زاوية الأبحاثزاوية الدعوة اليمانيةزاوية العقائد الدينية

المعترضون على خلفاء الله .. وحدة المنهج (( الحلقة العاشرة )) القسم (2)

وحال المعترضين هذا يذكرنا بما جاء عن أهل البيت (ع) في تأوّل المعترضين القرآن على قائم آل محمد (ع) كما يحصل اليوم تماماً، عن الفضيل، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله (ص) من جهال الجاهلية، فقلت: وكيف ذلك ؟ قال: إن رسول الله (ص) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، ويحتج عليه به ..)  بحار الأنوار: ج52 ص362. نعم، يحتجون عليه بما فرحوا به مما عندهم من علم في نظرهم، وإلا فأيّ علمٍ هذا الذي يتأول به القران على أهل القران والعلم ومعدنه ؟!

1-    وكان من آيات الرسل وبيناتهم هي الرؤيا وتأويلها، فهي إحدى آيات يوسف (ع) وبيناته التي أرسله الله بها، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ﴾ غافر: 34. ولكن المعترضين أصروا مرة أخرى – وكعادتهم مع بينات الرسل – على الكفر بها وتكذيبها والاستهزاء بها، فوصفوها بأنها أضغاث أحلام: ﴿قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ﴾ يوسف: 44. وهو الآخر ما تفعله الأمة اليوم مع الرؤيا لما كانت احد أدلة وآيات قائم آل محمد (ع).

2-    ومما اتهم به المعترضون حجة الرسل وبينات الله المرسلين بها هو أنها أساطير والعياذ بالله، أو (كلام عجائز) بتعبير أدعياء العلم اليوم من سادة الاعتراض وملئهم، قال تعالى: ﴿.. وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ الأنعام: 25، ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ القلم: 15، المطففين: 13.

3-    ومما انتهجه المعترضون أيضاً من باطل مع بينات الله وحججه هو اتهام حجة الرسل بالضعف في اللغة والبيان، هذا والرسول – أي رسول الهي – لم يأتِ بغير لغة قومه المعروفة عندهم والتي بها يوصل علمه وحكمته الإلهية للناس لأجل هدايتهم، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ إبراهيم: 4. وهو منهج استعمله المعترضون كما يقصه علينا الكتاب الكريم في قوله عن فرعون الذي يشكل على خليفة الله موسى (ع) بهذا الإشكال: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ الزخرف: 52.وقريب منه ما قاله قوم شعيب له ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ...﴾ هود: 91.

وهو ما كرر الاعتراض به أدعياء العلم اليوم على حجة الله وخليفته، والحال أنهم يعرفون أنهم يعتذروا بما لا ضابطة فيه، فإنّ اللغة العربية قواعد استقرائية تحتمل الخطأ، ولا يمكن اعتبارها قانون يحاكم القرآن وكلام الأنبياء والأوصياء، وإلا فإنهم يقرّون للنصارى نقضهم على القرآن بواسطة قواعد اللغة العربية الوضعية. ولو كان أحد مطلع على اللغة العربية سيجد أن هناك أكثر من مدرسة نحوية، ولكل مدرسة قواعدها التي تختلف عن الأخرى، فأيها الحقيقة وأيها الوهم والباطل ؟ وليس غريباً بعد تمسكهم بعلومٍ هم وضعوها وانصرافهم عن حكمة الله وعلومه التي يأتي بها رسله، واستهزائهم بها ووصفها بما وصف به المعترضون بينات الله فيما سبق، فهم لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا، وقيمة الإنسان لا تعدو في نظرهم إلا عبارة عن لسانه ولباسه وخفق النعال خلفه ومقدار ما في جيبه ليس إلا، وأما التقوى وطهارة القلب والورع عن محارم الله وكل كمال عند الله فهي أمور أكل الدهر عليها وشرب.

وبمقاييسهم فإنّ الإمام الصادق (ع) (وحاشاه) يكون قد قرأ القران خطأً، فعن محمد بن مسلم، قال: (قرأ أبو عبد الله (ع): ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ﴾، قلت: نوح ! ثم قلت: جعلت فداك، لو نظرت في هذا أعني العربية، فقال: دعني من سهككم) مستدرك الوسائل – الميرزا النوري: ج4 ص278 ح7. وما كان (ع) ليهتم بأمر هو يقول عنه: (أصحاب العربية يحرّفون الكلم عن مواضعه) المصدر السابق: ح8. فالعربية علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه، وحجج الله منزهون عما هو كذلك، فعن أبي إبراهيم (ع)، قال: ( دخل رسول الله (ص) المسجد، فإذا جماعة قد أطافوا برجل، فقال رسول الله (ص): ما هذا ؟ فقالوا علّامة يا رسول الله، فقال (ص): وما العلّامة ؟ قالوا: عالم بأنساب العرب ووقائعها، وأيام الجاهلية، والشعر، والعربية، فقال (ص): ذلك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه) السرائر – ابن إدريس الحلي: ج3 ص626. فهل ينوي المعترضين على حجج الله  أن يقوموا خلفاء الله بما لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله ؟! ما لكم انتكستم إلى هذا الحدٍّ ؟!

وأخيراً: إلى المعترضين بالنحو هذه الحادثة التي هي غنية عن التعليق: (عن حريز بن عبد الله، قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) فدخل عليه حمران بن أعين وجويرية بن أسماء، قال: فتكلم أبو عبد الله (ع) بكلام فوقع عند جويرية أنه لحن، قال: فقال له: أنت سيد بني هاشم والمؤمل للأمور الجسام تلحن في كلامك ؟!  قال: فقال: دعنا من تيهك هذا، فلما خرجا، قال: أما حمران فمؤمن لا يرجع أبداً، وأما جويرية فزنديق لا يفلح أبداً، فقتله هارون بعد ذلك) اختيار معرفة الرجال – الشيخ الطوسي: ج2  ص700. والحمد لله رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى