زاوية الدعوة اليمانية

رؤيا يوحنا اللاهوتي (3-5)

رؤيا يوحنا اللاهوتي (3-5)
المرأة المتسربلة بالشمس والقمر وابنها
بقلم: ياسين الحموي
في: 1. 05. 2024

 في الأجزاء السابقة من هذه السلسلة بينا أنَّ رؤيا يوحنا اللاهوتي متعلقة بأحداث مستقبلية، وبالتالي لا قيمة لتفسير أي رمز أو دلالة من الماضي، وهذا ما جاء صراحةً في سفر الرؤيا، حيث نقرأ في بداية هذا الإعلان الإلهي: "إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ اللهُ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ" (رؤيا 1: 1)، ونقرأ أيضاً ما قاله يوحنا: "بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي السَّمَاءِ، وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ الَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوق يَتَكَلَّمُ مَعِي قَائِلًا: «اصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا»." (رؤيا 4: 1). 
وأيضاً نقرأ ما قاله الشخص الذي أوحى ليوحنا وكلمه في الرؤيا: "فَاكْتُبْ مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هذَا".

وبعد أن خصصنا الأجزاء السابقة من هذه السلسلة لرموز بعينها كالأسد والخروف، نخصص هذا الجزء لتبيان هوية المرأة المذكورة في الرؤيا والابن الذي ولدته، حيث نقرأ قصة هذه المرأة في الإصحاح الثاني عشر من الرؤيا:
” وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ: امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا، وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ. فَوَلَدَتِ ابْنًا ذَكَرًا عَتِيدًا أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ الأُمَمِ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ. وَلَمَّا رَأَى التِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، اضْطَهَدَ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَلَدَتْ الابْنَ الذَّكَرَ، فَغَضِبَ التِّنِّينُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ”.
يقول البعض ممن اجتهد في تفسير الكتاب المقدس: وهذه الرؤيا المُشفَّرة بالذات بأنَّ المرأة هي الكنيسة وبأن الولد الذي ولدته هو يسوع الناصري، وأما البعض الآخر فيقول: أن المرأة هي جماعة المؤمنين، وآخرون يقولون: أنها مريم أم المسيح، وهذ التفسيرات كلها باطلة ولا يصح كما بيّنَ ذلك من فكَّ كل الختوم وهو الأسد الذي من سبط يهوذا السيد أحمد الحسن، حيث يقول: “تفسير المرأة بأنها الكنيسة كما يُفسِّره المسيحيون عادة بيِّن البطلان، فيكفيه أنهم يفسّرون ولدها بأنه عيسى (ع) في حين الواقع أنّ عيسى ولد وبُعث ورُفع قبل أن تولد الكنيسة ويكون لها وجود !! وكذا محاولة تفسيرها بمريم (عليها السلام) غير صحيح.
ومن يطلب الحق فلينتبه أنه:
لو كانت المرأة هي مريم (عليها السلام) فمن هو ولدها ؟ ومن الاثنا عشر كوكباً والشمس والقمر؟ فهم إن قالوا إنّ المرأة في الرؤيا هي مريم (عليها السلام) سيحتاجون إلى خمسة عشر شخصية أخرى لتفسير الرؤيا بصورة صحيحة.
وهل عيسى (ع) رعى أو سيرعى جميع الأمم بعصا من حديد ؟!!!
وهل لمريم نسل غير عيسى (ع) عُرف عنهم أنهم مكلَّفون من الله بحفظ وصايا الله، أي أنهم رسل أو خلفاء الله في أرضه، وقادة للخير، وطريق الله بحيث يكون شغل قادة الشر من شياطين الإنس والجن في مواجهتهم كما في الرؤيا ؟
وأيضاً: الرؤيا عندما تبيّن أحداثاً فهي تُبيِّن أموراً غيبية تحدث في المستقبل عادة، وإلا فما معنى أن نرى ما حصل أمس في رؤيا لنخبر به الناس مثلاً ونحن أصلاً نعرفه، وأيّ فائدة ستترتب على إخبار الناس به ؟ ورؤيا يوحنا حصلت بعد أن ولدت مريم (عليها السلام) عيسى بوقت طويل، بل حتى بعد أن بعث عيسى وبعد أن أتم رسالته ورفع.
إذن، فرؤيا يوحنا تتكلم عن أمر غيبي سيكون، وليس عن أمر تاريخي حصل وانتهى كما يفسرها من يقول: إنّ المرأة مريم (عليها السلام).
ما تقدم أمورٌ جلية تنقض مسألة أنّ المرأة هي مريم (عليها السلام).
وقبل بيان معنى النص في الرؤيا يجب الالتفات إلى أنَّ الرؤى هي كلماتُ الله، وبالتالي فهي كالقرآن والتوراة والإنجيل تجري في أحوال مجرى الشمس والقمر من حيثُ التجدد، وانطباقها على أكثر من مصداق في أزمانٍ مختلفة، ومن حيث كونها رموزاً ولها معاني متعددة، فالشمس والقمر في الرؤيا يمكن أن يكونا الرسول والوصي، أو الأم والأب الجسمانيين، أو الأم والأب الروحانيين، وكذا في أحيان يمكن أن ترى شخصاً في الرؤيا والمراد ليس هو بل اسمه فقط، وربما ترى مدينة وليست هي المقصودة بل مدينة تشابهها في بعض صفاتها، أو ربما اسمها.
فالرؤى كلماتُ اللهِ وربما جاءت برموزٍ وبإشاراتٍ وبحكمة إلهية تماماً كما هو الوحي وكلام الأنبياء وكلام الله في كتبه المنزلة.

