كتب المستشار الاقتصادي للحكومة الفرنسية جان بيسانس فيري قائلا إن أزمة الديون اليونانية تعمق القلق من تفكك منطقة اليورو، وأشار في مقاله المنشور عبر بروجيكت سينديكيت إلى أن هناك ثلاثة مؤشرات تدعم هذه المخاوف.
وأوضح فيري أن أول المؤشرات هو أن المؤسسات المالية الأوروبية التي تتمتع بوضع مالي جيد أصبحت تفضل -منذ يوليو/تموز الماضي- إيداع أموالها في البنك المركزي الأوروبي بدلا من إقراضها للمصارف التجارية، وهو وضع شبيه بما حدث في أزمة 2007-2008.
وأكد أن ثمة أسبابا وجيهة للقلق رغم أن المصارف في الولايات المتحدة وأوروبا ما زال بعضها يقرض بعضا.
وثاني المؤشرات يتمثل في كون معدلات الفائدة التي تتقاضاها المصارف على الأموال التي تقدمها للمقترضين في دول جنوب أوروبا أعلى منها في نظيراتها في شمال القارة، وهو ما يعمق ويعقد أزمة الاقتصاديات المأزومة ويزيد في تشظي السوق الأوروبية التي يفترض أنها موحدة.
وبدلا من محاربة هذا التوجه، فإن سلطات الرقابة المالية والمصرفية في شمال أوروبا تعزز هذه الظاهرة من خلال سعيها إلى الحد من انكشاف مؤسساتها المالية للمصارف في جنوب القارة.
التشظي المتنامي في جسد منطقة اليورو سببه الأساسي “الاعتماد المتبادل” بين المصارف والحكومات، فالمصارف واقعة تحت تهديد أزمات الديون السيادية والحكومات عرضة لمخاطر الأزمات المصرفية |
أما المؤشر الثالث فيبرز أن المستثمرين الدوليين لم يعودوا ينظرون إلى السندات الحكومية في دول جنوب أوروبا بنفس الثقة التي يتعاملون بها مع السندات الحكومية في شمال القارة.
هذا التوجه يعكس حجم الخطورة التي ينطوي عليها الاستثمار في السندات الأوروبية الجنوبية، ويمثل تحولا جوهريا في مزاج المستثمر. وإذا ما استمر هذا النمط الإقراضي تجاه دول جنوب أوروبا، فإن الملاءة المالية لاقتصادات هذه الأقطار وقدرتها على التعافي ستعاني.
واعتبر المستشار الاقتصادي قرار مسؤولي منطقة اليورو لإصلاح الرقابة على الحكومات والمصارف وزيادة رأسمال صندوق الاستقرار المالي الأوروبي، تحركا هاما، لكنه نصف خطوة. فإذا كان هذا القرار مهما بوصفه يحاصر نيران الأزمة، فإن القضية المركزية تكمن في الحاجة إلى بناء اتحاد نقدي أكثر صرامة ومتانة.
وأشار إلى أن التشطي المتنامي في جسد منطقة اليورو سببه الأساسي “الاعتمادية المتبادلة” بين المصارف والحكومات. فالمصارف واقعة تحت تهديد أزمات الديون السيادية، لأنها تملك كما كبيرا من سندات حكومات بلدانها، والحكومات عرضة لمخاطر الأزمات المصرفية لأن هذه الحكومات مسؤولة عن إنقاذ مؤسساتها المالية الوطنية. وكل فصل من فصول الأزمة الراهنة يجسد المأزق الناجم عن هذا “الاعتماد المتبادل”.
مخارج ثلاثة
في المقابل أبرز المقال ثلاثة مخارج ممكنة لهذا الوضع. الأول يعتمد على تدخل البنك المركزي لمحاصرة أي خطر يهدد سوق الديون السيادية. فميزانية الحكومة البريطانية أسوأ من ميزانية نظيرتها الإسبانية، لكن قدرة البنك المركزي البريطاني على منع المضاربات على ديون المملكة المتحدة يكفي لطمأنة المستثمرين.
أما البنك المركزي الأوروبي الذي تنتمي إليه إسبانيا فليست لديه هذه الصلاحية، وحينما حاول القيام بهذا الدور مع إيطاليا وإسبانيا، قوبل بمعارضة قوية داخلية. وصندوق الاستقرار المالي الأوروبي الذي أنشئ مؤخرا يمكن أن يلعب هذا الدور، لكن هامش حركته محدود، لأن منحه هذه الصلاحية سيثير معارضة ألمانيا على الأقل لأسباب دستورية.
التحدي الذي تواجهه القارة الأوروبية هو قدرتها على قول وفعل ما يجدد مصداقيتها في نظر الأسواق التي تمدها بالقروض وأسباب الحياة المالية |
المخرج الثاني يكمن في تقوية المصارف من خلال زيادة رساميلها وإزالة “الجدران التنظيمية” التي تعزل المصارف الوطنية الأوروبية بعضها عن بعض بهدف الحد من تعرضها لمخاطر الإفلاس تحت وطأة الديون السيادية.
والقيام بهذه الخطوة سيدعم منطقة اليورو، لكن قادة أوروبا قد لا يملكون الجرأة الكافية لتنبي مثل هذه الخطة بالكامل، وهذه القضية ستتضح حينما تكشف تفاصيل برنامج زيادة رساميل المصارف.
المخرج الثالث يتمثل في تقليص المخاطر السيادية عبر إقامة نظام رقابة وضمانات متبادلة بين دول منطقة اليورو.
هذا الإجراء قد يكون بمنزلة اتحاد مالي، وقد يكون مخولا إصدار “سندات يورو”. ويعد هذا الخيار من الناحية السياسية صعبا للغاية للدول الكافلة والدول المكفولة، لكنه قد يكون هو العملي من بين هذه المخارج.
وخلص فيري إلى أن هذه المخارج يكمل بعضها بعضا بصورة جزئية. وحتى لو لم يتبن إلا واحد منها، فإنها تظل خطوة إيجابية.
لكن في النهاية، يظل التحدي الذي يواجه القارة الأوروبية هو قدرتها على قول وفعل ما يجدد مصداقيتها في نظر الأسواق التي تمدها بالقروض وأسباب الحياة المالية.