زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينية

المعترضون على خلفاء الله.. وحدة المنهج (( الحلقة الأولى ))

اقتضت إرادة الله سبحانه أن يكون له خليفة في أرضه، قال تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة)، فكان ادم (ع) الخليفة الأول الذي عينه الله وعلمه الأسماء كلها وأمر من كان مكلفاً آنذاك بطاعته، وجرت هذه السنة الإلهية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن من لا يروق لهم هذا النهج من خلقه المنكوسين أبوا إلا رفضه، فكان إبليس المعترض الأول على خليفة الله، وسار بعده الكثير على دربه المظلم، فاعترضوا على خلفاء الله، وهم رغم كثرتهم على طول المسيرة البشرية نراهم قد وحدهم المنهج المتبع في الاعتراض وهو ما تتكلفه حلقات هذا البحث بإذن الله.

وقبل استعراض المنهج كلمة..

لم يكن خلفاء الله سبحانه ليعدوا إرادة ربهم الذي أرسلهم ومشيئته في دعواتهم الإلهية، كيف وهم صلوات الله عليهم مظهر إرادته وباب معرفته والأدلّاء عليه. فأتوا أقوامهم كما أراد الله سبحانه أن يأتوهم وبالدليل الذي أذِن لهم في إبرازه محتجين، وله سبحانه ملبين وداعين.

قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ الرعد: 38. وقال: ﴿وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ إبراهيم: 11.

ولأنه رب رحيم بخلقه والأعلم بهم وبما يصلحهم وينقذهم في سوح الامتحان الذي لا مفر لمخلوق منه في هذا العالم، فقد خص خلفاءه المرسلين إلى خلقه بأمور يعرفون بها ويتفردون بالتحلي بها لما يباشروا دعوة خلقه إليه سبحانه، وهل يحتاج امرؤ يقرّ بعبوديته لله أن يجهد نفسه – أو يفكر حتى – باختراع القانون والميزان الذي به يريد التعرف على حجة الله؟!

كلا أبداً، فما عليه سوى سؤاله سبحانه عن قانونه في حججه ليمسكه بقلبه قبل يده ويبقى منتظراً مجيء من يتصف به ليلتحق بركب الساجدين القلة دوماً وينجو ببدنه الضعيف الذي لا يطيق ناراً في هذه الدنيا سجرها عبد مثله، فكيف بنار الآخرة التي سجرها خالقها لغضبه وسخطه على المعترضين على إرادته.

وقد تمت الإشارة إلى قانونه سبحانه في التعرف على حججه بنص الكتاب الكريم وعدله الطاهر، وهل بعد كلام الثقلين منهج معرفي لدى مؤمن بيوم الحساب، وهو بكلمة واحدة: النص والعلم وراية البيعة لله؟!

ولكن الناس أعمتهم (الأنا) عن كل ما يتصل بربهم، فبعد أخلاقه اصطنعوا أخلاقاً يتعاملون بها، وبعد حججه انتخبوا سادة لهم، وبعد دينه ابتدعوا المناهج والشرع، وبعد كتابه كتبوا دساتير لحياتهم، وهكذا في كل الأمور، وكان مما طلب عنه الخلق بدلاً قانونه سبحانه في معرفة خلفائه في أرضه، فبعد (النص والوصية، والعلم والحكمة، وراية البيعة لله) اختاروا لهم منهجهم الخاص الذي يريدون من خلاله الإيمان بحججه حسب زعمهم، فكان كل الذي قاله القران الكريم عن حال المعترضين، وهو حي يجري فينا مجرى الشمس والقمر ولا يموت بموت قوم نزل فيهم.

فإذا كان رسول الله (ص) قد جاء قومه بما أراده الله فكفروا به وطلبوا منه أن يفجر لهم من الأرض ينبوعاً أو تسقط عليهم السماء حجارة فلتنظر هذه الأمة إلى ما تطلبه من داعي الله وخليفته (أحمد الحسن) لما جاءهم محتجاً عليهم بما احتج به الأنبياء والأوصياء على أقوامهم لو كانوا يعقلون، وكانت الإجابة الكفر به وبما أتى به وطلب ما طلبه المعترضون من رسول الله ومن باقي حجج الله، فالبعض يريد منه أن يحول لحيته البيضاء سوداء أو أن يقطع عليه تيار البث المباشر في لقاء تلفزيوني لم يعرف المتحدث فيه – وهو مدع علم – سوى السب والشتم والسخرية وإلقاء التهم والرد بلا دليل، واترك تفاصيل ذلك لعرض المنهج ليرى من لديه ضمير شبه القوم بأسلافهم، كيف وسنة الله في المعترضين واحدة لا تتبدل وان اختلفت المسميات والادعاءات.

على كل حال، فقد بعث الله حججه إلى الخلق مبشرين ومنذرين، ورغم كل الذي جرى معهم من أقوامهم – فانّ بني إسرائيل وحدهم قتلوا سبعين نبياً في ساعة واحدة قبل طلوع الصبح، وبعدما طلعت الشمس ذهبوا إلى الأسواق وكأنهم لم يفعلوا شيئاً – ورغم كل ما لاقوه من تسقيط وتهم وجفاء وقتل وما لا يحيط به إلا الله عز وجل من ألم ومعاناة، كانت رسل الله تترا على الخلق رأفة من ربهم بهم.

قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾ المؤمنون: 44.

ولم يكن جواب حجج الله على الأذى إلا ﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ إبراهيم: 12.

فجاء حجج الله أقوامهم داعين إلى ربهم وحده لا شريك له، كما حكاه القران الكريم عن:

نوح (ع): ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾الأعراف: 159.

هود (ع): ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ الأعراف: 65.

صالح (ع): ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾ هود: 61.

إبراهيم (ع): ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ العنكبوت: 16 – 17.

لوط (ع): ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الشعراء: 161 – 163.

شعيب (ع): ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ﴾ هود: 84.

موسى (ع): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ إبراهيم: 5.

عيسى (ع): ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ الأعراف: 59.

إلياس (ع): ﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ الصافات: 123 – 126.

سيد المرسلين (ص): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سبأ: 28.

﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ الرعد: 30.

وهكذا باقي حجج الله أجمعين، فقد جاءوا أقوامهم داعين إلى الله سبحانه بالآيات والبينات التي أرسلهم بها، ولكن أبى الناس إلا كفراً وجحوداً وتكذيباً إلا القليل منهم، ولهذا قال الحق تعالى لحبيبه تسلية لقلبه الشريف: ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ الروم: 47.

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الروم: 47.

إنه إذن الاعتراض على خلفاء الله وحججه من قبل المنكرين، وبمنهج واحد كما يتضح في بالتفصيل في الحلقات القادمة، فإنّ سنة الله سبحانه فيهم واحدة كما نص هو سبحانه على ذلك.

وأخيراً: إنّ إدراك هذه الحقيقة – ولو وحدها – كافٍ في تمييز الحق عن الباطل، فانّ كل فقرة من فقرات منهج الاعتراض كافية في معرفة الحق وإن كان الحق في غنى عن كل ذلك، إذ كل آية من آياته حجة دامغة لطلاب الحقيقة، ولكن هو لمن أحب منهج (الأمور تعرف بأضدادها)، فإنّ معرفة منهج الباطل ووحدة المعترضين في أقوالهم قد يكون وسيلة لمعرفة الحق وأهله إذا ما سمع مَنْ يسير خلفهم أنهم يطلقون ما أطلقه المعترضون على حجج الله وأنصارهم من قبل، فتكون إفاقة له من سبات عميق قبل فوات الأوان، والله المستعان على ما يصف المعترضون، والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 49/سنة 2 في 28/06/2011- 29 رجب 1432هـ ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى