أخبار الشرق الأوسطأخبار العراقخبر رئيسي

داخل نظام حكم اللصوص البيروقراطي في العراق

الفساد، مثله مثل العنف، أضحى سبباً لاستحالة العيش في العراق. فقد ساعد في تأجيج صعود تنظيم داعش، وأميركا تقدم على الأقل مبلغ عشرة مليارات دولار بالعملة الصعبة سنويا يتم استخدامها لتغذية الفساد,

في مطلع شهر أكتوبر الماضي، وبينما كان يعمل في مكتبه ببغداد، تلقى رجل الأعمال حسين اللقيس مكالمة هاتفية من رقم مجهول. قال المتصل “نحن بحاجة للتحدث”. كان صوت الرجل أجشاً وكانت لهجته تهديدية. طلب من اللقيس اللقاء لكنه رفض أن يفصح عن اسمه.

تردد اللقيس وأبدى اعتراضه، وبعدها انتهت المكالمة. كاد أن ينسى هذا الحوار لكن بعد دقائق قليلة اتصل به أحد زملائه لينقل إليه أخباراً مزعجة؛ المتصل الغامض ينتمي إلى كتائب حزب الله، وهي ميليشيا عراقية ترتبط ارتباطا وثيقاً بالحرس الثوري الإيراني، وقد كان لدى المتصل عرضاً يود مناقشته.

وعندما اتصل رجل الميليشيا مرة أخرى، وافق اللقيس على مقابلته بعد تردد، وقد اصطحب مجموعة من رفاقه وتوجهوا إلى منزل في شارع سعدون وسط العاصمة بغداد، ووصلوا بحلول المغرب. تم اقتياد اللقيس إلى مكتب معتم داخل المنزل، وتم تقديمه لرجل صغير البنية أصلع الرأس.

دخل الرجل في الموضوع مباشرة قائلاً “ يجب أن تعمل معنا، ولا يوجد لديك خيار آخر. يمكنك أن تبقي على كادر الموظفين الخاص بك لكن يجب أن تفعل ما نقول”، موضحاً أن كتائب حزب الله ستحصل على ٢٠ بالمئة من إيرادات اللقيس الإجمالية أي ما يشكل ٥٠ بالمئة من أرباحه.

رفض اللقيس هذا الطلب. شركته -التي تدعى بالم جت- تمتلك عقداً حكومياً مدته خمس سنوات لإدارة صالة كبار الزوار في مطار بغداد الدولي، بالإضافة إلى أحد الفنادق القريبة من المطار. وتعمل الشركة أيضا بشكل منتظم مع بعض الشركات الغربية لتصنيع الطائرات مثل لوكهيد مارتن. لذا لم يكن من الوارد أن يعقد اللقيس أية صفقات مع مجموعة مثل كتائب حزب الله المصنفة من قبل الحكومة الأمريكية كمنظمة إرهابية أجنبية (كما هو الحال أيضاً مع جماعة حزب الله اللبنانية). قال الرجل الأصلع إنه سيقوم بمصادرة كل ما يملك اللقيس في بغداد في حال رفض هذا الطلب. نظر إليه اللقيس مندهشاً وقال: أنا مستثمر..ثمة قانون يحميني! فرد عليه الرجل الأصلع: نحن القانون. ثم طلب من اللقيس أن يعطيه رداً بحلول ظهر اليوم التالي.

وقفت خمس سيارات دفع رباعي من نوع شيفروليه ظهر اليوم التالي خارج صالة كبار الزوار، ثم ترجل منها إثنا عشر رجلاً يرتدون لباس ميليشيا أسود اللون، مدججين بالأسلحة. عثروا على اللقيس جالساً في مقهى فندق المطار وهو يدخن ويحتسي القهوة.كان اللقيس يجري مكالمات هاتفية منذ الليلة الماضية مع جميع معارفه في الحكومة ومع مدراء الأقسام في المطار. لم يعاود الاتصال به أي أحد، على نحو بدا وكأن الجميع قد تم تهديده أو ربما رشوته. أخذ رجال الميليشيا هاتف اللقيس وطلبوا منه أن يوقع وثيقة يتخلى فيها عن العقد المبرم. حاول أن يماطل لبرهة من الزمن، وفي الأثناء تسلل أحد موظفيه إلى الخارج ليلتقط صورة لسيارات رجال الميليشيا، لكنهم أمسكوا به وحطموا هاتفه وضربوه.

كان اللقيس، وهو مواطن لبناني، قد بدء العمل في العراق منذ عام ٢٠١١، وكان يعلم بأن البلد مثقل بالجريمة والفساد لكنه كان يعتقد بأن المطار الذي يعج بمئات من مسؤولي الأمن والهجرة، له وضع مختلف.

أخبرني اللقيس لاحقاً أنه انتظر لعشرين دقيقة لعل أحداً من رجال الشرطة يأتي، لكن في النهاية مشى إلى صالة المغادرين ركب في رحلة متوجهة إلى دبي. وبعد عدة أيام، عينت كتائب حزب الله متعاقداً آخر بدلاً عن اللقيس الذي لم يعد إلى العراق منذ ذلك الحين.

حصلت هذه المداهمة في المطار بعد أربعة أيام من اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة العراقية حيث تدفق الآلاف من المتظاهرين الشباب إلى شوارع بغداد والمدن الأخرى هاتفين بشعارهم الشهير والمثير للمشاعر “نريد وطناً”. وسرعان ما سيطر المتظاهرون على ساحة التحرير في قلب بغداد ونصبوا الخيم وبدؤوا المواجهات مع الشرطة. وعلى الرغم من أن الفوضى تسببت بتعطيل العمل التجاري والحكومي، إلا أنها قد كسبت تعاطف العرب في المنطقة، وكانت بمثابة الفتيل الذي أشعل حركة الاحتجاجات في لبنان. بالنسبة لهذه الجموع المتظاهرة، الجماعات مثل كتائب حزب الله ليسوا فقط عملاء لإيران بالوكالة، بل هم أيضاً الوجه الجديد لحكم اللصوص البيروقراطي التي اكتسبت ثروتها على حساب شباب العراق الذين ازدادت أعدادهم فقراً وبطالة. وفي الوقت عينه بات بعض قادة الميليشيات من بين أغنى رجال العراق، مشهورين بشرائهم المطاعم والأندية الليلية الفاخرة والمزارع الوافرة على ضفاف نهر دجلة.

يتبع….

المصدر: النيويورك تايمز.

متظاهرون في بغداد يهربون من قنابل الغاز المسيل للدموع في فبراير. موزيس سامان / ماغنوم ، لصحيفة نيويورك تايمز.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى