زاوية الأبحاثزاوية الدعوة اليمانيةزاوية العقائد الدينية

المعترضون على خلفاء الله .. وحدة المنهج (( الحلقة التاسعة ))

مع منهج المعترضين على خلفاء الله في أرضه، وتحديدا في الأمر التاسع من مجادلتهم بالباطل، ومر بنا صورتين لهذه المجادلة وهي: عدم سماعهم بهذا في ملة آبائهم الأولين، واتهام أنصار خلفاء الله بالأراذل، واليكم الصورة الثالثة.

الثالثة: ((إنما أنت بشر مثلنا، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق))

من فقرات محاججة المعترضين بالباطل هي إجابة خلفاء الله بأنكم بشر مثلنا، وهو قول يستحق هو الآخر أن يضاف إلى ما يوحد المعترضين على خلفاء الله في منهجهم لاشتراكهم في قوله لهم، قال تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ..﴾ الأنبياء: 1 – 3.

وواضح أنّ ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ هو قول كل الناس الذين ما أن يأتيهم ذكر من ربهم إلا وكان حالهم ما وصفته الآية الكريمة. ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً﴾ الإسراء: 94. فانه الآخر يشير إلى أنّ المعترضين على خلفاء الله جميعاً يعدون بشرية حجج الله مانعاً عن الإيمان بهم.

وقال قوم من المعترضين لرسلهم لما أرسلوا إليهم: ﴿.. مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ﴾ يس: 15.

ومن هذا المنطلق نجد أن المعترضين من قوم نوح لم يفوتهم ذلك: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً..﴾ المؤمنون: 24. وقالوها لنبي بعث بعده: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ … ما هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ المؤمنون: 33. وقال المعترضون لصالح عليه السلام: ﴿مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا ..﴾ الشعراء: 154. ولشعيب عليه السلام: ﴿وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا ..﴾ الشعراء: 186. ولم يسلم موسى عليه السلام من احتجاج قومه عليه بذلك أيضاً: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ … إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ … فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ المؤمنون: 45 – 47. ولسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال المعترضون: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ الأنبياء: 3، ﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ..﴾ ص: 8.

وقريباً من ذلك سنّتهم في الاعتراض على رسل الله بحجة أنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ المؤمنون: 33 – 38.

وهذا الاعتراض صادر من أناس: (كفروا + كذبوا بالمعاد + أترفوا في هذه الدنيا) = (الملأ)، وهو حالهم وصفتهم دوماً كما مر، في حين أنّ الله سبحانه يؤكد أنّ أكل رسله للطعام ومشيهم في الأسواق أمر يتوفر عليه كل رسل الله، وهو لا مانع عن الإيمان بهم أو يكون وسيلة للطعن عليهم، وهو قوله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً﴾ الفرقان: 20.

ويؤكد الله سبحانه مرة أخرى للمعترضين على الرسل بأكل الطعام أنّ ذلك لا يضر برسالتهم، فيقول تعالى: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ ..﴾ المائدة: 75. ورغم بطلان حجتهم ودفعها من قبل الله سبحانه إلا أنهم يصرون عليها، فأعادوا الاعتراض أيضاً لما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فعزى الله رسوله بقوله: ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ..﴾ الفرقان: 20، وهو معنى مجادلتهم بالباطل.

وتعاد هذه السنة اليوم مع الإمام المهدي عليه السلام ووصيه، وربما عبارات المعترضين تختلف ولكن المضمون لمن تدبر الحق ولاحظ الباطل يكشف هذه الحقيقة، وتدبر الحق لا يكون إلا بمطالعة روايات آل محمد عليهم السلام الواردة في هذا المجال، فعن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: (إن في صاحب هذا الأمر لشبه من يوسف، فقلت: فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة؟ فقال: ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك؟ إن إخوة يوسف كانوا عقلاء ألباء أسباطاً أولاد أنبياء دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه وتاجروه وراودوه وكانوا إخوته وهو أخوهم، لم يعرفوه حتى عرفهم نفسه، وقال لهم: أنا يوسف، فعرفوه حينئذ فما ينكر هذه الأمة المتحيرة أن يكون الله عز وجل يريد في وقت (من الأوقات) أن يستر حجته عنهم، لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك (والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر)، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه صاحب هذا الأمر يتردد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتى يأذن الله له أن يعرفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتى قال له إخوته: إنك لأنت يوسف قال: أنا يوسف) بحار الأنوار: ج52 ص154، وروايات أخرى غيرها.

والإمام عليه السلام في هذه الرواية يريد أن يثبت لحجة الله (صاحب الأمر عليه السلام) ما أثبته الله سبحانه لحججه السابقين ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ من أنه يتردد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم ولكنهم لا يعرفونه، وبذلك فإنّ فيه سنة من يوسف عليه السلام، ولكن مَنْ من هذه الأمة – سادة أو ملأ أو أتباع – يريد أن يعترض ببشرية صاحب هذا الأمر ويجعله عذراً عن الإيمان به؟

في الحقيقة أننا لو طالعنا بعض اقوال كبرائهم والتي يريدون فيها اثبات تكذيب كل من ادعى رؤية الإمام المهدي عليه السلام في هذا العالم أو في عالم الملكوت، فإنها تؤكد حقيقة خطيرة، هي: إنه يريد حجة لله لا تُشاهد ولا تُرى لا في الملك ولا في الملكوت، أي إنه يطلب خليفة لله ليس بشراً، إذ ما من بشر إلا وكان له حظاً من المشاهدة، فإن لم تكن في هذا العالم المادي – لحكمةٍ يريدها الله كما في عيسى بعد رفعه – فلا اقل يكون له حظ من الرؤية والمشاهدة في عالم الملكوت عبر رؤى صادقة يراها المؤمنون، أليس كذلك؟

ويبقى هذا القائل في قوله الذي عبّر عنه بتكذيبه لهذه الدعوة الحقة يؤكد سنة المعترضين على خلفاء الله وتكرار طلبهم، وهي واحدة دائماً ولا تتبدل، ولذا أجاب الإمام الصادق عليه السلام في الرواية عن مثل هذه الحجج الباطلة، وجوابه جواب الله تبارك وتعالى.

جدير بالذكر أنّ هذه المقولة من قائلها قد رفعها البعض بوجوهنا رداً واعتراضاً على داعي الحق أحمد الحسن عليه السلام وصي الإمام المهدي عليه السلام ورسوله إلى الناس، وشاء الله أن تكون وثيقة توضح حال قائلها المعترض والتي يشبه فيها نفسه بما قاله المعترضون على حجج الله فيما سبق، ولم يتعدى حال حالهم قيد أنملة.

والحمد لله رب العالمين                                                                                                       

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى