لم تكن الجزيرة العربية منطقة جاذبة لشد الرحال إليها والعمل بها لطلب الرزق ولولا النعمة العظيمة التي منحها الإله في باطن أرضها لما تطورت البلاد بشكل سريع و استقطبت بشكل كبير أيدي عاملة من شتى دول العالم على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم وبتنوع مهاراتهم وخبراتهم كانت الدولة في حاجة ماسة إليهم , فقد أدى ظهور البترول إلى تغيرات شاملة وكان من نتيجة ذلك أن اتجهت دول الخليج العربي ومنها المملكة العربية السعودية اتجاهات واسعة نحو البناء الحديث والبدء في خطط تنموية طموحة, ومن الطبيعي أن تكون هناك عقبات أمام عملية البناء التي شرعت فيها المملكة كانخفاض عدد السكان وضعف تأهيل الكوادر البشرية الأمر الذي دفعها من أجل تحقيق آمالها الطموحة إلى الاعتماد على العالم الخارجي لإشباع متطلبات التنمية وتحولت المملكة إلى سوق العمل توفرت له كل عناصر النجاح(1) ومع تسارع الزمان وتطور المكان أصبحت السعودية أكثر نموا وبسبب القفزة الاقتصادية وارتفاع معدلات دخل الأفراد حيث بلغ نصيب الفرد في السبعينات من الناتج المحلي الإجمالي إلى رقم قياسي عالمي 1.858 ٪ بفضل طفرة النفط، هذا الرخاء في العيش ساهم في فتح الباب إلى تنوع وتوسع القطاعات التي فتحت الباب لاستقدام أعداد هائلة من الأيدي العاملة المدربة وغير المدربة وتضاعفت مع الزمن لدرجة أن وصلت أرقامهم أكثر من 11 مليون وافد في آخر إحصائية لمركز الإحصاء السعودي، وشكل هذا الرقم الضخم تحدي كبير لوزير العمل لتقليصه عن طريق الاستغناء عن بعضهم و إحلال القوى العاملة الوطنية كبديل لهم عبر مشروع “السعودة” الذي بدأ في منتصف التسعينيات ولا زال يترنح في طريقه للنجاح وذلك في محاولة لخفض نسب البطالة المرتفعة في المجتمع خاصة في قطاعات التجزئة وهي الخطوة الأخيرة التي تعمل الوزارة على إنجاحها وبعد سنوات من الاعتماد الكلي على النفط ومع انخفاض سعر البرميل وتردي الوضع الاقتصادي والعجز في السنوات الأخيرة في الموازنة أعلن محمد بن سلمان عن خطته للإصلاح الشامل “خطة التحول الوطني 2020” لاسيما على الصعيد الاقتصادي حيث أطلق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية تحفز القطاع الخاص على الاستثمار في المملكة عن طريق إزالة المعوقات الاجرائية، كما أن هذه الحزمة تستهدف أيضًا تنويع الاقتصاد بحيث تدعم الصادرات الغير النفطية المحلية مع تهاوي أسعار النفط، بحيث سيعتمد البرنامج على التوسع في اقتصاد السوق الحر بمعنى دخول السعودية بقوة لمجال “الخصخصة” (2)
ووعد محمد بن سلمان عبر صحفية بلومبرج بأنه “في غضون 20 عامًا، سنكون دولة لا يعتمد اقتصادها بشكل رئيسي على النفط“
وقد أشاد اقتصاديون كثر بما جاء بخطة التنمية خاصة العمل على خصخصة القطاعات بشكل تدريجي حيث روجت حكومات الخليج الخصخصة القادمة، بوصفها ضرورة اصلاحية، مع تجاهل تامّ لأبعاد الإصلاح الأخرى وثيقة الصلة بالعمّال، مثل حقّ المواطنين في تأسيس النقابات العمالية، نموذج صغير ومثالي للتعرّف على تركيبة “الإصلاحات المؤلمة” التي تروّجها الحكومات، إذ إنها تفترض أن يكون القرار من نصيبها، والألم من نصيب المواطنين(3)
النقابات والحراك العمالي
صراع المصالح المنظم بين العمال ورأس المال بدأ في الظهور في القرن الثامن عشر، فخلال ذلك القرن، نظم الحرفيون أنفسهم في بعض المراحل في شكل “جماعات”، وهو الشكل البدائي للاتحادات التجارية التي تطورت بعد ذلك وقاموا بتكوين تلك الجماعات لأن التنظيمات الجماعية كانت الوسيلة الوحيدة المتاحة التي تمكنهم من حماية مصالحهم في مواجهة أصحاب العمل الرأسماليين في سعيهم الدائم إلى تشغيلهم بأدنى الأجور، أو تشغيل الأقل خبرة منهم بأجور متدنية (4)
والنقابة هي منظمة هدفها تمثيل العمال ومصالحهم أمام أرباب العمل في كافة حقوقهم وتقوم بالدفاع عنهم في حال تم انتهاك أيا منها وتستطيع أن تنظم عصيانا أو إضراب عن العمل في حال تعنت صاحب العمل من التجاوب معهم بشكل ودي ولم يلتزم بتعهده في العقد المبرم بينهما ومن المعروف أن بداية نشأتها تزامن مع الثورة الصناعية ومع تزايد أعداد العمال كان لابد من جهة اتحادية داعمة لمصالحهم ومحققه لها وتحميهم من استغلال أصحاب العمل وتؤمن لهم العدالة في الأجور وظروف العمل لكن بطبيعيه الحال واجهت هجوم وتحدي شرسا من قبل أصحاب العمل وجرى محاكمتهم بتهم التآمر على الدولة لوجود نقابيين كان لهم ميول سياسية.
وهنا لابد من التذكير لأبرز حراك عمالي شهير في السعودية وقد كان لعمال شركة ارامكو في عام 1945 وكانت المطالبات تتركز على حقوق العمال من الإجازات وتقليص ساعات العمل ونالوا ما أرادوا حيث استجابت الحكومة لهم آنذاك بإصدار قانون للعمل مستوحى من التشريعات المصرية وحدد أسبوع العمل 6 أيام وساعات العمل 8 ساعات في كل مؤسسة يزيد عدد العمال المأجورين فيها على عشرة عمال، ويبدو أن خطوات الحكومة لم تكن كافية ولم تحقق المطالبات السابقة حيث تجدد الإضراب العمالي في نهاية الأربعينات واستمر يتجدد حتى نهاية الخمسينات
والتي تطور فيها الإضراب لتصبح انتفاضة لعمال الظهران في عام 1953 حيث كان قائدها المعارض ناصر السعيد ومؤسس للجنة العمالية فيما بعد، ثم شكل عمال ارامكو لجنة بمثابة نقابة، وفي العام التالي بدأوا كفاحهم بحزم فقد طالبوا بضمان حق التنظيم النقابي وزيادة الأجور وإنهاء التمييز العنصري وتوفير مساكن جديدة للعمال ودفع أجور النقل وغيرها من المطالب وامتنعت إدارة ارامكو عن تنفيذ هذه المطالب، واعتقل 12 عضوا من اللجنة العمالية آنذاك ثم بعد أسابيع تم الاستجابة لمطالبهم وأطلق سراح المعتقلين من أعضاء اللجنة وأعيدوا إلى أعمالهم، ولكن العمال لم يحصلوا على حق التنظيم النقابي واستمرت في السنوات الثلاث التالية المفاوضات بين ممثلي العمال والشركات، وتولت لجنة ملكية خاصة النظر في النزاع ولكن السعي للحيلولة دون وجود حركة عمالية منظمة كانا القاسمين المشتركين بالنسبة للسلطات السعودية والشركات.
شكلت ارامكو ما يسمى بـ (لجان الاتصال)، وكلفت شكليا بدراسة مطالب العمال لتفادي النزاعات أما في الواقع فإن هذه اللجان كانت تبحث عن (العناصر الحربية) وتلاحق النشطاء من العمال وعندما وصل الملك سعود إلى الظهران في 9 يوليو 1956 استقبلته مظاهرة جماهيرية وسلمت إلى الملك مطالب العمال وهي : الاعتراف رسميا باللجنة التي انتخبوها وزيادة علاوة غلاء المعيشة وزيادة الأجور وتقليص يوم العمل ووقف التسريح الكيفي ومساواة العمال المحليين والأمريكان في الحقوق وإلغاء التمييز العنصري وإصدار قانون يكفل حقوق عمال ارامكو ويحمي كرامتهم وبعد يومين أصدر الملك مرسوما يمنع كل الإضرابات والمظاهرات ويوقع على المخالف عقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ثم بدأت حملة اعتقال وتعذيب العمال النشطاء وفق قوائم أعدتها الأجهزة الخاصة لارامكو.
ورغم الحظر جرى الإضراب الأول متحديا الحظر عام 1958 حينما توقف السواق العامل لدى أحد المقاولين عن العمل احتجاجا على الساعات الإضافية، وتعتبر الاضطرابات العمالية عام 1956 آخر وأهم حراك على درجة عالية من التنظيم كما يذكر علي العوامي في مذكراته التي نشرت بعد وفاته لعدة أسباب أهمها قمع السلطة الذي كان بالمرصاد لكل حراك جاد.
وترى إيمان القويفلي بأن حركة إضراب الموظفين في عدد من المؤسسات الخاصة والحكومية في 2011 وهي فترة الربيع العربي هو الحِراك الاجتماعي الأهم على الإطلاق، وترجع أهمية التحركات العمالية كحدثً سعودي لسببين رئيسيين:
السبب الأول يتعلق بإعادة ترتيب مناخ العمل، وإعادة كتابة قوانين اللعبة والغياب التامّ للنقابات العمالية في السعودية، الشيء الذي يحوّل هذه الكتلة الضخمة من العاملين السعوديين وغير السعوديين إلى كتلة عديمة الوزن، عاجزة عن إسماع صوتها والتفاوض وإلزام المشغّلين بحدٍ أدنى من الأجور وساعات العمل وبتقديم الرعاية الصحية، هذه البيئة التي يأخذ العمل فيها صيغة “العرض والطلب” على إطلاقها دون إلزام المشغّل بحدٍ أدنى من الحقوق.
والسبب الآخر، من منظور أوسع يمكن النظر إلى تحرّكاتٍ كهذه بصفتها أحد أجوبة الإصلاح في السعودية. فقد يكمن جواب ما هو سياسيّ تحديدًا فيما هو غير سياسيّ، وقد تكون الطريقة الأكثر عملية لتجاوز الانسداد الإصلاحي هي عبر التوجه نحو المفاصل الاجتماعية المهمة التي تغيب عن الذهن الإصلاحي في ظل تركيزه على الديمقراطية وحقوق الإنسان (5)
القانون مكبل للحراك العمالي
وبالعودة إلى النظام الأساسي للحكم وقانون العمل فليس هناك أي حق لتأسيس نقابة عمالية أو الإضراب عن العمل بل ويجرم القانون ذلك وقد يتعرض العامل للفصل أو السجن كل من يؤسس نقابة، وإن كانوا أجانب فيتم تسفيرهم (6).
وقد استجابت الحكومة لرغبات عمال المملكة بإيجاد “لجان عمالية” رسمية تُعنى ببعث الحوار بين العمال وأصحاب العمل للوصول إلى بيئة عمل صحية وحضارية، حيث صدر قرار مجلس الوزراء بتاريخ 8 /1/1422هـ بوضع قواعد تشكيل اللجان العمالية وكذلك قرار وزير العمل رقم 1961 وتاريخ 27/1/1423هـ بإصدار اللائحة التنفيذية لتلك القواعد لتحقيق رغبة عمال المملكة، ومن ذلك التاريخ في سنوات قليلة انطلق تكوين اللجان كتجربة جديدة في المملكة أخذت حيزاً في الأداء والحضور محلياً ودولياً.
ثم توالى ذلك بخطوة ناجحة قام بها العمال نحو تأسيس اتحاد عام مستقل لعمال المملكة، وبناءً عليه تم التشاور مع وزير العمل لتكوين فريق عمل لهذا الغرض وأخذت صبغة رسمية شجعها وزير العمل بقراره رقم 3060/1 وتاريخ 21/12/1431هـ لانطلاق أعمال فريق العمل لتأسيس اتحاد اللجنة الوطنية للجان العمالية (اتحاد عمال المملكة) يتفق مع المبادئ والمعايير الدولية(7).
وفي عام 2002 أصدر معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية الدكتور علي بن إبراهيم النملة قراراً بالموافقة على اللائحة التنفيذية لقواعد تشكيل لجان العمل وهي اللجان التي سوف تشكل من عمال المنشأة السعوديين الذين يصل عددهم مئة عامل فأكثر، وذكر وكيل الوزارة لشؤون العمل أحمد بن عبدالرحمن المنصور أن الهدف من إنشاء هذه اللجان إيجاد وسيلة حوار بين العامل وصاحب العمل من أجل النهوض بمستوى العمل وتطويره وتذليل العقبات الفنية والمادية التي تحول دون ذلك(8).
ومن الاتفاقيات الدولية التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1991، لحماية حقوق العمال المهاجرين وأسرهم -لم تنضم إليها دول مجلس التعاون- .
وبالرغم من وجود “لجان عمالية” بلائحة تنظيمية إلا أنها بقيت حبرا على ورق ولم تترجم بنودها على أرض الواقع، حيث لا يزال العمال يعانون من عدة انتهاكات من قطاعات مختلفة يعملون بها لا سيما الخاصة التي تماطل بشكل شبة مستمر بتسليمهم أجورهم التي غالبا ما تكون زهيدة، بالإضافة إلى وضعهم أمام خيار وحيد وهو السفر دون استلام حقوقهم كما حدث مع عمال شركة بن لادن مؤخرا، بعدما سرحت حوالي 45% من العمال بلا أجورهم المتراكمة منذ أشهر لدى الشركة, ولولا التصعيد من قِبل عمال الشركة بالتجمهر أولا ومطالبة الشركة بدفع كامل حقوقهم المادية – والتي فشلوا في إجبار الشركة على الإستجابة لمطلبهم- مما دفعهم كخطوة ثانية تصعيدية للقيام بأعمال شغب ليقوموا بحرق عدد من الباصات الخاصة بالشركة وحرق اطارات السيارات، ليغلقوا الطريق المؤدي للشركة في جدة، فيما تعهدت الشركة بمنحهم حقوقهم ولكن على دفعات بحجة الضائقة المالية التي تعاني منها الشركة منذ العام الماضي، خاصة بعد أوامر العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز بوقف تصنيف مجموعة بن لادن ومنعها من دخول مشاريع جديدة بعد حادث سقوط رافعة بالحرم المكي الذي أودى بحياة 107 أشخاص، في سبتمبر 2015، اضافة إلى تدني أسعار النفط الذي دفع الحكومة إلى خفض إنفاقها في مسعى لتقليص عجز الموازنة الذي قارب 100 مليار دولار العام الماضي، ويقدر عدد العاملين في المجموعة ما بين 200 -250 ألف عامل ينتظر أن تصرف رواتب 70% من هؤلاء لمغادرة المملكة.
و قد اضطرت السفارة الهندية بجدة من توزيع مساعدات غذائية لأكثر من 10 آلاف هندي يعملون في شركة بن لادن بعد الكارثة الإنسانية التي واجهها مواطنوها بسبب إيقاف مستحقاتهم (9).
فيما صرح وزير العمل السعودي بأن الحكومة ستقدم مساعدات لعمال شركة سعودي أوجيه العالقين في المملكة (10).
وهذه القضية ليست فردية بل حدث أن تأخرت رواتب عمال شركة “سعودي اوجيه” لتسعة أشهر وعلى عكس عمال شركة بن لادن التزم العمال بالهدوء وطالبوا الشركة بشكل مباشر، وقد يكون السبب هو تواجد دوريات الأمن أمام الشركة لحمايتها من أي ردة فعل قد تحدث من العمال ومنع وصول العمالة للاعتصام أمام الشركة، فيما بلغ عدد القضايا العمالية التي رفعها موظفو وعمالة الشركة 31 ألف دعوى.
وقد أوضح عدد من المهندسين العاملين بشركة “سعودي اوجيه” أن الشركة امتنعت عن دفع الرواتب قبل 9 أشهر مضت، وأدى هذا لتراكم الديون مع عدم استطاعة العمال تأمين لقمة العيش لأسرهم، وأشار أحد الإداريين إلى أن الموظفين بلغ عددهم 58 ألف موظف وعامل، وتصل نسبة السعودة إلى 23%، وقال إن تجاهل حالات تأخير الرواتب من الشركة التي تمتلك أصولا بالمملكة تتجاوز 30 مليار ريال، قد يؤدي إلى كارثة بشعة فهناك بيوت بدون غذاء ومرضى بدون علاج.
كما تلقت سفارة المغرب خطاب تضرر عدد كبير من عمالتها، وأشار الخطاب بتضرر العمالة المغربية وتوقف صرف الرواتب منذ عام 2014 وطالبوا العاهل المغربي بالنظر لوضعهم الإنساني في فيديو بث عبر يوتوب، فيما خاطب السفير الفرنسي بالمملكة مديري الشركة وطالب بالتدخل السريع وحل إشكالية تأخر صرف الرواتب للعمالة الفرنسية، كما تواصلت سفارة مصر بالمملكة مع قيادات الشركة لسرعة حل توقف مستحقات عمالتها، وفي قنصلية بنجلاديش وباكستان يشارك عدد من المنسوبين بجدة في إيجاد حل فوري وسريع مع إدارة الشركة، ونقل عمال ملفات فيديو لتجمع العمالة، وبثها عدد من الفضائيات وسط شجب كبير من المجتمع مما يشوه صورة الإدارة بالشركة (11).
وكانت قد حظرت الفلبين التعامل مع 4 شركات سعودية منها “بن لادن” و”سعودي أوجيه” بعد أن سرحت هذه الشركات أكثر من 11 ألف عامل من الفلبينيين وقال مسؤول جمعية (ميغرانتي) للعمال المهاجرين “غاري مارتينيز “إن بعض الفلبينيين اضطروا للتسول للبقاء على قيد الحياة بعد أشهر بلا راتب بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية.
وقد تنبأ الكاتب الإقتصادي برجس البرجس بتساقط الشركات إثر الأزمة الاقتصادية التي ستضطر الشركات الكبرى لتسريح موظفيها بهدف تقليص النفقات في مقاله له وبدأت تتساقط الشركات (12) .
ويعد عدم دفع مستحقات العمال الشهرية مخالفة لقانون العمل السعودي الذي ينص في المادة 90 على أن العمال ذوو الأجور الشهرية تصرف أجورهم مرة في الشهر، هذا وبالرغم من وجود “برنامج حماية الأجور” الذي أطلق بشكل رسمي في مرحلته العاشرة فبراير الماضي حيث توعد بإيقاف جميع خدمات المنشآت لدى الوزارة، وسيسمح للعاملين لديها بنقل خدماتهم إلى منشآت أخرى دون موافقة صاحب العمل الحالي، حتى لو لم تنته رخصة العمل الخاصة بالعامل في حال تم تأخير الراتب لثلاث أشهر.
نظام الكفيل “الرق الحديث”
و “حتى تذلل مصاعب العمل حسن علاقتك برب العمل”
نظام ربّ العمل (أو ما يُعرف بالكفيل) يُمكّن لربّ العمل من استغلال العامل الوافد في زيادة ساعات العمل له، وعدم السّماح له بالسفر، وتُقيّد كثيراً من مصالحه التي ترتبط بموافقة ربّ عمله، وهنا إشارة إلى أن الدّولة أو الحكومة ”المشرّعة للأنظمة“ تتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤوليّة في رفع مستوى حقوق العامل الوافد، وإصلاح نظام ربّ العمل أو الكفيل (13).
تعهدت السعودية في 2012 بإلغاء نظام الكفالة خلال شهور (14) لكنها عادت في 2013 لتتراجع عن خطوتها عن التنازل تدريجا عن نظام الكفالة بحجة الفوضى التي قد تعم السوق السعودي (15).
وفي 2016 وضعت رتوشا تجميلية للنظام ليكون أكثر تقبلا وبعد مناشدات حقوقية دولية حيث جعلت ثلاثه شروط لنقل الكفالة دون موافقة الكفيل بعد أن كان النظام السابق يمنع نقل الكفالة دون موافقته.
ولعل من أقرب النماذج التي عانت من جبروت الكفيل وتسلطه الدكتورة المصرية أسماء عبد الفتاح حيث طلب الكفيل أن تعمل في طب الأطفال مما جعلها ترفض لأنها “طب عام” فقام الكفيل بتهديدها وطردها من السكن، ولم تجد قانونا يحميها ولا جهة تحفظ حقها فاستغلت مواقع التواصل الاجتماعي لبث معاناتها وندائها لأمير الشرقية لحل قضيتها (16) فكان لها ما أرادت، فهل يعقل أن كل عامل يتم التعسف ضده أن يلجأ لجهات آخرى لا ينتمي إليها ولا تشعر بمعاناته لتنتصر له وتنتزع له حقه؟ وهناك نماذج أخرى كثيرة وجلها تتركز في التعسف ابتداء بالتحفظ على الأوراق الثبوتية ومرورا بعدم الالتزام بعقد العمل “ساعات العمل,الأجر” وانتهاء باستنزاف العامل ماديا وتهديده في حال لم يتجاوب.
وذكر الدكتور عبد الله العبد اللطيف مستشار وزير العمل والشؤون الاجتماعية إنه توجد 54 ألف قضية عمالية تنظر أمام الهيئات القضائية العمالية مشيرا إلى أن الوزارة تنظر 5200 قضية شهريا، كما أن هيئة تسوية الخلافات تحل نحو 1707 قضايا شهريا، وأن الهيئات العمالية تستقبل 120 قضية في اليوم و ينظر في 15 قضية في اليوم الواحد، وذلك بعد انطلاق المحاكم العمالية مع بداية عام 1437هـ وبعد الفترة التصحيحية التي ضاعفت من وجود نزاعات مالية وأخرى فصل تعسفي وغيرها وكان رد العاهل السعودي وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز آنذاك لدعوة مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان “نافي بيلاي” للسعودية إلى إلغاء “نظام الكفالة” في السعودية “إن إلغاء نظام الكفيل يعود لـ”إجراءات تنظيمية، تهدف إلى عدم إرباك سوق العمل” (17).
ويرى مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا محمد جميل أن دول الخليج ليست جادة في إلغاء نظام الكفالة لكون بعض مراكز القوى – كالأمراء ورجال الأعمال- تقف سدا منيعا في وجه إلغاءه، في بلاد تتفوق فيها العمالة الوافدة على المواطنين من ناحية العدد (18).
وسبق أن طالبت هيئة حقوق الإنسان في عام 2008 في دراسة أعدتها بإلغاء مفهوم الكفالة لفظا وممارسة، لافتة إلى أن أنظمة يتم تطبيقها حالياً تتنافى مع تشريعات العمل والإقامة، ومن ذلك احتجاز الكفيل لجواز سفر المكفول وهو مخالفة صريحة لقرار مجلس الوزراء (19).
التوطين والتخلي عن العمالة الوافدة
وضع وزير العمل الدكتور مفرج الحقباني العمالة الوافدة التي تعمل في قطاعات سيتم توطينها وكانت بدايتها “سوق الإتصالات” أمام خيارين إما بإيجاد فرصة عمل أخرى وتغيير مهنته أو أن يغادر المملكة، مؤكداً اتفاق «العمل» مع الجهات الحكومية لتطبيق أنظمة صارمة لكل من يخالف في هذه الأنشطة التي ستخضع للتوطين (20).
وقد أعلنت كل من وزارة الداخلية ووزارة العمل عن بدء الفترة التصحيحية بتاريخ 2013/4/6، والتي كان الهدف منها “تنظيف السوق” من العمالة المخالفة، وتم اعتماد مهلة تمتد لثلاثة أشهر حتى يتمكن المخالفون من تصحيح أوضاعهم، وبسبب كثرة العدد وقصر المدة، أعلنت وزارة العمل عن تمديد المهلة لثلاثة أشهر إضافية “استجابة لرغبة عدد من السفارات والهيئات الدبلوماسية لعدد من الدول الشقيقة والصديقة” كما ذكرت في بيانها وهو الأمر الذي تسبب في ترحيل أكثر من مليون عامل عام 2013 وحده (21).
وكشف تقرير لمديرية الجوازات السعودية في يوليو من العام الحالي عن أنها رحّلت خلال الثمانية أشهر الماضية نحو 193044 مخالفا لنظام الإقامة والعمل إلى بلادهم، بمعدل 800 مخالف يوميا.
وذهب تقرير “بروجيكت سنديكت” إلى أن ثمة بُعد هامّ من النقاش السياسي في المنطقة يجري التغاضي عنه وهو أنَّ الأجانب في دول الخليج “ليسوا مجرد عمّال، بل مستهلكين أيضًا وبالتالي من خلال تضخيم عدد سكّان البلدان التي يعيشون فيها، يساعد العمّال الأجانب في النمو الاقتصادي (22).
وقد ذكر د.عبد الله المدني إن الطريقة التي تثار بها مشكلة العمالة الوافدة إعلامياً وما يطلق فيها من عبارات مثل : (القنبلة الموقوتة) (الخطر الداهم على الهوية الوطنية) وما يوجه فيها من اتهامات مثل: (تحويل المليارات من الدولارات سنوياً إلى الخارج) قد تجرنا إلى عواقب خطيرة لعل أهمها أنها تؤسس لنظرة عدوانية ضد الآخر المتجسد في العمالة الوافدة (23).
وبحسب دراسة بعنوان “العمالة الوافدة في دول الخليج: واقعها ومستقبلها” نشرها مركز الجزيرة للدراسات في 6 سبتمبر 2015 أعدها د. جاسم حسين، أن “ديمومة التواجد غير العادي للعمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي يصطدم بظاهرة البطالة في أوساط العمالة المحلية، حيث تعتبر البطالة تحديًا في ثلاث دول خليجية على وجه الخصوص؛ أهمها السعودية” (24)
و تعد السعودية السادسة عالميا في معدل بطالة الشباب بالرغم من المحاولات العشوائية لخلق فرص وظيفة أقل من الطموحات لشريحة كبيرة من الشباب.
واللافت هنا أن محاولات السعودة الفاشلة تكمن في فشل القطاع الخاص في خلق الأمان الوظيفي وحماية الموظف من تعسف رب العمل إضافة إلى الأجر الزهيد وغير المنتظم، مما يعني انعكاسا طبيعيا لتخوف الشباب من التوجه للقطاع الخاص كبديل للأجنبي الذي سمع عنه ورأى معاناته أمام ناظريه, ينكل القطاع الخاص بعمالته الأجنبية ويماطلها في حقوقها الإنسانية فكيف له أن يقدم على خيار لا يوفر له أقل ما يتمناه!
المصدر: فاطمة محمد-مركز الخليج لسياسات التنمية
المراجع:
(1) السكان والعمالة الوافدة . د/ أمين علي الكاظم
(2)كل ما تريد معرفته عن التحول الوطني السعودي: هل سنشهد سعودية جديدة في 2020؟
(3) “إصلاحات مؤلمة”.. لمن؟ -العربي الجديد
(4) James Fulcher, Capitalism: A Very Short Introduction
(5) أهم حِراك سعودي في 2011 م: الإضراب
(6) النقابات في الخليج – مركز الخليج لسياسات التنمية
(7) اللجان العمالية وزارة العمل
(8) http://www.al-jazirah.com/2002/20020417/ln44.htm
(9) http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/08/160802_saudi_arabia_india_minister_visit?ocid=socialflow_twitter
(10) http://www.wsj.com/articles/saudi-arabia-offers-help-to-indian-workers-1470250682
(11) صحيفة الوطن
(12) وبدأت تتساقط الشركات
(13) مركز الخليج لسياسات التنمية
(14) http://www.alarabiya.net/articles/2012/03/31/204335.html
(15) سكاي نيوز
(16) https://www.youtube.com/watch?v=PUsjteSVZKk
(17) الجزيرة
(18) نظام الكفيل.. وجه آخر للعبودية بدول الخليج العربي
(19) الرياض
(20) الحياة
(21) أزمات العمال في الخليج
(22) كيف يتعيّن على صنَّاع القرار في دول الخليج إدارة القوى العاملة الوافدة في بلدانهم؟
(23) العمالة الوافدة للخليج.. كيف تعامل؟ الشرق الأوسط
(24) http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2015/09/201596418199269.html