من كنت مولاه فعلي مولاه
د. عبدالرزاق البصري
بعد انفضاض موسم الحج وتشعب الطرق القافلة بالمسلمين الى بلدانهم، نزل الامر الالهي الحازم بضرورة تبليغ ولاية علي صلوات الله عليه، فوجّه النبي صلى الله عليه وآله بارجاع المغادرين وجمعهم عند غدير خم في نهار قائض وتحت شمس مصلتة. “وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا “، فقد كان يمكن أن يأمر رسوله في حجة الوداع بتبليغ ما يريد، ولكنك تعلم أن إعادة الحاج بعد أن قطع شوطاً في رحلة العودة، وفي تلك الأجواء اللاهبة، تحمل دلالات مضاعفة على أهمية الأمر، كما أنها تقرنه بحادثة تحفره عميقاً على جدران الذاكرة.
قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: “ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم والي من والاه وعادِ من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله”.
لم يقل لهم: “ألست وليكم”، وإنما قال: “ألست أولى بكم من أنفسكم”. والفرق بين العبارتين كبير ومهم جداً. فلم يطلب منهم الرسول (ص) إقراراً بولايته عليهم – وهذا ما تؤديه عبارة “ألست وليكم” – لأن إقرارهم بهذا – أي بولايته – أمر مفروغ منه، وإنما أخذ منهم إقراراً بمفهوم هذه الولاية وحدِّها – وهذا ما تؤديه عبارة “ألست أولى بكم من أنفسكم” –، وهذا المفهوم هو أن الولاية تعني أن للولي حق التصرف بالأنفس وبالتالي بكل شيء، باعتبار أن من يملك حق التصرف بالأعلى وهو الأنفس يملك – من باب أولى – حق التصرف بالأدنى. فالرسول (ص) بيّن لهم حد الولاية المفروضة إلهياً عليهم بوصفهم مؤمنين وأخذ منهم إقراراً بالالتزام بهذا الحد، وقد أقروه بقولهم: بلى.
بعبارة أخرى، رسول الله (ص) لم يأخذ منهم إقراراً بنفس الولاية المفروغ منها طالما كانوا مؤمنين أو مسلمين، وإنما أخذ إقراراً بتفسير معنى الولاية وهم أقروه على ذلك، فلا معنى بعد هذا لاعتراضات الملتوين المنصبّة على تفسير معنى الولاية.
بعد أن بيّن لهم الرسول حدّ الولاية وأخذ منهم الإقرار عليه صدع بالأمر المهم الذي انعقد اجتماع الغدير لتبليغه، والمتمثل بإعلان ولاية علي وأخذ إقرارهم وبيعتهم له بالمعنى الذي سبق بيانه للولاية، وهذا هو معنى قوله (ص): “من كنت مولاه فعلي مولاه”. أي من كنت أنا أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه. ثم جاء قوله ص: “اللهم والي من والاه وعادِ من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله” ليؤكد أن ولاية علي بحجم ولاية النبي، فكما أن من لا يؤمن بولاية النبي يخرج من دائرة الإيمان والإسلام ويكون مخذولاً وعدواً لله فكذلك من لا يؤمن بولاية علي.
جعلنا الله واياكم من المؤمنين بولاية علي والأئمة من ولده وولاية المهدي والمهديين من ولده.
390 2 دقائق