زاوية العقائد الدينيةعقائد الشيعة

الوصية والوصي أحمد – الحلقة السابعة

( النجاة في ما كتب بالصحيفة والدواة )

 ما أكثر الصحف وأكثر الأقلام  ولكن شـُـح بها على رسول الله (ص)  يوم طلبها ليكتب لأمته وصية  تكفل نجاتهم إلى يوم القيامة  بـُخل بها على أكرم خلق الله ، والذي من أجله خلقت السماوات والأرض  الذي أعطى كل شيء لأمته  وبخلوا عليه بصحيفة ودواة  طلبها لمصلحتهم ونجاتهم دنيا وآخرة .

وبعد أن خرج القوم عن رسول الله (ص)  وبقي أهل بيته وبعض أصحابه  طلب رسول الله (ص) من علي (ع) نفس الطلب الذي طلبه من القوم وترددوا في إحضاره  واتهموا الرسول (ص) بما لا يليق به، طلب الرسول (ص) من الإمام علي (ع)  أن يحضر صحيفة ودواة  ليملي عليه الوصية  لتكون عنده يتوارثها إمام عن إمام  إلى يوم القيامة  مادام التكليف باقياً على الناس .

وأوكد على مسألة : ( إلى يوم القيامة )  أي لابد أن تبيّن وصية رسول الله (ص) ولو إجمالاً تكليف الأمة والأوصياء بعد وفاة الإمام المهدي (ع) لأن الإمام المهدي (ع) وكما هو معلوم  يتوفى قبل يوم القيامة  فقد حددت الروايات مدة حكمه بسبعة سنين أو تسعة أو أربعين  على اختلاف الروايات . فلكي يصدق قول الرسول (ص) بأنه سيكتب في الوصية ما ينجي الأمة إلى يوم القيامة  فلابد أن يبيّن ويعيّن الأوصياء بعد الإمام المهدي (ع) وهم ذريته  كما نطقت بذلك عشرات الروايات عن الرسول محمد (ص) وأهل بيته الطاهرين وأما من زعم أن الرسول ذكر الأوصياء إلى الإمام المهدي (ع) فقط  فهذا يستلزم نقصان وصية رسول الله (ص) وحاشاه وانه لم يبيّن مصير الأمة إلى يوم القيامة وانه ضيّع الأمة بعد الإمام المهدي (ع) وحاشاه . ومن الملاحظ عند الاطلاع على الروايات  أن الرسول (ص) وأهل بيته حاولوا بيان التكليف بعد وفاة الإمام المهدي (ع) ولكن مع تعمد الرمزية في ذلك بعض الأحيان ومع تعمد إخفاء بعض الجوانب في هذه المسألة عن عامة الناس ونجد هذا التحفظ واضحاً في جواب أمير المؤمنين (ع) عندما يُسأل عن ما بعد المهدي (ع) .

عن عبد الله بن الحارث قال : قلت لعلي عليه السلام : يا أمير المؤمنين أخبرني بما يكون من الأحداث بعد قائمكم  قال : (  يا ابن الحارث ذلك شئ ذكره موكول إليه  وإن رسول الله صلى الله عهد إلي أن لا اخبر به إلا الحسن والحسين عليهما السلام ) كمال الدين وتمام النعمة ص  77.

 وفي حديث عن أمير المؤمنين (ع) يذكر فيه بعض علامات قيام القائم (ع) : ( فعند ذلك ترفع التوبة فلا تقبل توبة ولا ينفع نفساً ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيراً ثم قال عليه السلام لا تسألوني عما يكون بعد هذا فانه عهد إلى حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا أخبر به غير عترتي ) التفسير الصافي للفيض الكاشاني ج 4 ص 75.

ولم يصرح بذكر ذرية الإمام المهدي (ع) بصورة واضحة إلا بعد مقتل الإمام الحسين (ع) أو قبله بقليل فحتى وصية الرسول (ع) بالمهديين (ع) لم تروَ علناً إلا في زمن الإمام الصادق (ع) وهذا ما اقتضته حكمة الله تعالى للحفاظ على هذا السر العظيم .

فلذلك نجد بعض الروايات تذكر الأوصياء وتعددهم إلى القائم (ع)  وبعضها تكتفي بقولها : ( إلى يوم القيامة )  وبعضها تنص على الأوصياء بعد القائم (ع) وهم ذريته وهذا من تخطيط الله تعالى وحكمته  في ستر هذه المسألة  حتى يحين وقتها ويبينها صاحبها  ولكي لا يدعيها أحد غير صاحبها  فقد ورد في كثير من الروايات إن القائم (ع) إذا قام يدعو إلى أمر قد خفي وضل عنه الجمهور  وأنه يدعو إلى أمر جديد على العرب شديد .

عن أبي جعفر (ع) قال : ( إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله (ع)  وإن الإسلام بدأ غريبا ً وسيعود غريبا ً  فطوبى للغرباء) غيبة النعماني ص336 .

وعن مالك الجهني قال : قلت لأبي جعفر (ع) : إنّا نصف صاحب هذا الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس . فقال: لا والله لا يكون ذلك أبدا ً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه ) غيبة النعماني ص337 .

فلا يمكن لأحد أن يتكهن  ويدّعي أنه يعرف الإمام المهدي (ع)  وسيدعو إليه إثناء قيامه الشريف إلا من اتصل بالإمام المهدي (ع) . ومن الأمور الجديدة التي يدعو إليها الإمام المهدي (ع) هي ولاية المهديين من ذريته  والتي ستكون ثقيلة وشديدة على العرب  كما كانت ولاية الأئمة (ع) ثقيلة وشديدة على العرب عندما أعلنها رسول الله (ص) وسيكون أثقل مافيها ولاية ووصاية أول المهديين من ذرية الإمام المهدي (ع)  كما كان أثقل ما أعلنه رسول الله (ص)  هو ولاية علي بن أبي طالب (ع) . سنّة الله ولن تجد لسنّة الله تحويلاً .

والآن فلنعود إلى ذكر ما حدث بعد منع الرسول (ص) من كتابة الوصية التي تتكفل بنجاة الأمة إلى يوم القيامة.

عن سليم بن قيس الهلالي قال :( سمعت سلمان يقول : سمعت علياً (ع) بعد ما قال ذلك الرجل (عمر) ما قال وغضب رسول الله (ص) ودفع الكتف : ألا نسأل رسول الله (ص) عن الذي كان أراد أن يكتبه في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان فسكت حتى إذا قام من في البيت وبقي علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وذهبنا نقوم وصاحبي أبو ذر والمقداد  قال لنا علي (ع) : إجلسوا . فأراد أن يسأل رسول الله (ص) ونحن نسمع  فابتدأه رسول الله (ع)  فقال : (( يا أخي  أما سمعت ما قال عدو الله  أتاني جبرئيل (ع) قبل فأخبرني أنه سامري هذه الأمة وأن صاحبه عجلها  وأن الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أمتي من بعدي فأمرني أن اكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه أدع لي بصحيفة . فأتى بها  فأملى عليه أسماء الأئمة الهداة من بعده رجلا ً رجلاً وعلي (ع) يخط بيده وقال رسول الله (ص) : إني أشهدكم أن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي على أمتي علي بن أبي طالب  ثم الحسن ثم الحسين ثم من بعدهم تسعة من ولد الحسين … ) كتاب سليم بن قيس 398 (تحقيق الأنصاري ) .       

وقد احتج الإمام علي (ع) بهذه الواقعة على طلحة واستشهد بأبي ذر والمقداد على ذلك :( عن سليم بن قيس الهلالي : قال الإمام علي (ع) لطلحة : ألست قد شهدت رسول الله (ص) حين دعا بالكتف ليكتب فيها مالا تضل الأمة ولا تختلف ، فقال صاحبك ما قال : ( إن نبي الله يهجر) فغضب رسول الله (ص) ثم تركها  قال : بلى قد شهدت ذلك . قال : فإنكم لما خرجتم اخبرني بذلك رسول الله (ص) بالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة  فأخبره جبرئيل : ( إن الله عز وجل قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة ) ثم دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاث رهط : سلمان وأبا ذر والمقداد  وسمى من يكون من  أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة . فسماني أولهم ثم إبني هذا ـ وأدنى بيده إلى الحسن ـ ثم الحسين ثم تسعة من ولد إبني هذا ـ يعني الحسين- كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد  فقاموا وقالوا : نشهد بذلك على رسول الله (ص) …)) كتاب سليم بن قيس 211 (تحقيق الأنصاري ) / غيبة النعماني 81 .   

فالرواية الأولى المروية عن سليم بن قيس الهلالي  لم تذكر ما أملاه رسول الله (ص) على علي بن أبي طالب نصاً ًفي الوصية إنما ذكرت إشهاد الرسول (ص) لسلمان وأبي ذر والمقـداد بقولـه : ( إني أشهدكم أن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي على أمتي علي بن أبي طالب  ثم الحسن ثم الحسين ثم من بعده تسعة من ولد الحسين … ) وهذا الكلام موجه إلى هؤلاء الثلاثة وليس نص ما أملاه الرسول (ص) على الإمام علي (ع) في الوصية وخطه الإمام علي (ع) بيده  بل هو من بعد ما أملى الرسول (ص) وعلي (ع) يكتب إلى أن تمت الوصية  التفت الرسول إلى الشهود الثلاثة وخاطبهم بهذا الكلام كما ذكر في الراوية ذلك . ثم إن الرسول (ص) عندما أبلغ الشهود الثلاثة وعدد لهم الأئمة إلى تسعة من ولد الحسين لم يخبرهم بأن الأئمة هؤلاء فقط  بل بقيت القضية مهملة ومفتوحة فمن الممكن أن يكون بعد هؤلاء أوصياء لم يذكرهم الرسول للشهود ولعدم ضرورة ذلك لأنه قد ذكرهم فيما أملاه على الإمام علي (ع) في الوصية . بل إنه (ص) قد أهمل تسمية التسعة من ذرية الحسين(ع)  ولم يذكر صفاتهم  ومن المعلوم أنه (ع) قد ذكر أسماءهم في الوصية واحدا ً واحدا ً.

إذن هذه الرواية لم تذكر لنا نص ما أملاه الرسول (ص) وما خطه الإمام (ع) من الوصية بل ذكرت الحادثة بصورة مجملة وبدون تفصيل  فأين يا ترى نجد الوصية وما عدده الرسول (ص) من أسماء الأوصياء بالكامل إلى يوم القيامة .

وكذلك الرواية الثانية التي نقلها سليم إبن قيس الهلالي لم تذكر نص ما أملاه رسول الله (ص) وخطه الإمام علي (ع) بيده من وصية الرسول (ص) بل اختصر الإمام علي (ع) على نفس ما أشهد الرسول (ع) عليه سلمان وأبا ذر والمقداد .

وقد تتبعنا الروايات التي تعدد أسماء الأئمة (ع)  أو التي تذكر وصية الرسول (ص) فلم نجد رواية تذكر نص ما أملاه رسول الله (ص) ليلة وفاته وما خطه الإمام علي (ع) بيده من وصية الرسول محمد (ع)، فاما أن تكون الرواية تتكلم عن كلام الرسول (ص) في مراحل حياته قبل ليلة الوفاة  وهذا غير الذي نريد معرفته  وهو ما أملاه الرسول (ص) في وصيته ليلة وفاته، واما أن تذكر الروايات الوصية بصورة مجملة  بدون ذكر نص الوصية  كما سمعناه في الروايتين عن سليم بن قيس الهلالي، واما أن تذكر الروايات كلام رسول الله (ص) في مرضه الذي توفى فيه ولكنه ليس الكلام الذي أودعه في الصحيفة  لعلي بن أبي طالب (ع)، انما هو كلام آخر  تكلم به الرسول (ص)  في مناسبات غير الوصية . وهذا أيضاً غير الذي نبتغيه من معرفة نص الوصية التي أملاها الرسول (ص) ووصفها بأنها نجاة للأمة إلى يوم القيامة. فلم نجد رواية واحدة  تذكر نص ما أملاه الرسول (ص)  في وصيته ليلة وفاته إلا رواية واحدة ذكرها زعيم الطائفة ورئيسها العالم النحرير العارف بالحديث والرجال المحقق الشيخ الطوسي  المتوفى سنة 460هـ  في كتابه ( الغيبة )  ويعتبر هذا الكتاب  من أضبط كتب الشيعة وأفضلها  كيف لا ومؤلفه لا يشق له غبار في علوم الحديث وطرقه وأسانيده  والرواية كما يلي :-

… عن أبي عبد الله جعفر بن محمد  عن أبيه الباقر عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين  عن أبيه الحسين الزكي الشهيد  عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام  قال : ( قال رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي (ع) يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة  فأملا رسول الله (ص) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال : يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً فأنت يا علي أول الأثني عشر إمام سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيّهم وميتهم وعلى نسائي فمن ثبتها لقيتني غداً ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة  وأنت خليفتي على أمتي من بعدي فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول  فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى إبني الحسين الشهيد الزكي المقتول فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي  فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الباقر  فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق  إذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم  فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا  فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الثقة التقي  فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح  فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل  فإذا  حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد  فذلك اثنا عشر إماما ً  ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا ً  فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى إبنه أول المقربين (المهديين) له ثلاثة أسامي أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد  والاسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين ) الغيبة الطوسي ص107-108 . مختصر بصائر الدرجات   39. بحار الأنوار 36 /260. مكاتيب الرسول 2 /95.

وهذا ما يشفي العليل ويروي الغليل وهو ما نبحث عنه من نص ما أملاه الرسول محمد(ص) ليلة وفاته وخطه علي بن أبي طالب (ع) بيمينه من تعداد أسماء الأئمة والأوصياء للرسول محمد (ص) إلى يوم القيامة.

وقد أكد الرسول (ع) على أن الوصية تكون عند الوفاة ـ كما قدمت ـ بقوله في وصيته عن كل إمام: فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه… وهكذا.

وصدق رسول الله (ص) عندما قال عن هذه الوصية : … أكتب لكم كتاباً ًلن تضلوا بعدي أبداً فهي عيّنت الأئمة والأوصياء إلى يوم القيامة فلم يترك رسول الله (ص) أحداً في أصلاب الرجال لم يرشده إلى حبله الذي يتمسك به والذي يوصله إلى الله تبارك وتعالى. وهذه الوصية  هي عهد رسول الله (ص) والتي يعرف بها كل إمام أو حجة  فمن لم يذكر فيها فلا يحق له ادعاء الإمامة  وشاء الله أن لا يدعيها أحد باطلاً لأنها قد أطلقها الرسول محمد (ص)  فلا تصيب إلا صاحبها (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى)  والحمد لله على ما هدانا .

………………………………………………………………………………………………………

( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 35 – السنة الثانية –  بتاريخ 22-3-2011 م – 16 ربيع الثاني 1432 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى