زاوية الأبحاثزاوية الدعوة اليمانيةزاوية العقائد الدينية

المعترضون على خلفاء الله .. وحدة المنهج (( الحلقة الحادية عشرة )) القسم (1)

مع منهج المعترضين على خلفاء الله في أرضه، وتحديدا في الأمر التاسع من مجادلتهم بالباطل، ومر بنا صور أربع لهذه المجادلة وهي: عدم سماعهم بهذا في ملة آبائهم الأولين، واتهام أنصار خلفاء الله بالأراذل، وما أنت إلا بشر مثلنا، واتهام حجة الرسل بالضعف واليكم الصورتين الخامسة والسادسة بإذن الله.

الخامسة: ((وضوح الجدال بباطل قابلوا به حجة الرسل))

(إذا كان ربك يحي ويميت فانا اُحي واُميت مثله، نحن أكثر أموالاً وأولاداً، أليس لي ملك مصر، لولا ألقي عليه أسورة، لم يؤتى سعة من المال) وما شابه ذلك مما يفعله المعترضون في مقابلة بينات الرسل وحجتهم الواضحة من الجدال والمراء ومحاولة الإتيان بأمر بعيد عن حجة الرسل ولا علاقة له بها أصلاً، ويبقى المهم هو الرد والاعتراض بأي صورة كانت.

من ذلك – مثلاً – ما صنعه النمرود (لعنه الله) مع خليفة الله إبراهيم عليه السلام لما حاجّه في ربه ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ البقرة: 258. فإبراهيم عليه السلام يريد إقامة الحجة على الطاغية المتجبر فيذكر له أنّ الله سبحانه هو المحيي والمميت، ولكن المعترض يجيبه بأنه يحيي ويميت، أما كيف ؟ فيبدو أنه يقصد بإحيائه وإماتته جرائمه التي يرتكبها بحق المستضعفين والمظلومين، فانّ من يقتله فقد قتله ومن يعفو عنه فقد أحياه، وواضح انه مجرد جدال. ولأنّ المعترض عادة ما يتكلم من موضع تسلّط وتكبر نجد أنّ إبراهيم عليه السلام لم يوضح بطلان قول نمرود (لعنه الله) في إجابة حجته، بل عرّج على حجة أخرى ألجمه بها وألقمه حجراً، وبهت الذي كفر.

ومن ذلك أيضاً: ما يقوله المعترضون لخلفاء الله لما يدعونهم إلى الله بأنهم – أي المعترضين – أكثر أموالاً وأولاداً !! طيب ثم ماذا ؟ وما ربط هذا بذاك، أي ما ربط كونكم أكثر أموال وأولاد بأنّ من جاءكم هو خليفة الله وحجته على خلقه ؟ وأيّ دين هذا الذي يُقيّم قيّمه وإمامه بكثرة أمواله وأولاده، وهل جاء حجج الله إلا للقضاء على هذه الأعراف والأخلاق القبيحة المتفشية في مجتمعات وشعوب نخر فيها الظلم والفساد. وواضح أنّ مثل هذا النوع من منهج المعترضين وجدالهم لم يكن ليأتي إلا من قبل المترفين الذين ينظروا لمن دونهم نظرة استخفاف واحتقار واستصغار، وهذا هو طبع سادة الاعتراض والملأ من أتباعهم، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ سبأ: 34 – 35.

وبقلة المال أيضاً اعترض المعترضون على طالوت عليه السلام لما بعثه الله سبحانه فـ ﴿قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ..﴾، فليست مشكلتهم في طهارته وأخلاقه وصدقه وعلمه وشجاعته وبقية صفات الكمال الأخرى، مشكلة طالوت في نظرهم أنه لم يكن كثير المال، أحد فقرات قانون المعترضين في الخلفاء الذين يريدون تصديقهم. ورغم أنه جاء بقانون الله في حججه ﴿قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة: 247. فالنص: (إن الله اصطفاه)، والعلم: (وزاده بسطة في العلم)، وحاكمية الله: (والله يؤتي ملكه من يشاء)، ولكن هذا لا يكفي بنظر المعترضين للإيمان به وتصديقه فان القوم لهم قانونهم الخاص بهم، وطالوت الذي يدعي انه خليفة لله قد جاء بقانون الله ولم يأتِ بقانونهم.

وليس بعيداً عن ذلك ما قاله فرعون للملأ من قومه وهو يدعوهم لانتهاج نهجه في رفض دعوة موسى عليه السلام ومحاربتها والاستهزاء بها، والعجيب أن ما يذكره لا ربط له نهائياً بحجة الرسل وما يأتون به من بينات، فيقول: ﴿.. يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ … فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ الزخرف: 51، 53.

ولو نظرنا إلى المعترضين في جدالهم الذي يقابلون به بينات خلفاء الله في أرضه لوجدناه لا يعدو زخرف الدنيا وزبرجها: (كثرة المال والأولاد والأنهار التي تجري في البساتين والقصور وأسورة من ذهب والملك) وأمثال ذلك، وفي الحقيقة هم لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا ومنتهى مبلغ معرفتهم وما يطمحون إليه في هدفية خلقتهم هو الدنيا، ولذا نجد أن من سنتهم الترف والتزاحم على الألقاب والجاه والسلطان، بل يصل الحال إلى تسخير حتى المقدسات للحصول على اكبر قدر من الدنيا. وعليه، فإنّ ما يحصل مع داعي الله السيد أحمد الحسن عليه السلام من قبل سادة المعترضين والملأ ليس بغريب بعد أن ذكر لنا الله سبحانه حال المعترضين فيما مضى وفعلهم وقولهم في كتابه الكريم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى