زاوية الأبحاثزاوية الدعوة اليمانيةزاوية العقائد الدينية

المعترضون على خلفاء الله.. وحدة المنهج ((الحلقة الثانية))

كما هي سنة الله واحدة لا تتبدل أو تتحول مع حججه سبحانه في الألم والمعاناة التي لا تترك لهم ساعة من الراحة في الدنيا زيادة في الطهر في عالم لم ينظر الله إليه منذ أن خلقه، هي سنته واحدة أيضاً مع المنكرين فهي الأخرى لا تبديل فيها ولا تحويل، قال تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ الأحزاب: 62، وقال تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ الفتح: 23.

وعليه، ليس غريباً بعد هذا أن نرى وحدة منهجهم في صدّهم وإنكارهم لدعوات المرسلين، تلك الوحدة التي يمكننا بعد استشراف ما مرّ من آيات الذكر الحكيم أن نؤشر عليها في موارد عدة:

الأول: ((التكذيب والرفض بلا دليل)): لا اعتقد أننا بحاجة إلى البرهنة على وحدة المعترضين في هذه النقطة بعد ورود ما يؤكدها في آيات الذكر الحكيم ومع رسل الله طراً ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ…﴾ المؤمنون: 44، وقال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ق: 12 – 14.، وغيره الكثير.

والمكذّب في كل مرة هم سادة المعترضين وملئهم المحيط بهم، وأما الأتباع فهم لا يعقلون شيئاً، بل هم دوماً من أهل هذه الآية: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ الأحزاب: 67.، وهو ما ينبغي الالتفات إليه في كل ما يأتي من نقاط وحدة منهج المعترضين.

وهذه بعض الآيات الكريمات مما يشير إلى تكذيب المعترضين ورفضهم لحجج الله بلا دليل: فقد كذّب قوم نوح نبيهم (ع) المرسل إليهم من ربهم بلا دليل: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا...﴾ القمر: 9، وكذب قوم هود نبيهم (ع) فقالوا: ﴿… وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ الأعراف: 66، وكذب قوم صالح (ع): ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ القمر: 23، وقوم لوط (ع): ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾ القمر: 33، وقوم شعيب (ع) قالوا: ﴿وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ الشعراء: 186، وقوم موسى (ع): ﴿… وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ القصص: 38، وأما قوم إلياس (ع): ﴿فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ الصافات: 127، وقوم محمد (ص): ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ فاطر: 25.

ولو كانت الآية الأخيرة فقط لكفاها شاهداً على اتحاد المعترضين في تكذيب خلفاء الله في أرضه عند بعثهم، فقد أطلق الحق سبحانه على أقوام الأنبياء بأنهم كذبوا رسله سبحانه ممن سبق حبيبه ولم يستثن قوماً أبداً. وإذا ما نظرنا إلى تكذيبهم نجده تكذيباً لأجل التكذيب فقط وبلا حجة مقابلة للبينات التي يأتي بها خلفائه سبحانه. نعم، أحياناً يجعلون من الشك حجة لهم يعتذرون بها في تكذيبهم للرسل في حين أن الشك يبقى شكاً وليس بدليل والاستناد إليه في رفض الحجة كاستناد طالب الماء المشرف على الهلاك إلى سراب، نجد ذلك في آية تحكي حال قوم صالح: ﴿قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ هود: 62، وأخرى تحكي حال قوم رسول الله (ص): ﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي...﴾ ص: 8.

وليس لمنهج التشكيك اختصاص بالمعترضين من قوم صالح ورسول الله (ص) فقط، بل هو سنة المعترضين دوماً، قال تعالى يحكي حالهم: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ إبراهيم: 9.

وفي الحقيقة أنّ لجوء المعترضين إلى الشك يعني اعترافهم بحجة الرسل، فانّ التشكيك – كما هو معلوم – حيلة من لا يملك وسعاً لرد الحجة الملقاة عليه، ولهذا أجاب الإمام الرضا (ع) علماء اليهود والنصارى لما بيّن لهم وصف جده رسول الله (ص) واسمه في كتبهم فاقرّوا بالاسم والصفة ولكنهم شككوا في أن الموصوف هو جده، قال (ع): (احتججتم بالشك ؟! فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم إلى يومنا هذا نبياً اسمه محمد وتجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد ؟! فأحجموا عن جوابه..)إثبات الهداة: ج1 ص 195.

ولنا بعد هذا أن نتساءل من القوم اليوم: على أي أساس كذبتم السيد أحمد الحسن (ع) في دعوته لما جاءكم محتجاً عليكم بما جاء به الحجج أقوامهم كما بيناه في أكثر من موضع ؟! نعم، هو التكذيب والرفض بلا دليل وهي سنّة من تقدمكم من المعترضين. جدير ذكره أنّ علمه وحكمته وما احكمه من متشابه في عظائم الأمور بين أيديكم، وبياناته التي صدرت قبل سنين وهي موثقة قد وصلت من يدعون العلم من كباركم فما بالهم لا يردون عليها ويقابلوا حجية ما فيها بدليل يمتلكوه عبر قبول مناظرة دعاهم إليها مراراً، أو كتابة كتاب يناقشوا فيه أدلة الحق، ولكن هيهات أن تخطئ سنة الله أصحابها، فالمعترضون واحد في النهج والقول والفعل وان تعددت المسميات.

كما أنّ مقابلة حجة رسل الله وبيّناتهم بالسخرية والاستهزاء كما يفعله سادة المعترضين والملأ والأتباع اليوم ضد الدعوة اليمانية المباركة وقائدها وأنصاره وأدلة الحق، من شيم المعترضين أيضاً وهو ما نراه الان.

الثاني: ((السخرية والاستهزاء والتسفيه)): مع نقطة أخرى في منهج المعترضين على خلفاء الله يلتقي عندها كل من سوّلت له نفسه الوقوف أمام مشروع الهداية الإلهي والاعتراض على تنصيب الله حججاً وقادة لخلقه إلى الصراط المستقيم، ذاك هو الاستهزاء بالرسل عند إرسالهم والسخرية منهم وتسفيه أمرهم، قال تعالى: ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ الحجر: 6 – 11، وقال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ﴾ المطففين: 29 – 31، وقال: ﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ الصافات: 14.

وقال مخاطباً سيد رسله: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ الأنعام: 10، وهذه نماذج مما ذكره القران الكريم عن بعض حجج الله:

فقد استهزأ قوم نوح به: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ هود: 38، وكان لهود (ع) نصيب من تسفيه قومه له: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ..﴾ الأعراف: 66، 70، وبصورة الاتهام باللعب قالها قوم إبراهيم له: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾ الأنبياء: 55، ولما جاء موسى (ع) قومه بالآيات استقبلوه بالضحك رمزاً للاستهزاء والسخرية: ﴿فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ الزخرف: 47.

وكان لرسول الله (ص) النصيب الأكبر من استهزاء وسخرية المعترضين من قومه لعنهم الله: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً﴾ الفرقان: 41، ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ الأنبياء: 36.

فما رأوه إلا واستهزؤوا به وهو سيد المرسلين وحبيب الله، وكأنهم لم يسمعوا بالويل والعذاب المهين الذي أعده الله للمستهزئين ممن تقدمهم من أسلافهم المعترضين ومن يأتي من أولادهم، فالولد على سر أبيه ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ… وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ الجاثية: 6 – 8.

ولكنها سنة الله في حججه جميعاً، يقول سبحانه: ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ الأنبياء: 2.، وأي استهزاء بآيات الله وسخرية اكبر من أنها تتلى من قبل رسله والقوم يستمعون وهم يلعبون ؟!! جل حلمك على خلقك يا رب.

والانكى من ذلك إذا ما عرفنا أنّ من بين المستهزئين من يدعي العلم، فيستهزأ ورسل الله يتلون البينات: ﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ غافر: 83.، فتباركت يا رب لما وصفتهم – أي العلماء غير العاملين – بالحمار الذي يحمل أسفاراً أو بالكلب الذي يلهث إن حملت عليه أو تركته، وإلا عالم بماذا ذاك الذي يستهزئ وآيات الله وبيناته تتلى عليه !!

وللحديث بقية تأتي في حلقة قادمة بإذن الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 50/سنة 2 في 05/07/2011 – 3 شعبان1432هـ ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى