أشرنا إلى أن أحد المضامين المحمدية للمنادى باسمه سماوياً هو ما قاله الإمام الباقر (ع): (ينادي منادي باسم القائم واسم أبيه)، وانتهينا إلى أنّ وصف القائم في زمن الظهور يطلق على شخصيتين، وعرفنا ذلك بروايات أهل البيت (ع).
والآن نقول: إن القائم المخفي الاسم والموصوف بأنه علامة حتمية للظهور هو ذاته المقصود برواية أبي بصير عن الإمام الصادق (ع)إذ يقول: (يا أبا محمد ليس ترى امة محمد فرجاً أبداً مادام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت يسير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين القائد العادل الحافظ لما استودع يملاها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً) بحار الأنوار: ج25 ص269.
وقوله (ع) في نهايتها: (ثم يأتينا الغليظ القصرة..) أكيد يقصد به الإمام المهدي (ع)، فمن هو الآتي قبله غير القائم الحتمي الخروج والمخفي الاسم!!
ولكن السؤال الآن: من هو القائم المباشر لرفع الراية التي وصفت بأنها أهدى الرايات وأن الملتوي على صاحبها يكون من أهل النار؟!
روى أبي بصير، عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل) الكافي: ج8 ص295 ح452. والحديث صريح في أنّ كل راية قبل راية القائم صاحبها طاغوت، ويبقى السؤال الأول قائماً، ويضاف عليه سؤال ثانٍ ينبثق من الرواية التالية:
عن الإمام الباقر (ع): (.. وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) غيبة النعماني: ص264.
ولما كان واضحاً أنّ اليماني صاحب راية ويرفعها قبل ظهور الإمام المهدي (ع) للناس، فهل رايته مشمولة بالوصف الذي حدده الإمام الصادق (ع) لجميع الرايات التي ترفع قبل قيام القائم؟
الجواب: لا يمكن بحال القول بالشمول؛ ذلك أنّ راية اليماني هي أهدى الرايات، وأنه يدعو إلى الإمام (ع)، ثم أمر الإمام الباقر (ع) بالنهوض إليه، وتحذير المتخلف عنه بالنار. ولعل منشأ الشك في الشمول هو صرف كل لفظ يرد بعنوان (القائم) إلى الإمام المهدي (ع)، وقد تبين خطأ ذلك، ولا ينتهي الوقوع في منزلق رفض روايات آل محمد (ع) أو توهم المنافاة بينها إلا بالقول إنّ (راية اليماني = راية القائم).
ولأجل تأكيد حقيقة الاتحاد إليكم ما ورد عن آل محمد (ع) وهم يذكرون خروج القائم من المحتوم تارة كما مر، ويذكرون ذات العلامات ولكنهم (ع) يبدلون بالقائم “اليماني” تارة أخرى، فعن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء) كمال الدين وتمام النعمة: ص650 ح7.
على أنّ القائم المصاحب خروجه للسفياني ليس أمره محتوماً فقط بل من الميعاد الذي لا مجال لتطرق البداء في تفاصيله أبداً، فعن داود بن القاسم الجعفري،قال: (كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (ع) فجرى ذكرالسفياني، وماجاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، قلت لأبي جعفر: هل يبدولله في المحتوم؟قال: نعم. قلناله: فنخاف أن يبدولله في القائم. فقال: إن القائم من الميعاد،والله لايخلف الميعاد)غيبة النعماني: ص315.
فلِمَ لم يذكر الإمام الصادق (ع) في الرواية السابقة (القائم) بعد كونه من الميعاد إن لم يكن هو اليماني نفسه، فتدبروا يا أولي الألباب. وبذلك ظهر أنّ القائم المباشر لرفع الراية هو اليماني.
الآن، لو أعدنا استعراض ما وعد به الإمام الصادق (ع) من التبري من آل محمد (ع) وتناولهم واتهامهم بالسحر والعياذ بالله بعد نداء إبليس الأرضي: (.. ويرتاب يومئذٍ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا، فعند ذلك يتبرءون منا ويتناولونا، فيقولون: إن المنادي الأول سحر من سحر أهل هذا البيت) غيبة النعماني: ص260.
هذا وهم يسمعون النداء السماوي (ينادي منادي باسم القائم واسم أبيه)، فما بالهم إذن يفعلون هذا إذا كان النداء باسم القائم الإمام محمد بن الحسن (ع)؟! هل يخطر في بال شيعي أن يفعل هذا؟!
انه إذن النداء باسم القائم (العلامة الحتمية بل الموعود)، المخفي الاسم أحمد، الإمام المجهول من آل محمد (ع)، اليماني صاحب راية الهدى، عند ذلك من الطبيعي جداً لمن يتبع هواه ممن يدعي التشيع رفض (احمد) والتبري منه وتناوله بالسب والاستهزاء بل اتهامه بالسحر، تماماً كما نراه اليوم بأعيننا مع السيد أحمد الحسن (ع) يماني آل محمد الموعود وقائمهم المأمول، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مزيد من التوضيح يأتي بمطالعة قادم الحلقات، والحمد لله رب العالمين .
…………………………………………………………………………………………………………………
( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 4 – السنة الثالثة – بتاريخ 9-8-2011 م – 9 رمضان 1423 هـ.ق)