( ذكر الوصية عند أبناء العامة )
رغم تجنب أبناء العامة للتطرق إلى مسألة وصية الرسول محمد (ص) لأنها تتعارض مع مذهبهم إلا أن الله تعالى أظهر ذلك في بعض كتبهم وان كانوا له منكرين وأقصد بذلك مسألة وصية الرسول لعلي (ع) ليلة الوفاة وأما ما ذكره الرسول (ص) في إثبات خلافة الإمام علي (ع) في مراحل حياته وقبل الوفاة فقد امتلأت كتبهم بذلك ولا سبيل لنكرانها ولكن الذي يهمنا في هذا البحث هو ذكر الوصية في آخر حياة الرسول (ص) وإليك بعض ما ذكره أبناء العامة في كتبهم :-
فقد ذكر العجلوني في كتابه كشف الخفاء هذه الرواية عن الرسول محمد (ص) : ( يا علي أدع بصحيفة ودواة فأملى رسول الله (ص) فكتب علي وشهد جبرائيل ثم طويت الصحيفة ، قال الراوي فمن حدثكم أنه يعلم ما في الصحيفة إلا الذي أملاها وكتبها وشهدها فلا تصدقوه فعل ذلك في مرضه الذي توفى فيه ) كشف الخفاء 2 /384 .
وذكر ابن الجوزي في كتابه (الموضوعات) هذه الرواية مع زيادة وحاول تضعيف رواتها والطعن فيها لأنها تعارض عقيدته في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان .
فقال ابن الجوزي : … عن أبي عرفجة عن عطية قال : مرض رسول الله (ص) المرض الذي توفى فيه قال وكانت عنده حفصة وعائشة فقال لهما : أرسلا إليّ خليلي فأرسلتا إلى أبي بكر فجاء فسلّم ودخل المجلس فلم يكن للنبي (ص) حاجة فقام فخرج فنظر إليهما فقال : أرسلا إليّ خليلي فأرسلتا إلى عمر فجاء فسلّم ودخل فلم يكن للنبي (ص) حاجة فقام فخرج ثم نظر إليهما فقال : أرسلا إليّ خليلي فأرسلتا إلى علي (ع) فجاء فسلّم ودخل فلما جلس أمرهما فقامتا . قال : يا علي : أدع صحيفة ودواة فأملى رسول الله (ص) وكتب علي وشهد جبرئيل . ثم طويت الصحيفة . فمن حدثكم أنه يعلم ما في الصحيفة إلا الذي أملاها وكتبها فلا تصدقوه) الموضوعات 1 /377 .
وقد أخبرنا الذي كتب هذه الوصية ورواها لشيعته لكي يعرفوا بها الأوصياء إلى يوم القيامة. وقريب من هذه الرواية ما نقله الخاصة عن الإمام الصادق (ع) أنه قال :
( قال رسول الله (ص) في مرضه الذي توفي فيه : ادعوا لي خليلي فأرسلتا إلى أبويهما فلما نظر إليهما رسول الله (ص) أعرض عنهما ثم قال : ادعوا لي خليلي فأرسل إلى علي فلما نظر إليه أكب عليه يحدثه فلما خرج لقياه فقالا له : ما حدثك خليلك فقال : حدثني ألف باب يفتح كل باب ألف باب ) الكافي 1 / 328ـ329.
وبذلك تلزم الحجة أبناء العامة ولابد لهم من معرفة ما أوصى به الرسول محمد (ص) لعلي في تلك الصحيفة ولا طريق إلى ذلك إلا الإمام علي (ع) كما شهد بذلك راويا تلك الرواية.
( الوصية هي الطريق الوحيد )
بعد أن ثبت وجوب الوصية على كل مسلم وتركها يستلزم أن يموت الانسان ميتة جاهلية وأيضاًً ثبت أن كل الأنبياء والأئمة عليهم السلام قد أوصوا قبل مماتهم أو عند الموت بالخصوص وإن الرسول محمد (ص) قد أوصى في ليلة وفاته وإن وصيته هذه ان اعتمدتها الأمة وسارت عليها لن تضل إلى يوم القيامة ولا يختلف اثنان، فلا بد أن تكون هذه الوصية فيها أمر جديد غير الذي كان يؤكد عليه الرسول (ص) خلال حياته من وجوب طاعة خليفته والأئمة من ولده فلا بد من وجود بيان وتفصيل جديد على أقل تقدير وإلا إذا كانت الوصية هي نفس ما كان يؤكد عليه الرسول (ص) في عدة مناسبات على خلافة الإمام علي (ع) فلماذا كل هذا الحرص من الإمام علي (ع) والصحابة المقربين على معرفة تفاصيل هذه الوصية فهل أنهم كانوا يجهلون حق علي (ع) بخلافة الرسول (ص) وهم الذين عايشوا حادثة الغدير عياناً إضافة إلى مئات المواقف التي صرح بها الرسول (ص) بحق الإمام علي (ع) بالخلافة وأنه أفضل وأقرب وأعلم وأطهر أصحابه على الإطلاق !!
فحتى لو لم يتمكن الرسول (ص) من إملاء الوصية على أمير المؤمنين (ع) فإن الصحابة أمثال سلمان المحمدي وأبي ذر والمقداد وغيرهم ، لا يشكون في أحقّية الإمام علي(ع) بخلافة الرسول (ص) .
إذن فلا بد من وجود أمر جديد حرص الرسول (ص) حرصاً شديداً على تبليغه للأمة وبعد أن اعترض عمر بن الخطاب واتهم الرسول (ص) بأنه يهجر (وحاشاه) كتب الرسول (ص) هذه الوصية للإمام علي (ع) وأشهد عليها أخلص أصحابه وهم : سلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد كما تقدم ذكر ذلك مراراً .
وحرص الرسول (ص) والإمام علي (ع) والصحابة على كتابة وسماع هذه الوصية يؤكد على مدى أهمية هذه الوصية وأنها ستهدي الأمة إلى الصراط المستقيم وتجنبهم السبل التي تفرقهم عن الحق الخالص .
وإذا كان كذلك ولكي تثمر هذه الوصية ثمرتها ولكي لا تضيع أتعاب الرسول (ص) والإمام علي (ع) أدراج الرياح لابد أن تصل هذه الوصية إلى شيعة ومحبي الرسول (ص) وأوصيائه (ع) فقد تحمل الرسول (ص) بسبب هذه الوصية معاناة شديدة وهو في سكرات الموت ولاسيما حين أتهمه عمر بأنه يهجر (وحاشاه) هذه التهمة التي من شأنها نسف الرسالة والدين من الأساس إذ كيف يمكن أن يتطرق إلى الرسول (ص) الهذيان والكلام بلا شعور وهو الذي قال عنه الله تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) فأمرهم الله تعالى بالأخذ في قول الرسول (ع) في أصغر الأمور وأكبرها فكيف يمكن التشكيك بكلام الرسول (ص) في أهم وأعظم وثيقة سيكتبها الرسول (ص) والتي تتكفل بيان تكليف الأمة الإسلامية إلى يوم القيامة !!!
وإذا لم تصل هذه الوصية أو على الأقل أهم جزء منها إلى الشيعة فلا فائدة من كل هذه الجهود التي بذلها الرسول (ص) ولكانت كل الأمة بما فيهم الشيعة فاقدة لصمام الأمان وهي الوصية التي قال عنها الرسول (ص) : ( أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً ً) وحاشا الله تعالى ورسوله (ص) ووليه علي (ع) أن يحرموا كل الأمة من هذه الوصية التي تتكفل بيان الأوصياء إلى يوم القيامة فلابد أن يوصلها الإمام علي (ع) إلى شيعته ويؤدي الأمانة التي حمَّلها له الرسول (ص) لكي لا يُضيعوا من في أصلاب الرجال إلى يوم القيامة .
إذن إذا كان لابد من وصول الوصية للشيعة المخلصين وأؤكد على أن المراد بالوصية هو ما أملاه الرسول (ص) ليلة الوفاة وما خطه الإمام علي (ع) بيده بالصحيفة والدواة التي طلبها الرسول (ص) فهل يمكن لأحد أن يأتينا بوصية غير الوصية التي ذكرتها سابقاً والتي بيّنت عدد وأسماء الأوصياء من الأئمة والمهديين من ذرية الإمام المهدي (ع) .
وأؤكد على أنه لا توجد رواية واحدة تذكر نص ما أملاه الرسول (ص) لعلي (ع) غير تلك الوصية وأتحدى الجميع بأن يأتوا بذلك فقد تتبعنا الروايات فلم نجد أثراً لما أملاه الرسول (ص) ـ نصاً – غير ما ذكرت ومن المعلوم أن الرواية التي نقلها الشيخ الطوسي (رحمه الله) تتضمن أهم جزء من الوصية وهو تعيين الرسول (ص) لأوصيائه إلى يوم القيامة لأن الولاية ومعرفة الإمام أهم ما في الدين بعد معرفة الله تعالى وإلى هذا المعنى أشارت روايات كثيرة من شاء فليراجع الكافي ج1 ووسائل الشيعة ج18 وغيرها من كتب الحديث . وإذا كانت هذه الوصية هي الوحيدة التي تذكر نص ما أملاه الرسول (ص) ليلة الوفاة فهي الطريق الوحيد لمعرفة وصية الرسول (ص) ليلة الوفاة ولا طريق غيرها على الإطلاق.
والذي يحاول التشكيك بها أو ردها فهو شريك عمر بن الخطاب في اعتراضه على كتابة نفس تلك الوصية واتهامه للرسول (ص) بأنه يهجر (وحاشاه) إذن عمر اعترض على كتابتها لأنه يعلم أنها إذا كتبت لا يمكن له الاعتراض على خلافة الإمام علي (ع) ولا يمكن تحقيق ما كان يصبو إليه من ملك دنيوي رخيص والذي يعترض عليها الآن ولا يعترف بها كذلك لأنه يعلم أن اعترافه بها يثبت حق المهديين بالوصاية وإن أولهم أول الممهدين للإمام المهدي (ع) وهو اليماني الموعود وطبعاً هذا لا ينسجم مع أهداف من إتبع هواه وأخلد إلى الأرض وابتغى الدنيا وزينتها من جاه وأتباع وشهوات فالأمر يعود كما بدأ فنفس الأسباب التي من أجلها اعترض عمر على كتابة الوصية هي الأسباب التي من أجلها الآن يعترض المعترضون على الوصية .
فلو نقلت الوصية بروايتين مختلفتين لربما كان هناك حق للاعتراض والتشكيك بإحداهما واثبات الأخرى لكي لا نكون صفر اليدين مما أملاه الرسول (ص) ليلة وفاته لعلي (ع) ولكنها نص واحد ورواية واحدة وبرفضها ترفض وصية رسول الله (ص) ليلة الوفاة وتحرم الأمة من بركاتها ويـُساء إلى الرسول ويجازى إحسانه بالإساءة وتكون للناس حجة على الله تعالى بأنه لم يبيّن لهم كل الأوصياء إلى يوم القيامة ولله الحجة البالغة على الناس حيث يأتيهم الجواب : قد وصلتكم وصية رسول الله (ص) وقـد رفضتموها لأنها لـم تنسجم مع أهواءكـم ورغباتكم الدنيوية قال تعالـى : (أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) . وأما من قال : بأن هذه الوصية خبر آحاد لا يمكن الاستدلال بها . فهذا مردود من عدة جهات . منها : إننا لا نسلم بهكذا قاعدة وإنها لم تصدر عن إمام معصوم ، بل ما صدر عن الأئمة خلافها ومنها : إن الوصية مؤيدة بعدة قرائن توجب القطع بصدورها كما سيأتي مناقشة ذلك بالتفصيل فأنتظر وتأمل .
……………………………………………………………………………………….
( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 38 – السنة الثانية – بتاريخ 12-4-2011 م – 8 جمادى الأولى 1432 هـ.ق)