ستة أمور تقدمت مما يتوحد به المتعرضون على خلفاء الله في منهج اعتراضهم في كل مرة على خليفة من خلفاء الله في أرضه، واليكم المزيد.
السابع: ((دور الملأ مع سادة المعترضين)):
لو أعدنا قراءة آيات الذكر الحكيم التي تمثل أقوال وأفعال المعترضين على خلفاء الله نجد أنّ لـ(الملأ) دوراً بارزاً فيها، وقبل استعراض شواهد هذه النقطة من القرآن الكريم والتي يجتمع عليها المعترضون في منهجهم نريد أن نعرف من هم (الملأ) وماذا يقصد بهم؟
الملأ: هم من يحيط بالحاكم وصاحب القرار ومن بيده سلطة ما، وعليهم يعتمد ولهم يستشير، فهم أشبه ما يكون بالمستشار بعرف السياسيين اليوم، أو الحاشية بعرف المراجع، أو البلاط بعرف الممالك. وما يهمنا في التعرض لهم الوقوف على هذه الفئة من جهة حربها لخلفاء الله في أرضه لما يرسلون، ولهذا حرياً بنا أن نعرف أنّ من صفاتهم التي خصّها القرآن بالذكر:
- الإتراف: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...﴾، وحال المترفين كان دائماً هو الكفر بالرسل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ﴾ سبأ: 34.
- الكفر: والآية السابقة شاهد لذلك، وأيضاً: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾ المؤمنون: 24 – 25.
- التكبر: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾الأعراف: 75 – 76.
- الفسق: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾ الإسراء: 16، وقد اتضح في الآية الأولى أنّ المترفين من المعترضين هم الملأ، والعذاب يأتي نتيجة فسقهم هم، فساء صباح المنذرين الذين يترأسونهم بل دمروا تدميراً.
- الإفتاء: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ… يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُـرُونَ﴾ يوسف: 43.
- الاحتجاج بالباطل لصد الناس عن الإيمان: وهو ما سنراه بعد قليل عند استعراض بعض أقوالهم مع حجج الله.
وليس ما ذكر من صفات للملأ في كتاب الله هي صفات لبعضهم دون بعض، فانّ في مراجعة ما فعله الملأ على طول مسيرة بعث خلفاء الله وإرسالهم نجد أنّ الكفر والتكبر والإتراف والفسق والشهادة والإفتاء لصالح سادة الاعتراض هي سيرتهم التي لا تتبدل، ثم إنّ قولهم وموقفهم الذي يتكرر منهم عند بعثة كل خليفة الهي – مما سنقف على بعضه الآن – واحد أيضاً، وعليه فمجيء آية قرآنية تصف الملأ من قوم خليفة من خلفاء الله لا يعني أنّ الملأ عند بعث الخليفة الآخر منزهين وغير متصفين بما ذكر في أسلافهم، فإنهم قوم تشابهت قلوبهم ولا شاذ فيهم. نعم، قد يختلف ما يتحلون به من صفات واحدة منكرة من حيث الشدة والضعف حسب النكراء والشيطنة التي في الرؤوس والخبث الذي في الصدور، ولهذا كان ما يلاقيه القائم (ع) من قومه أشد مما لاقاه جده (ص) وكل حجج الله السابقين عليهم صلوات ربي أجمعين.
وهذا بعض ما قاله الملأ عند بعث رسل الله وهو يؤكد ما ألمحنا إليه من وحدة المنهج والصفات:
فقد كان لهم موقف عند بعث نوح (ع) ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ الأعراف: 60. ﴿فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ… قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ هود: 27، 32.
وكان من الملأ الموسومين بالكفر والإتراف والتكذيب والاحتجاج بالباطل أيضاً ما كان في موقفهم مع نبي بعث بعد نوح (ع) ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ * أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾ المؤمنون: 33 – 38.
ولهود (ع): ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ *… قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ الأعراف: 66، 70. وصالح (ع): ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ الأعراف: 75 – 76. وشعيب (ع): ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ *… وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾ الأعراف: 88، 90.
وكان من حالهم مع موسى (ع) عند بعثته ما ذكرته بعض الآيات الكريمة، فأولاً: استعان بهم فرعون في مواجهته لدعوة موسى (ع) وأعانوه فعلاً لما قدم لهم النصيحة عبر أمر لا نجد عليه معترض واحد منهم ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي… وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ﴾ القصص: 38 – 39، وبدأوا يصدون عن الحق ويلقون الحجج الباطلة لإبعاد الناس عن الإيمان ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ الأعراف: 109 – 110، بل استنهضوا همة مولاهم في القضاء على الحق ﴿وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ الأعراف: 127.
وواضح من أقوالهم التي نقل بعضها أنهم من أهل الجدل وأدعياء للعلم وأصحاب مكر وخداع، ولذا صار تقريبهم من الطاغية – أياً كان – هدف له لديمومة مشروعه ونفوذه والسعي لاتساع سلطته وإمبراطوريته، فتقديم المشورة مستمر قبل وأثناء وبعد أن يصدع خليفة الله بدعوته، سعي حثيث واقتراحات وفاءً منهم لما أغدقه عليهم ربهم الذي يعبدونه من دون الله، كيف وقد ميزهم عن امة عادة – وهي تعيش مخاض إرسال خليفة الهي حسب الفرض، والأرض لا تخلو من حجة كما هو معلوم – ما تئن من الفقر وفقدان أبسط سبل العيش الكريم والضياع بكل تفاصيله، فكان الترف نصيبهم من بين أمة انتشر فيها الفقر بشكل مطبق ولا أحد فيها يفكر بيتيم بل يسلب حقه، ولا بأرملة تعيل أيتاماً بل تساوم على عرضها.
وكما كان الترف واللعب بأموال الفقراء والمحرومين عطيتهم من ربهم المعبود من دون الله كان التحرر وعدم المسؤولية هبته إليهم أيضاً، وحقاً هم أحرار وإلا لاستحوا من الله، فلا حسيب للملأ ولا رقيب عليهم. وقد رأينا من الملأ اليوم سعيهم الحثيث في جمع الناس للاشتراك في الانتخابات (حاكمية الناس)، وفعلاً وصلوا إلى أقصى نقاط في العراق لتهيئة الناس وحثهم على الاشتراك، تلك المناطق التي ما فكروا أن يصلوها يوماً لإعانة فقير فيها أو المسح على رأس يتيم أو إيصال رواية أو آية تنفع الناس في سيرهم إلى ربهم ؟!
من يكابر وينكر هذا ؟! أحقاً ما أرويه لكم أم باطل ؟! اعرفوا هذا وانظروا حال الملأ وسادتهم فيما سبق وانظروا أفعالهم عند بعث حجج الله، عند بعث نوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وعلي وبنيه الطاهرين، بل عند بعث كل حجج الله صلوات الله عليهم أجمعين، ثم اعطفوا النظر على حال الملأ اليوم – سواء كانوا مستشارين لساسة، أو حواشي لاخرين – لتجمعوا القواسم المشتركة بين الخلف والسلف، ولا يسعكم بعد المقارنة إلا قول: هؤلاء اليوم كأولئك بالأمس. ولهذا كان فضح (الملأ) على رؤوس الأشهاد مما فعله خلفاء الله في أرضه عند إرسالهم؛ باعتباره طريقاً لتعرية الباطل وأهله وتسهيلاً لمهمة انتشار العدل والطهر بدل الجور والظلم الذي ساهموا في نشره، ولنا فيما فعله نبي الله عيسى (ع) شاهد شاخص مع الملأ من قومه المعترضين.
وإذا ما عرفنا حال الملأ عند بعثة كل خلفاء الله فيما مضى لا نستغرب ما يفعل اليوم مع وصي الإمام المهدي (ع) ورسوله إلى الناس، فإنّ ما بينه لنا الله سبحانه في كتابه من صفات نجده تماماً في الملأ اليوم، وأما أساليبهم في الاعتراض فهي الأخرى منطبقة تمام الانطباق إذا ما قورنت بما سبقها في حربهم لخلفاء الله في أرضه، حتى وصل الحال في أيامنا هذه أن يخير المعتقل المنتمي لأنصار الإمام المهدي بين أن يتبرأ من إيمانه وبين أن يُحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً، وهو يذكرنا بمشاهد مما فعله الملأ من قوم فرعون في اقتراحاتهم المقدمة لسيدهم للقضاء على خليفة الله موسى (ع) ومن آمن به.
ولكن الله سبحانه ينتصر لعباده المستضعفين، ويوم المظلوم على الظالم أشد وأقسى من يوم الظالم على المظلوم، ولم يكن العذاب – كما يرويه الطاهرون (ع) – لينزل بسادة المعترضين على القائم (ع) فقط، بل يشمل الملأ الذين وفّوا لهم، ولم يبق لأمة تسير إلى حيث لا تدري أن تلفت قبل فوات الأوان، والحمد لله رب العالمين.