اعتدنا في مجتمعاتنا أن نسمي المعمم برجل الدين، ونجعل من هذه التسمية حكرا عليه، بحيث لا نسمي غيره بها. وهذا الأمر من الأخطاء الشائعة ذات المفاعيل السلبية الكثيرة التي لابد من الالتفاف لها. فالأمر لا يقف عند حدود التعبير اللغوي كما قد يتصور البعض، بل له آثار فكرية خطيرة للغاية، فعلى سبيل المثال نتج عن هذه الظاهرة عزوف عن التفقه لدى الغالبية العظمى من الناس بدعوى أن ثمة متخصصين هم من عليهم الاهتمام بهذا الجانب دون غيرهم، وهؤلاء هم رجال الدين.
كما إن هذه الظاهرة كانت مسؤولة إلى حد بعيد عن الكثير من الانحرافات التي طالت الدين الإلهي منذ صدر الإسلام إلى يوم الناس هذا. ذلك أن النظر إلى فئة معينة من الناس على أنها فئة رجال الدين ترتب عليه أن تتخلى الأمة عن مراقبتها لهؤلاء وتفرط بدورها وقرارها لمصلحة شخوص معينين تقودهم المصالح والأهواء الدنيوية، أي إنهم في الحقيقة رجال دنيا وإن سماهم الناس رجال الدين!
والواقع إن هذه التسميات المغلوطة تنطلق من أفق فكري، أو خلفية ذهنية تفصل بين الدين والدنيا، أي إنها بعبارة أدق لا ترى الحقيقة العميقة المتمثلة بقدرة الدين على قيادة الحياة وتوجيه كل مساراتها، وغالبا ما تكون هذه الخلفية الذهنية ثاوية في لا وعي الناس، وتفعل فعلها المدمر بعيداً عن رقابة العقل الواعي، بل إن مما يزيد الطين بلة، ويفاقم من خطورة هذا الموقف الفكري المغلوط إن هذه التسميات تصدر غالباً من رجال المؤسسة الدينية الذين يحظون باحترام الناس، وبالتالي فهي تمر مرور الكرام دون أن يوقفها العقل لمسائلتها والتعرف على أبعادها الفكرية.