على وصيته ثلاثة أشخاص هم سلمان وأبو ذر والمقداد، وسأتكلم لكم عن هذه الوصية بالتفصيل، وأُجيب عن استغرابكم عندما سمعتموني قلت أنّ الرسول (ص) أوصى.
واثق: يا أبي، كيف يقولون حسبنا كتاب الله وكتاب الله يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾؟، ثم لو كان كتاب الله كافياً فما فائدة أحاديث الرسول (ص) التي اعتنى بتدوينها الكثير؟؟
الأب: أحسنت يا واثق ها أنت أجبت عن هذه المقولة بجواب شافي ووافي، فمن هنا جاء حديث الثقلين الذي رواه العام والخاص بألفاظ مختلفة، وهو قول النبي (ص): (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تلحقوا بي فيهما) ذخائر العقبى: ص 16.
فالتمسك بالثقلين معاً هو العاصم من الضلال، ومن قال حسبنا كتاب الله ضل وزاغ عن الصراط الحق، ولذا تجد النبي (ص) أراد أن يبين للناس أن العصمة من الضلال تكون بأتباع الثقلين معاً. والثقل الأول هو القرآن الكريم كتاب الله تعالى، والثقل الثاني هم عترة النبي (ص).
والآن اتضحت الإجابة عن سؤالك يا واثق، وهي أنني أصبحت شيعياً، لأنّ النبي (ص) أمرني أن أتبع مذهب أهل البيت (ع).
وبهذا ننهي كلامنا في هذه الليلة ونلتقي غداً في نفس الوقت.
والحمد لله رب العالمين، وأفضل التحية والسلام على خير الأنام محمد وآله الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.