إذا تبين هذا أقول: إنَّ المرأة في رؤيا يوحنا ترمز إلى أم الإمام المهدي في زمن معين، فهي متسربلة ومُحاطة بالشمس والقمر والاثني عشر (أي بمحمد وعلي وفاطمة والأئمة من ولد فاطمة إلى الإمام المهدي، أي أربعة عشر)، والولد الذي تلده في الرؤيا هو المهدي الأول المذكور في وصية النبي محمد (ص)، فيكون العدد خمسة عشر كما في الرؤيا، وشياطين الإنس والجن يحاربون نسلها؛ لأنهم خلفاء الله في أرضه.
أما كون الولد ليس مباشرة منها فما معنى أنها متمخضة وولدته ؟! فالجواب أنها ولدت أبيه أو الأصل الذي جاء منه.
ولابد من التنبيه أنه لا مانع أن يكون هناك مصداق آخر للمرأة في زمن آخر باعتبار أنها ولدت نفس الولد محور الرؤيا، فتكون المرأة فاطمة والخمسة عشر هم أبيها وأمها وبعلها والأئمة الأحد عشر من بنيها والسرّ المستودع فيها أو المولود الثاني عشر من ولدها مِحور الرؤيا” (1)
والآن لنوضح الرموز بإختصار:
 المصداقُ الأول للمرأة في الرؤيا هي السيدة نرجس (والدة الإمام المهدي وحفيدة سمعان بطرس)، وأما مصداق الشمس فهو رسول الله محمد (ص) ومصداق القمر هو وصي رسول الله (ص) الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وأما مصداق الاثني عشر كوكباً فهم: 1. السيدة فاطمة الزهراء (ع) 2. الإمام الحسن بن علي (ع) 3. الإمام الحسين بن علي (ع) 4. الإمام علي بن الحسين (ع) 5. الإمام محمد بن علي (ع) 6. الإمام جعفر بن محمد (ع) 7. الإمام موسى بن جعفر (ع) 8. الإمام علي بن موسى (ع) 9. الإمام محمد بن علي 10. الإمام علي بن محمد (ع) 11. الإمام الحسن بن علي (ع) 12. الإمام محمد بن الحسن (ع)، وأما مصداق الولد الذي ولدته المرأة فهو ابنها الإمام أحمد الحسن.
 أما المصداقُ الثاني للمرأة في الرؤيا فهي السيدة فاطمة الزهراء (ع)، وأما مصداق الشمس فهو والدها رسول الله (ص)، وأما مصداق القمر فهي والدتها السيدة خديجة (ع)، وأما مصداق الاثني عشر كوكباً فهم: 1. الإمام علي بن أبي طالب (ع) 2. الإمام الحسن بن علي (ع) 3. الإمام الحسين بن علي (ع) 4. الإمام علي بن الحسين (ع) 5. الإمام محمد بن علي (ع) 6. الإمام جعفر بن محمد (ع) 7. الإمام موسى بن جعفر (ع) 8. الإمام علي بن موسى (ع) 9. الإمام محمد بن علي 10. الإمام علي بن محمد (ع) 11. الإمام الحسن بن علي (ع) 12. الإمام محمد بن الحسن (ع)، وأما مصداق الولد الذي ولدته المرأة فهو ابنها الإمام أحمد الحسن.
وتعددُ المصاديق للمفهوم الواحد أمر يقرُّ به علماء الكنيسة ويسمونه “النبوة متعددة أو مزدوجة المرمى”.

ولا بدَّ أن نختم بأمر مهم جداً وهو أنَّ المسلمون الشيعة يزورون أم الإمام المهدي (ع) بزيارة جاء فيها أنها المنعوتة في الإنجيل، وكانوا أيضاً لا يعلمون موضع ذكرها في الإنجيل حتى جاء ولدها أحمد الحسن وبين ذلك، حيث نقرأ مقطع من هذه الزيارة:
” السلام على والدة الامام والمودعة أسرار الملك العلام، والحاملة لأشرف الأنام، السلام عليك أيتها الصديقة المرضية، السلام عليك يا شبيهة أم موسى وابنة حواري عيسى، السلام عليك أيتها التقية النقية، السلام عليك أيتها الرضية المرضية، السلام عليك أيتها المنعوتة في الإنجيل، المخطوبة من روح الله الأمين” (2).


(1)- الحواري الثالث عشر – السيد أحمد الحسن – تعليق توفيق المغربي – ص121- 130 (2012).
(2)- المزار – محمد بن المشهدي – ص660

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى