زاوية العقائد الدينية

جزاء الصابرات – الجزء الثالث

( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ 41 ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ 42 وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ ) .

السيدة رحمة :

قد بينا في المواضيع السابقة كل من السيدة اسية بنت مزاحم و وقوفها مع حجة الله في زمانها و السيدة مريم وتسليمها لامر الله و مؤازرتها لحجة الله , وفي هذا الموضوع نتناول موعظة جديدة وقصة لا تخلو من المواعظ و العبر في جزاء الصابرات ،

فأننا لا نريد ان يكون الموضوع للقراءة فقط بل اختيار كل منا دور لامرأة صابرة مؤمنة بكلمات الله من حيث الغيب و التصديق بالوعد الالهي والانصياع لامر الله فنجد في قصة السيدة رحمة و صبرها مع حجة الله انها لا تقل عن قريناتها صبرا و تحملاً و تسليما لامر الله لكن هنا معركتها كانت عظيمة وشرسة لانها معركة مع الشيطان .

فهذه السيدة كانت زوجة وام تعيش في نعيم الايمان و الرحمة الالهية و من ثم بدأت تتوالى عليها وعلى زوجها الاختبارات الالهية في جميع الزينة الدنيوية من اموال و بنين و جميع زخارف الدنيا فكانت هي الوحيدة التي وقفت مع زوجها و شاطرته جميع هذه الابتلاءات , و احتملت بما لديها من قوة و صبر و ايمان , فكانت الزوجة العظيمة التي تكدح و تتحمل و ترعى نبي الله ايوب (ع) و تشاركه في جميع ابتلاءاته و هي صابرة و مؤازرة له , و قد سؤل الامام الصادق (ع) عن بلية ايوب (ع) التي ابتلي بها في دار الدنيا لأي علة كانت ؟ فأجاب (ع) : ( انما كان بلاؤه لنعمة انعم الله عز و جل عليه في الدنيا و أدى شكرها , و كان في ذلك الزمان لا يحجب ابليس دون العرش فلما صعد و رأى شكر نعمة ايوب (ع) حسده ابليس فقال :  يا رب ان ايوب (ع) لم يؤد  اليك شكر هذه النعمة الا بما اعطيته في الدنيا و لو حرمته دنياه ما ادى اليك شكر نعمة ابداً , فسلطني على دنياه حتى تعلم انه لم يؤد اليك شكر نعمة ابداً .

فقال الباري عز و جل : قد سلطتك على ماله و ولده , قال (ع) : فانحدر ابليس فلم يبقي له مالا ً و لا ولداً الا اعطبه ( اهلكه ) فازداد ايوب (ع) لله شكراً و حمداً , قال : فسلطني على زرعه يا رب , قال : قد فعلت , فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد ايوب (ع) لله شكراً و حمداً , فقال : يا رب سلطني على بدنه , فسلطه على بدنه ما خلا عقله و عينيه فنفخ فيه ابليس فصار قرحة واحدة من قرنه الى قدمه , فبقي في ذلك دهراً طويلاً بحمد الله و شكره ) 

 فمرت الايام و السنين و هي صابرة مطيعة لأمر الله من خلال تحملها لمرض النبي ايوب (ع) و هو حجة الله في ارضه في ذلك الزمان فلم تهمله يوماً من الايام او تتضجر لأنها فقدت كل شيء يعول عليها بالراحة الدنيوية فهي حفيدة النبي يوسف (ع) و هذا النسب لا يزيدها الا طهارة و عفة و تعجيز للشيطان على اغرائها،

و في ذات يوم حيث انها خرجت لتجلب الخبز لنبي الله ايوب (ع) فتمثل لها الشيطان بصورة امرأة و قال لها : اليوم زفاف ابنتي و اريد احدى ضفيرتيك لأزين بها ابنتي مقابل رغيفتي خبز فوقفت متحيرة تعود لزوجها المريض بلا طعام او تعطي ضفيرتها مقابل الخبز فأعطت ظفيرتها و جلبت الخبز و عندما عادت لزوجها و رأى ظفيرتها مقطوعة حلف عليها ان يضربها مائة جلده ثم رفع رأسه الى السماء و دعى الله (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) فجاء الجواب من الله (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ) و اذ بالابتلاء ينجلي عن ايوب و زوجته و لم يتمكن الشيطان ( لعنه الله ) من ايهامها او التقليل من صبرها و ظفيرتها كانت الثمن لخلاص الامتحان حيث كرمها الله سبحانه بحزمة من الريحان ليفي زوجها بقسمة . و في حديث للرسول محمد ( ص) مع حولاء قال : ( … يا حولاء ! يجب على المرأة ان تصبر على زوجها على الضر و النفع , و تصبر على الشدة و الرخاء كما صبرت زوجة ايوب (ع) المبتلى , صبرت على خدمته ثماني عشر سنة تحمله على عاتقها مع الحاملين و تطحن مع الطاحنين و تغسل مع الغاسلين و تأتيه بكسرة يأكلها و يحمد الله عز و جل و كانت تلقيه في الكساء و تحمله على عاتقها شفقة و احساناً الى الله و تقرباً اليه عز و جل ) .

يا حولاء ! و الذي بعثني بالحق نبياً و رسولاً كل امرأة صبرت على زوجها في الشدة و الرخاء كانت مطيعة له و لأمره حشرها الله تعالى مع امرأة ايوب (ع) )  .

……………………………………………………………………………………………………

( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 33 – السنة الثانية – بتاريخ 8-3-2011 م – 2 ربيع الثاني 1432 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى