بسم الله الرحمن الرحيم
الإرادة التكوينية بين نفي الحاسدين وإثبات الواهب سبحانه
يحاول أبناء العامة التشويش على أنفسهم في مسألة اتصاف العباد الذين اجتباهم الله سبحانه بعدد من صفاته التي منها الإرادة الكونية وهي التي تبينها الآية الكريمة{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(البقرة/117) ، والآية الكريمة{قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(آل عمران/47) والآية الكريمة{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(آل عمران/59) ، والآية الكريمة{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}(الأنعام/73) ، وقوله تعالى{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(النحل/40) ، وقوله تعالى{مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(مريم/35) ، وقوله تعالى{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(يس/82) ، وقوله تعالى{هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(غافر/68) ، فهذه الآيات تبين معنى الإرادة الكونية وهي إرادة إلهية لاشك في ذلك ولا ريب .
الآن هذه الإرادة أليست صفة أو هي ماذا؟؟ الجواب : صفة ، هل الصفة الإلهية هي عين ذات الله أو هي غيرها؟ الجواب : إن صفته غيره في مقام النسبة والمعرفة وهي غيرية اعتبارية ، وهي عين ذاته في مقام الحقيقة ، بمعنى أن الصفة بمقام المعرفة غيره لشهادة أن كل صفة هي غير الموصوف ؛ أي الصفة بمقام التعريف تكون نسبتها إلى الموصوف نسبة دلالة حسب ، ومعنى كونها هي هو في مقام الحقيقة لأنه سبحانه حقيقة بسيطة غير مركبة غني بذاته لا يحتاج ، وإنما كانت الصفة منه لحاجة من دونه إلى معرفته ولولا أنه وصف نفسه سبحانه لما استطاع الخلق معرفته ، وكما هو معلوم أن التعريف بالنفس دلالة غنى لا دلالة افتقار ، بمعنى الغني من يعرف بنفسه ليعرفه أهل الحاجة له فيتوجهوا إليه ، وإن كان له حاجة من التعريف بنفسه فحاجته إلى التعريف هي العطاء حسب ، ولذلك ورد في الحديث القدسي [كنت كنزاً مخفياً فأردت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف .] فخلقه هم صفته التي تعرِّف به باعتبار أنه أوجدهم من العدم ، ووصف (الخلق) هو دال على أس الخلق العارف بالله سبحانه ، وهنا يأتي من هو أس الخلق العارف بالله كما أراد الله سبحانه أن يُعرف؟؟ ولو استعرضنا كل الخلق لا نجد غير محمد(ص) فهو الخلق العارف بخالقه المعرِّف به ، هل يجوز للخالق سبحانه أن يعطي صفة الخلق والإيجاد من العدم إلى مخلوقه محمد(ص)؟؟ الجواب الأكيد : نعم ، ومن يقول ؛ لا يجوز فعليه أن يأتي بدليل ، لماذا؟؟ لأن الثابت والبديهي يقول إن (ملك الملوك إذا وهب * لا تسألن عن السبب) ، قال تعالى{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ * وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}(الأنبياء/25-30) تدبروا قول الله سبحانه (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وقوله في الحديث القدسي (فخلقت الخلق …) فالجعل هنا إرادة تكوينية ، والخلق إرادة تكوينية ، فالخلق والجعل هنا واحد فالمخلوق هنا (الماء) ومنه جعلنا كل شيء حي ، فكل شيء حي ممن؟؟ من الماء أي الماء من أوجده ، أليست هذه إرادة تكوينية؟؟ ولكن هل هناك فرق بين الإرادتين؟؟ الجواب : نعم ، فإرادة الله سبحانه هي وصف لعين الذات ، أما إرادة المخلوق فهي وصف موهوب إليه ، بمعنى أن الذات الإلهية وهبت تلك الصفة لتعرِّف بغناها ، إلى مخلوق يعترف لها بفقره ، ومن هنا كانت هذه الصفة موهوبة لمن يعترف بفقره وحاجته إلى ربه سبحانه دوماً وأبدا ، قال تعالى{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً}(مريم/58) ، هذه التلاوة وهذا التذكير هي ميزان الله سبحانه لعموم الخلق ليتبين للناس لماذا اجتبى الله سبحانه أولئك العباد ؛ لأنهم أي أولئك العباد الذين اجتباهم عندما تتلى عليهم آيات الرحمن لا ترى إلا أنهم خروا سجدا وبكيا ، ولا يستطيع أحد أن يصوغ لوصف حالهم غير هذا الوصف الذي وصفهم به الله سبحانه .
لذا فمسألة اتصاف خلفاء الله سبحانه على أرضه بصفاته ليس أمراً منكراً فهو الواهب سبحانه ، وهو سبحانه يهب ما يشاء لمن يشاء ، وليس للعباد إلا أن يقولوا سمعنا وأطعنا ، ولا يعترضوا كما يفعل اليوم السواد الأعظم من المسلمين للأسف ، وربما سيقول لك أحدهم : إذا كانت لديه الإرادة التكوينية لماذا لا يحرر فلسطين؟! ولماذا لا يخسف بأمريكا الأرض؟! ولماذا ، ولماذا؟؟!! جردة طويلة من اللماذات التي على المهدي(ص) أن يفعلها كي يصدق أولئك أنه خليفة الله وأن لديه الإرادة التكوينية!! وهنا حق للمستغرب أن يفغر فاه استغرابا وتعجبا من هكذا رؤوس تفكر بهذه الطريقة الساذجة التي تريد من خليفة الله سبحانه أن يكون كائنا أسطوريا يفعل ما يشاء كيف يشاء!!! سبحان الله فهؤلاء نسوا أن من له الإرادة الكونية بالاستقلال وهو الله سبحانه لم يجيب على هذه اللماذات الساذجة فهل سيسقط عدم استجابته لتلك اللماذات إرادته التكوينية؟؟!! هل هؤلاء مسلمون فعلا؟؟!! فضلا على أن يكونوا موحدين!!! لقد أحرق الحسد قلوب أولئك على خلفاء الله سبحانه مما جعلهم يقعوا في المحذور ، ولذلك استغل هذا المحذور أولئك الذين يمتهنون الإلحاد إلى أن يقولوا ليس هناك شيء اسمه خالق له إرادة تكوينية ، ولو كان موجوداً فعلاً لأجاب على تلك اللماذات الطويلة!!!
كل المسلمين ولا أقل الطائفتان الكبريان (الشيعة والسنة) متفقتان على أن المهدي(ص) هو خليفة الله (خليفة الله) ومادام هو خليفة الله فما المانع بأن يتصف بصفات الله سبحانه التي وهبها له وبها جعله خليفة له على الناس ، ومن تلك الصفات صفة (الإرادة الكونية) فأين وجه الاعتراض ، وما سبب الرد؟؟ وهناك أمر غاية في الأهمية مفاده ما يحاول أبناء السنة تسويقه على الناس فهم من جهة ثابت عندهم برواياتهم المعتمدة أن (المهدي خليفة الله) وهو من (سيملؤها قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا) ، وهذه الشخصية بهذا الوصف المهيب والخطير ، عندما يأتون إلى تشخيص المصداق على الواقع يقولون : (هو رجل صالح يخرج من عامة الناس ويفعل ذلك وهو ليس عقيدة عندنا وليس في عقيدتنا انتظاره أو التهيؤ لاستقباله ، ولا … ولا …) فكيف يتلاءم هذا القول والعمل مع هذه الشخصية الموعودة الموصوفة بـ(خليفة الله)؟؟!! وكيف تقولون (من عامة الناس) ورسول الله(ص) في رواياتكم الثابتة يخبركم مرة : إنه من عترتي أهل بيتي ، ومرة ؛ من ولد فاطمة(ص)؟؟؟ أليس هذا تناقض صارخ يدلل على أنكم جعلتم أحاديث رسول الله(ص) الثابتة عندكم خلف ظهوركم؟؟ لقد تغافل أولئك بنفي صفات الله سبحانه من أن يصطبغ بها خلفاؤه سيجعل من المتربصين يضعونهم في زاوية الحرجة مفادها : ما الدليل على وجود خالق؟؟ كيف تثبتون تلك الصفات التي تصفونه بها؟؟؟ وكل هذه الأسئلة لا إجابة لها من دون ممثل لصفات الله سبحانه على أرض الواقع ، فهل ينتبه أولئك الناس لهذه المزلقة العقائدية والفكرية الخطيرة؟؟!!
أمر آخر وهو مهم جداً يقولون أن المهدي(ص) ليس عقيدة ، ويحتجون بدليل أنها لم تذكر في القرآن!! وهذه من عجائب المغالطات ، كيف؟؟؟ ألم يرووا في كتبهم أن (المهدي خليفة الله)؟؟ نعم رووا ، هل آدم(ع) خليفة الله؟؟ الجواب نعم ، هل وصف خليفة الله يختلف عند آدم(ع) عنه عند المهدي(ص)؟؟ الجواب : لا ، فالوصف واحد والموضوع واحد على الرغم من تعدد المصداق . هل بين الله سبحانه ضوابط تعيين آدم(ع) خليفة له في القرآن؟؟ الجواب : نعم ، ما هي تلك الضوابط؟؟ الجواب : هي أولا : الجعل أي التنصيب والنص عليه ، ثانيا : العلم ، ثالثاً : الأمر بطاعته بوصفه حاكما بأمر الله وخليفة له ، وبما أن الرجلين آدم والمهدي(عليهما السلام) يشتركان بالصفة نفسها والموضوع نفسه كونهما (خليفة الله) فما انطبق على الأول من شروط وضوابط هي ذاتها تنطبق على الثاني ولا سبيل غير هذا . وبذلك يكون الإيمان بالمهدي(ص) عقيدة كما هو الإيمان بآدم(ع) عقيدة ، قال تعالى{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(البقرة/285) ، ومن يقل غير ذلك فقد فرق بين خلفاء الله ورسله وهذا الله سبحانه يصفه بقوله تعالى{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}(النساء/150) والنص واضح من فرق بين الله ورسله بالقول أننا نؤمن بآدم(ع) كعقيدة ولا نؤمن بالمهدي(ص) كعقيدة على الرغم من أن كليهما ورد تسميتهما بنص قطعي الصدور ثبوتي الدلالة بـ(خليفة الله) ، آدم(ع) في الكتاب ، والمهدي(ص) في السنة ، ولذا من كفر بأحدهما فقد كفر بالآخر ويتحقق عليه وصف الله سبحانه في الآية آنفة الذكر .
ملاحظة أخيرة ومهمة مفادها : أن الأصل العقائدي أي العقيدة تثبت بنص قطعي الصدور ثبوتي الدلالة سواء ورد هذا النص في الكتاب أو في السنة وسواءً كان في السنة متواتراً أو حديث آحاد . ومن يقل غير ذلك فعليه أن يأتي بالدليل ، أما الدليل على قولنا بثبوته في السنة هو قول الله سبحانه{مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(الحشر/7) .
وهناك أمر آخر مهم علينا أن ننتبه له ألا وهو : هل يقولون هم بانقطاع الإرسال بعد محمد(ص) ، يعني هل يقولون ليس هناك من رسول بعد محمد(ص)؟؟ فهم سيجيبون بـ(نعم) ليس هناك رسول بعد محمد(ص)!! وإذا أجابوا بهذا الجواب نسألهم عن قوله تعالى{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}(النساء/165) فهنا الله سبحانه يقرن استمرارية الإرسال باستمرارية وجود الناس فمادام هناك أناس لابد من وجود رسول ، وانقطاع الإرسال بوجود الناس يجعل الحجة للناس على الله سبحانه وسيقولون له كما ذكر هو سبحانه{وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(القصص/47) ، وقوله تعالى{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى}(طه/134) فقوله سبحانه (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله) فالضمير الهاء عائد على الرسول أي ؛ من قبل الرسول ، (لقالوا) وقولهم هذا حجة ، ولكن هذه الحجة سقطت وصارت داحضة لأن الله سبحانه وضع قانونا مفاده قوله تعالى{مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}(الإسراء/15) ، فلا يمكن أن يقع العذاب أو تصيب الناس مصيبة بما قدمت أيديهم إلا وكان فيهم رسول منه سبحانه على الرغم من أن هذه المصيبة النازلة بهم من كسب ايديهم كما وصف الحق سبحانه{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(الروم/41) واستناداً إلى القانون الإلهي في قضية بعث الرسل نفهم معنى قوله تعالى في خاتمة الآية (لعلهم يرجعون) إذ لابد من وجود من يرجعون إليه ، وإلا ما معنى الرجوع؟؟ فقوله (يرجعون) أن هناك رسولا له تجاوزته الناس فأصابهم ما أصابهم ليعودوا ويقولوا على وفق قانون الله (لا يكون العذاب إلا ويكون الرسول موجوداً فيرجعوا إليه) خاصة وأنه ما من رسول إلا وهو صاحب دعوة .
والأمر الثاني المتعلق بهذا الموضوع وهو كذلك مهم في إثبات الحق ؛ نسألهم عن قوله تعالى{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}التوبة/32-33) ، وقوله تعالى{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(الصف/8-9) ، فالله سبحانه في هذه الآيات يؤكد على ظهور الدين على الدين كله ، فمن هذا الرسول الذي يظهر الدين على الدين كله ولو كره المشركون؟ لقد مات رسول الله محمد(ص) ولم تزل اليهودية والنصرانية وحتى الديانات الوضعية ، وهذا يعني أن هناك رسولا يأتي بعد رسول الله محمد(ص) هو من يقوم بذلك ، فمن هذا الرسول؟؟؟ سياق الآية واضح وجلي لا يقبل غير هذا الكلام . فدلونا على هذا الرسول؟؟
كذلك ما يحدث في العالم اليوم من عذاب واضح لا لبس فيه يدلل على أن لابد من وجود رسول ، قال تعالى{مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}(الإسراء/15) إن كنا مصدقين بالقرآن فمن هذا الرسول اليوم؟؟؟ أفيدونا .
775 8 دقائق