( عمر يمنع رسول الله (ص) من كتابة وصيته عند وفاته )
عندما حانت وفاة رسول الله (ص) واشتد المرض عليه واجتمع عليه أهل بيته والمسلمون أراد أن يكتب وصيته ويُعيّن خلفيته في آخر لحظاته وقد أكد (ص) على خلافة الإمام علي (ع) خلال حياته في عشرات المواقف ولكنه أراد أن يقيم الحجة على الأمة وأن لا يجعل لها عذراً تعتذر به وأن يسد أفواه المشككين والمرتابين الذين يُحرفون الكلم عن مواضعه .
فأمر بإحضار صحيفة ودواة ليكتب لهم كتاباً ( وصية ) لن يضلوا بعده أبداً ولكن كالعادة لابد من وجود معترض يعارض أمر الله ورسوله في تعيين الوصي فانبرى عمر بن الخطاب قائلاً : حسبنا كتاب الله ان محمداً يهجر – أي يهذي – وحاشاه من ذلك ، فقد نزهه الله من ذلك بقوله تعالى : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) وبقوله تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) .
عن أبان بن عثمان عن بعض أصحابه إن النبي (ص) قال في مرضه الذي قبض فيه : ( إئتوني بصحيفة ودواة لأكتب لكم كتابا ًلا تضلون بعدي فدعا العباس بصحيفة ودواة فقال بعض من حضر : إن النبي (ص) يهجر ثم أفاق النبي (ص) فقال له العباس : هذه صحيفة ودواة قد أتينا بها يا رسول الله فقال : بعدما قال قائلكم ما قال ثم أقبل عليهم وقال : احفظوني في أهل بيتي…) غاية المرام 6/99 .
ما رواه البخاري بإسناده عن عبد الله بن عباس قال: لما اشتد بالنبي مرضه الذي مات فيه قال: ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدى فقال عمر (….. ) : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله وكثر اللغط فقال النبي صلى الله عليه وآله قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع قال ابن عباس : الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين رسول الله ) المهذب للقاضي ابن البراج 1 / 12.
وعلق السيد ابن طاووس على هذه الحادثة قائلاً: (...واعترفوا ان الحاضرين ما قبلوا نص النبي صلى الله عليه وآله على هذا الكتاب الذي أراد أن يكتبه لئلا يضلوا بعده أبداً ومع كونهم ما قبلوا هذه السعادة التي هلك بإهمالها اثنان وسبعون فرقة ممن ضل عن الإيجاب وكان في قبولها اعظم النفع لجميع الأديان حتى قالوا في وجهه الشريف انه يهجر ونسبوه – وحاشاه – إلى الهذيان وقد نزهه من اصطفاه عما اقدموا عليه من البهتان فقال جل جلاله : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) اليقين للسيد ابن طاووس الحسني ص 522.
ونقل السيد ابن طاووس ،عن كتاب الحميدي فقال : ( قال الحميدي : فاختلف الحاضرون عند النبي (ص) فبعضهم يقول : القول ما قاله النبي فقربوا إليه كتابا يكتب لكم ومنهم من يقول : القول ما قاله عمر فلما اكثروا اللغط والاختلاط قال النبي (ص) : قوموا عني فلا ينبغي عندي التنازع فكان ابن عباس يبكى حتى تبل دموعه الحصى ويقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ! قال راوي الحديث فقلت : يابن عباس وما يوم الخميس فذكر عبد الله بن عباس يوم منع رسول الله (ص) من ذلك الكتاب وكان ابن عباس يقول : الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (ص) وبين كتابه . ( قال عبد المحمود ) مؤلف هذا الكتاب : لقد صدق ابن عباس عند كل عاقل مسلم والله لو لبس المسلمون السواد وأقاموا المآتم وبلغوا غاية الأحزان كان ذلك يسيراً لما أدخل عمر عليهم من المصيبات وأوقعهم فيه من الهلاك والضلال والشبهات . وليت شعري أي اختلال في هذا كلام نبيهم محمد (ص) حتى يقول عمر انه يهجر أو قد غلب عليه المرض أهكذا يجب أن يكون أدب الأمم مع الأنبياء أو هكذا يجب أن يكون أدب الرعية مع الملوك وأي ذنب كان لنبيهم عندهم وأي تقصير قصر في حقهم حتى يواجهه عمر عند وفاته ويجبهه في وجهه ويقول انه يهذي وأين هذا مما تضمنه كتابهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) ما هذا إلا بئس الامتثال من عمر لأمر ربه فلقد رفع صوته وجهر له أقبح مما يجهر بعضهم لبعض.ومن أعجب ذلك أنهم ذكروا إن كتابهم يتضمن وصف نبيهم بقوله (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) وخاصة مثل هذا الكتاب الذي أراد ان يكتبه لهم إنهم لا يضلون بعده أبدا فإن هذا لا يمكن ان يكون إلا بوحي وان كان هذا بوحي أفما يكون عمر قد نسب الهجر إلى ربه سوءة له من هذا الهجر القبيح والكفر الصريح وسوءة لمن هان عنده هذا … ) الطرائف للسيد ابن طاووس الحسني ص 432.
فالرسول (ص) أراد ان يحكم مستقبل الأمة ويمنع اختلاف العامة في الوصي في آخر لحظات حياته ولكن ثقل ذلك على الشيطان وجنده فلم يجد وسيلة لمنع ذلك إلا التشكيك في قول الرسول وإنه يتكلم بلا وعي من شدة مرضه (وحاشاه) وربما علم رسول الله (ص) إن هذا الإشكال سينطلي على عامة الناس فلذلك إمتنع عن كتابة الوصية للعامة وكتبها فيما بعد للخاصة كما سنذكر فيما بعد .
فقد خسرت الأمة خسارة عظيمة عندما مـُنع الرسول محمد (ص) من كتابة وصيته التي تتكفل بيان الوصي بعد رسول الله (ص) والأوصياء من بعده إلى يوم القيامة وبيان الفتن والمخرج منها وحينها لما وقع الخلاف بين المسلمين ولما أصبحوا طوائف وأحزاب يلعن بعضهم البعض الآخر . ولكن حكمة الله بالغة فقد قضى على هذه الأمة بالاختلاف بسبب عدم عزمها على مناصرة الحق وأهله ومخالفتها لوصايا الرسول (ص).
وأعلموا أن النجاة فيما سيكتب في الصحيفة والدواة كما سنذكره فقد عيّن الرسول (ص)أوصياءه بأسمائهم وصفاتهم إلى قيام الإمام المهدي (ع) وبعد قيامه (ع) حتى قيام الرجعة وهم (24) وصياً منهم إثنا عشر إماماً ثم إثنا عشر مهدياً من ذرية الإمام المهدي (ع) ولذلك قـال رسول الله (ص) : ( لن تضلوا بعدي أبدا) وذلك كما قلته مراراًً بسبب ذكر الأوصياء والحجج على الخلق إلى قيام الرجعة التي هي من مقدمات يوم القيامة كما سأبيّن ذلك إن شاء الله تعالى .
……………………………………………………………………………………………………..
( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 34 – السنة الثانية – بتاريخ 15-3-2011 م – 9 ربيع الثاني 1432 هـ.ق)