زاوية العقائد الدينيةعقائد الشيعة

الوصية والوصي أحمد – الحلقة الحادية عشر

( الراد على الوصية خارج عن الولاية )

 وردت الكثير من الروايات الصحيحة تحذر وتنذر من الرد على روايات أهل البيت  مهما كانت الأسباب  إلا إذا كانت مخالفة للقرآن الكريم أو السنّة الصحيحة الثابتة  وقد صرحت بعض الروايات بأن الراد على كلام الأئمة (ع)  يعتبر خارجاً عن الولاية وبعضها صرحت بأن الراد عليهم كالراد على الله تعالى .

وأكثر العلماء ومدعي العلم والدين تراهم الآن بمجرد أن يسمعوا رواية لا تنسجم مع عقولهم الناقصة أو تخالف أهوائهم يبادرون إلى ردها ووصفها بأنها إسرائيلية أو موضوعة !!! وتجاهلوا كلام الأئمة (ع) بأن دين الله لا يصاب بعقول الرجال وإن حديثهم صعب مستصعب لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرّب أو عبد امتحن الله قلبه للأيمان.

عن أبي جعفر (ع) قال : ( قال رسول الله (ص) : إن حديث آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرّب أو نبي مرسل أو عبد أمتحن الله قلبه للأيمان  فما ورد عليكم من حديث آل محمد (ع) فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه  وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد (ع)  وإنما الهالك أن يحدث أحدكم بشيء منه لا يحتمله  فيقول : والله ما كان هذا ، والله ما كان هذا  والإنكار هو الكفر ) الكافي 1/455.

 ففي هذا الحديث يحكم الرسول (ص) بالكفر على من أنكر حديثاً من أحاديث آل محمد حتى ان كان مخالفاً لعقله فهلاّ يتعض الآن من ينكر وصية رسول (ص) وبدون حجة  فلا هي مخالفة للقرآن  بل هي موافقة للقرآن كما سيأتي  ولا هي مخالفة للسنّة  بل هي السنّة  ولا هي مخالفة للعقول، نعم هي مخالفة للأهواء الشيطانية  والقلوب المريضة  التي انطوت على معاداة أهل البيت (ع)  وان  أظهرت المحبة ظاهراً.

وفي الرواية الصحيحة عن الباقر (ع) : ( والله إن أحب أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا  وان أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يعقله اشمأز منه وجحده وكفّر من دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند فيكون بذلك خارجاً ًعن ولايتنا ) الكافي 2 / 223، السرائر 3 /591.

وسبحان الله الكلام هنا عن الحديث الذي لا يقبله العقل والذي تشمئز منه النفوس ورغم ذلك يصف الإمام الراد لهكذا حديث يكون خارجاً عن ولاية أهل البيت (ع)  ومن البديهي أن الخارج عن ولايتهم (ع)  قطعاً يكون داخلاً ًفي ولاية الشيطان (أعاذنا الله) . فما عذر الذين يردون وصية رسول الله (ص) رغم أنها ذُكرت في أوثق الكتب الشيعية ومؤيدة بعدة روايات تعضد مضمونها وأن سندها معتبر كما سيأتي تفصيله إنشاء الله تعالى.

وعن سفيان بن السمط قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : جعلت فداك إن الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر فيضيق بذلك صدورنا حتى نكذبه  قال : فقال : أبو عبد الله (ع) ( أليس عني يحدثكم  قال : قلت :بلى . قال: فيقول لليل انه نهار وللنهار انه ليل قال: قلت:لا. قال: فقال: رده إلينا فإنك إن كذبت إنما تكذبنا ) بصائر الدرجات ص 557.

بل أكثر من ذلك فقد أمر الأئمة (ع)  بعدم رد الخبر  حتى إذا كان ناقله يعرف بالكذب والخبر مخالف للعقل !!!

عن سفيان بن السمط في رواية صحيحة  قال : قلت لأبي عبد الله (ع) جعلت فداك يأتينا الرجل من قبلكم يعرف بالكذب  فيحدث بالحديث فنستبشعه . فقال أبو عبد الله (ع): يقول لك إني قلت الليل انه نهار والنهار انه ليل قلت:لا. قال: فأن قال لك هذا إني قلته فلا تكذب به فإنك إنما تكذبني ) مختصر بصائر الدرجات ص76.

ولا أعتقد أن عاقلاً يسمع هذه الروايات ويتجرأ على تكذيب رواية واحدة وإن كانت غير معقولة بل في الرواية السابقة يمنع الإمام الصادق (ع) من تكذيب الخبر حتى إذا كان محالاً وهو كون الليل نهار والنهار ليل !! مع كون الناقل لهكذا خبر معروفاً بالكذب . وبهذا تسقط عن الاعتبار  أكثر قواعد الحديث  التي وضعت لرد روايات أهل البيت (ع)  لمجرد أن الراوي ليس بثقة  أو معتقد لغير الحق  ويقسمون الحديث على أساس ذلك إلى صحيح وغير صحيح  بينما قواعد أهل البيت (ع) في الحديث  هي الأخذ بما وافق القرآن والسنّة الصحيحة  والأخذ بما خالف أبناء العامة  وترك ما وافقهم عند تعارض الروايات  وغيرها من الضوابط التي ليس الآن محل بيانها .

بل وردت روايات تحذر من تكذيب الرواية  وإن كان المُكذِب يعرف خلاف ما نقل إليه  لإحتمال أن الأئمة (ع)  يقصدون بكلامهم أمراً آخر غير الذي ظهر للمستمع .

فعن الرضا (ع) في رواية صحيحة منها : ( … ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف خلافه فإنك لا تدري لم قيل وعلى أي وجه وصفة ) روضة الكافي ج59 / بصائر الدرجات 558 .

بل أكثر من ذلك كله فقد وردت روايات تنهى عن التكذيب للخبر وان كان الناقل له فاسد العقيدة والمذهب كالخارجي والقدري والمرجئي كما في الرواية الصحيحة

الآتية :- ( لا تكذبوا بحديث أتى به مرجئي ولا قدري ولا خارجي فنسبه إلينا فإنكم لا تدرون لعله شيء من الحق فتكذبوا الله ) البحار 2 /187 .

فبربكم إذا كان الخبر يتصف بكل هذه الصفات المرفوضة عند الناس ورغم ذلك ينهى الأئمة (ع) عن تكذيبه بل يعدون ذلك خروجاً عن الولاية وتكذيباً لله تعالى ويرشدون إلى التوقف به وعدم رده وتكذبيه، على أقل تقدير. فكيف يمكن رد رواية الوصية وهي لم تروَ عن خارجي ولا مرجئي ولا قدري ولا كذاب  وليست مخالفة للقرآن والسنة ولا للعقل  بل موافقة للقرآن وللسنّة وللعقل  وتعضدها كثير من القرائن الداخلية والخارجية  وقد اعتمد عليها كثير من فطاحل العلماء والمحدثين ، فهي بذلك تكون قطعية الصدور عن الرسول محمد (ص)  وهذا ما قرره أهل علم الحديث في كتبهم  ولا يمكن التشكيك بها  إلا من قبل منافق مرتاب  وردها يعتبر كفر وخروج عن الولاية  كما نطقت بذلك الروايات المتقدمة  وكفى بذلك عاراً لمن كذب وصية رسول الله (ص)  أو حاول التشكيك بها  مع كل هذه الأدلة التي تعضدها .

 وليت شعري أين هي الروايات المدسوسة والموضوعة كذباً على الأئمة (ع) وهل بقي كذاب لم يفضحه الله تعالى حتى قال بعض العلماء: ( ما ستر الله أحداً ًيكذب في الحديث ) شرح الدراية للعاملي ص58 .

 فأين هي الروايات المكذوبة والتي لم تكتشف لحد الآن بعد كل الجهود التي بذلها المحدثون في هذا المجال وهل هذا إلا كخوف الطفل من ابن آوى وهو في حصن حصين بين أهله !!

 فلا ينبغي المبالغة في التشكيك في الروايات  بحجة أنها مدسوسة أو ما شابه ذلك ولم نرَ لحد الآن أن هناك أخبار مدسوسة  قد عملت بها الشيعة واعتمدت عليها  أو نقلها العلماء في كتبهم الموثقة أو استدلوا بها ولاسيما زعيم الطائفة ورئيسها الشيخ الطوسي الذي روى وصية رسول الله (ص) واستدل بها في كتابه (الغيبة) وهو صاحب كتابين من الكتب الأربعة  التي تعد أوثق الكتب الشيعية على الإطلاق وعليها قام المذهب واعتمد وهما : التهذيب والاستبصار والكتابان الآخران  هما الكافي للشيخ الكليني ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق (رحمهم الله ) . ولكن لا غرابة في أن ترد أحاديث أهل البيت في هذا الزمان الذي يصف الرسول (ص) أهله بأنهم يرون المعروف منكراً والمنكر معروفاً.ًوهل يدري هؤلاء لماذا فضّل الله تعالى أهل آخر الزمان على أهل كل زمان ـ وهم أنصار المهدي (ع) ـ لقد فضلهم الله تعالى لتصديقهم بروايات الرسول (ص) وعترته الطاهرة  وإليك الرواية الآتية عن الرسول (ص) التي يظهر أنها من ضمن الوصية التي أوصى بها رسول الله (ص) ليلة وفاته  لتصريح الإمام علي (ع) بذلك  ولأنها نفس سياق الوصية  ابتدأت بقول الرسول (ص) : ( ياعلي…) .

عن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده  عن علي ابن أبي طالب (ع) في حديث طويل في وصية النبي (ص)  يذكر فيها إن رسول الله (ص) قال له : ( يا علي واعلم أن أعجب الناس إيمانا وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا بنبي وحجب عنهم الحجة  فآمنوا بسواد على بياض ) كمال الدين 1/288.

 والسواد على بياض هو الروايات فالذي يرد روايات أهل البيت بحجج واهية  ناقص الايمان وناقص اليقين  بل كافر وخارج عن الولاية – كما ذكرت الروايات المتقدمة –  ولا يتوقع نصرة القائم (ع)  لأن نصرة القائم لأعظم الناس يقيناً وهم المؤمنون بالروايات (بسواد على بياض)  والروايات كثيرة في مدح المصدقين والمسلّمين لروايات أهل البيت (ع) لا يتسع المقام لذكرها  وسأختصر بإضافة ثلاث روايات فقط : عن الرسول (ص) أنه قال : ( أي إيمان أعجب  قالوا : إيمان الملائكة  قال وأي عجب فيه  وينزل عليهم الوحي : قالوا : إيماننا  قال (ص) وأي عجب فيه وأنتم تروني : قالوا فأي إيمان هو  قال : إيمان قوم في آخر الزمان بسواد على بياض) مستدرك الوسائل 17/300 .

 وعن صفوان الصيقل قال : ( دخلت أنا والحرث بن المغيرة وغيره على أبي عبد الله (ع) فقال له الحرث : إن هذا ـ يعني منصور الصيقل- لا يريد إلا أن يسمع حديثنا فوالله ما يدري ما يقبل مما يرد . فقال أبو عبد الله (ع): هذا الرجل من المسلّمين وإن المسلمين من النجباء ) بصائر الدرجات 544.

 وعن زيد بن الشحام قال : قلت لأبي عبد الله (ع) (عندنا رجل يسمى كليبا ً فلا نحدث عنكم شيئاً إلا قال : أنا أسلّم  فسميناه كليب التسليم قال : فترحم عليه ثم قال : أتدرون ما التسليم  فسكتنا  فقال : هو والله الإخبات قول الله : (إنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ) بصائر الدرجات ص545 .

………………………………………………………………………………………………..

( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 39 – السنة الثانية – بتاريخ 19-4-2011 م – 15 جمادى الأولى 1432 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى