انطلاقا من قول الرسول محمد(ص): ( كلكم راعٍ وكلكم مسوؤل عن رعيته ) يجب على كل مؤمن أن لا يهمل رعيته بعد وفاته، فلا بد أن يرشدهم إلى مصالحهم الدنيوية والأخروية وأن يرفدهم بما تم تحصيله خلال مراحل حياته من عقائد وأخلاق وتجارب لتـُكمل الرعية مسيرة راعيها ولا تضطر الى أن تبدأ من الصفر وتجرب كل شيء من جديد فليس للانسان عمرين ، حتى يجرب بالأول وينجح بالثاني فلابد من الاستفادة من تجارب الماضين والاعتبار بأحوالهم ، وحث الله على ذلك بقوله : (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ…) .
والوصية أيضاً عند مراعاتها تمنع من الاختلاف والتناحر وتسهل على الرعية مهمتها في الحفاظ على الوحدة وصلاح العباد والبلاد.
والرعية تارة تكون العالم بأسره وتارة تكون دولة وتارة تكون عشيرة وتارة تكون أسرة صغيرة وتارة تكون نفس الأنسان ، فإمام العالَم لابد له قبل وفاته أن يُعيَّن خليفته ويرشد الأمة إلى مسارها الصحيح ويُعين لها عقبات الدهر التي قاساها خلال حياته ، ويُبين لهم سبل الخروج منها وتجاوزها. ورئيس الدولة كذلك لا بدله من تعيين خليفته وإرشاد دولته لما فيه صلاحها…. ورب الأسرة كذلك يجب عليه أن لا يهمل أفراد عائلته ، بدون وصية يرشدهم فيها الى فضائل الأخلاق والتمسك بالدين الحنيف ونصرة الحق وأهله وكذلك يرشدهم فيها إلى ما يصلح معاشهم وينظم أمرهم ويعطي لكل ذي حق حقه ،أضف إلى ذلك أن يوصي بما يتعلق بنفسه من واجبات وحقوق كقضاء ما في ذمته للناس من ديون ومظالم و…و…الخ .
لأنه سيفارق الدنيا وينقطع عمله فلابد من قيام غيره مقامه لإتمام ما نقص أو لإصلاح ما فسد من أمور دينه ودنياه.
ولأجل ذلك وغيره نجد التشدد في الحث على الوصية عند و قبل الموت ووردت أحاديث وروايات كثيرة تؤكد على ذلك ، منها :-
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) . وقوله تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ …..)
وقال الإمام الصادق (ع) بعد أن ذكر قول الرسول (ص) بوجوب الوصية عند الموت قال (ع) : ( وتصديق هذا في سورة مريم قول الله تبارك وتعالى { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } وهذا هو العهد ) بحار الأنوار 100 /200.
وقال الرسول (ص) لعلي (ع): ( تعلمها أنت وعلمها أهل بيتك وشيعتك. قال : وقال : علمنيها جبرائيل ) بحار الأنوار 100 /200.
وقوله تعالى ( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ* أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَه مُسْلِمُون ) البقرة (132ـ133).
وعن النبي محمد (ص): (من مات ولم يوصِ مات ميتة جاهلية) وقال (ص) : (الوصية حق على كل مسلم) وقال (ص) : (من مات ولم يوص فقد ختم عمله بمعصية) إثبات الهداة ج1ص143
وعن أبي الصباح عن أبي عبد الله (ع) قال : ( سألته عن الوصية ، فقال : هي حق على كل مسلم) إثبات الهداةج1ص99.
وعن الإمام علي (ع): ( الوصية تمام ما نقص من الزكاة ) نفس المصدر.
وعن الرسول (ص): ( من مات على وصية حسنة مات شهيداً ) البحار 100 / 200.
وعنه (ص) : ( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة فيحيف في وصيته فيختم له بعمل أهل النار وان الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بعمل أهل الجنة ثم قرأ { ومن يتعد حدود الله } وقال : { تلك حدود الله } ) البحار 100 / 200.
وغيرها الكثير من الروايات التي أكدت على ضرورة أن يوصي الإنسان عند موته وبينت كيفية الوصية وما يوصى به.
فالشرع الحنيف لم يهمل أمر الأسرة الصغيرة وأوجب على ربها أن يوصي بها قبل وفاته، بل جعل ترك الوصية مستلزماً لموت الإنسان على الجاهلية وتكون خاتمة أعماله معصية.
وهذا يشير إلى أهمية الوصية وانها زمام الدين والدنيا ، وانها سنّة من سنن الله تعالى في خلقه ولن تجد لسنّة الله تحويلاً ولن تجد لسنّة الله تبديلاً .
الوصية والإمامة :
بعد أن عرفنا بأن الوصية حق وواجب على كل مسلم وأن تاركها يموت ميتة جاهلية كما ورد في الروايات ، وان كل راعٍ لابد أن يوصي برعيته ويستخلف عليهم من يدير أمورهم ، ويرشدهم لما فيه صلاحهم دنيا وآخرة ، نأتي إلى الخلافة في الأرض ، فنبيّن أولاً كيف تم تعيين أول خليفة على وجه الأرض ، ثم نبيّن كيفية استمرار هذه الخلافة من شخص إلى آخر وبأي طريقة يكون تعيين الخليفة ؟
فعندما أراد الله تعالى إستخلاف آدم في الأرض لم يستشر أحداً ولم يوكل ذلك الاستخلاف لأحد لا إلى الملائكة ولا إلى غيرهم بل فرض ذلك على الملائكة فرضاً وأمرهم بالسجود لآدم (ع) ، فقال تعالى : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )البقرة الآية/30 . واعترض الملائكة على نحو الاستفهام على هذا الجعل فقالوا كما حكى الله تعالى عنهم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) البقرة الآية/30.
وقال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) الحجر (28ـ31)
وقد أقام الله تعالى الحجة على الملائكة وبيّن لهم السر في اختيار آدم (ع) لخلافة الأرض ، وانه أعلم منهم وأوسع فطرة ، وبعد ذلك تاب الملائكة من اعتراضهم على الله تعالى واستغفروا وأخذوا يطوفون بالبيت الحرام كفارة عن إعتراضهم على تنصيب الله تعالى .
إذن مسالة الخلافة والإمامة مسألة جعل وتعيين من قبل الله تعالى لا يشركه فيها أحد ولا يمكن الاعتراض عليها حتى على نحو الإستفهام وحتى من قبل الملائكة المقربين ، ولا يمكن أن تخضع الخلافة والإمامة لاستشارة الخلق أوانتخابهم وانها من الأمور الخاصة بالخالق تعالى ، لأنه خالق الخلق وهو أعرف بالمصلح والمفسد منهم فإذا عيّن أحداً للإمامة فلا يمكن أن يكون مفسداً قط ، لأنه علاّم الغيوب يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وأما الخلائق فيمكن أن يختاروا شخصاً ويعتقدوا أنه الأصلح ثم يتبيّن أنه الأفسد لعدم احاطتهم علماً بسرائر الناس وحقائقهم ، بل وقع الخطأ في الاختيار حتى من قبل الأنبياء (ع) ، فهذا نبي الله موسى (ع) اختار من قومه سبعين رجلاً لميقات ربه على أنهم أفضل قومه وأصلحهم ، ثم تبيّن أنهم الأفسد حيث سألوه رؤية الله جهرة وكذبوه فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ، وكذلك نبي الله موسى مع العبد الصالح عندما قتل الغلام فاعترض موسى (ع) ووصف الغلام بأنه نفس زكية ثم تبيّن أنه نفس كافرة خبيثة .
ونجد هذه الحقيقة واضحة وجلية في الروايـــة الآتيــــة :
(عن سعد بن عبد الله القمي في حديث طويل أنه سأل الإمام المهدي (ع) وهو غلام صغير في حياة أبيه الحسن العسكري (ع) فقال : اخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم ؟
قال (ع): مصلح أم مفسد ؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟ قلت : بلى ، قال : فهي العلّة التي أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك ، اخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم وأيدهم بالوحي والعصمة ، إذ هم أعلام الأمم وأهدى إلى الأختيار منهم ، مثل موسى وعيسى عليهما السلام هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالإختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن ؟ قلت : لا ، قال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله عز وجل : وأختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا ، إلى قوله : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ، فلما وجدنا اختيار من اصطفاه الله للنبوة واقعا ً على الأفسد دون الأصلح وهو يظن انه أصلح دون الأفسد علمنا ان لا اختيار إلا ممن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر وتنصرف عليه السرائر وان لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء (ع) على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الإصلاح ) إثبات الهداة ج1 ص115ـ116.
إذن الدليل عقلاً وشرعاً يمنع من اختيار الناس للإمام والخليفة في الأرض لجهلهم بالمصلح والمفسد حقيقة وانهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وإن الجعل والتنصيب للإمام خاص بالله تعالى العليم الخبير البصير.
وبعد ان نصب الله تعالى آدم عليه السلام خليفة في الأرض وقربت أيامه من النفاد وقرب رحيله إلى لقاء الله عز وجل أمره الله تعالى بأن تكون الخلافة بعده بالأختيار الإلهي أيضاً عن طريق الوصية بأن يوصي آدم في تنصيب من عينه الله تعالى لخلافة الأرض ، وكان المختار للخلافة في بداية الأمر هو هابيل (ع) ، ولم يسلم هذا التنصيب من الاعتراض أيضاً والمعترض يومئذٍ هو قابيل (لع) أخو هابيل (ع) ولكن اعتراضه هذه المرة على نحو الرفض لا على نحو الاستفهام .
عن أبي عبد الله (ع) قال : (…ثم أوحى الله إلى آدم أن يضع ميراث النبوة والعلم ويدفعه إلى هابيل ، ففعل ذلك فلما علم قابيل غضب وقال لأبيه : ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به ؟ فقال يا بني إن الأمر بيد الله وأن الله خصه بما فعلت فإن لم تصدقني فقربا قرباناً فأيكما قبل قربانه فهو أولى بالفضل وكان القربان في ذلك الوقت تـنزل النار فتأكله . وكان قابيل صاحب زرع فقرّب قمحا ً رديئاً وكان هابيل صاحب غنم فقرّب كبشاً سميناً فأكلت النار قربان هابيل فأتاه إبليس فقال : يا قابيل لو ولد لكما وكثر نسلكما افتخر نسله على نسلك بما خصه به أبوك ولقبول النار قربانه وتركها قربانك وإنك إن قتلته لم يجد أبوك بداً من أن يخصك بما دفعه إليه فوثب قابيل إلى هابيل فقتله … ) قصص الأنبياء 55 .
فأول من اعترض على تنصيب الله تعالى على وجه الأرض هو قابيل (لع) وظن أنه بيد الناس أي بيد آدم (ع) لا بيد الله سبحانه وعندما أخبره آدم (ع) بأن الاختيار لله لا لغيره أصَّر على معارضته إلى أن قتل أخاه هابيل (ع) فكانت أول جريمة على الأرض بسبب الخلافة والإمامة والمجرم هو قابيل المعترض على التنصيب الإلهي التابع لهواه ونفسه الأمّارة بالسوء . ثم بعد ذلك رزق الله تعالى آدم (ع) ولداً صالحاً وهو هبة الله (ع) الذي كانت إليه الوصية بعد آدم (ع).
عن أبي عبد الله (ع) قال : ( لما انقضت نبّوة آدم وانقطع أكله أوحى الله إليه : يا آدم انه قد انقضت نبوتك وانقطع أكلك فأنظر إلى ما عندك من العلم والايمان وميراث النبوة وآثار العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله فإني لن أدع الأرض بغير عالم يعرف به الدين ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد ما بين قبض النبي إلى ظهور النبي الآخر ) المحاسن 1 / 235 .
إذن فالوصية من الله تعالى ووصي النبي أو الإمام يعينه الله تعالى ولا دخل للنبي أو الإمام في ذلك إلا من باب التبليغ للناس ومن ذلك نعرف أيضاً بأن كل إمام مفترض الطاعة على الناس لابد أن يكون موصى به من قبل الله تعالى عن طريق أنبياءه ورسله عليهم السلام لأن الإمام والحجة لابد أن يكون معصوماً والمعصوم لا يعرفه إلا الله تعالى فلا يُعرف إلا بنص من الله تعالى.
إن الإمام علي بن الحسين (ع) قال : ( الإمام منّا لا يكون إلا معصوماً وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلا منصوصاً . فقيل له : يا ابن رسول الله فما معنى المعصوم ؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام وذلك قول الله عز وجل : (إنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) معاني الأخبار ص 132 .
وهذه هي عقيدة الشيعة الإمامية من الرسول محمد (ص) إلى يوم القيامة لا يقول بخلافها إلا من خرج من ولاية الله ودخل في ولاية الشيطان أعاذنا الله من ذلك.
وهاك اسمع أقوال بعض علماء الشيعة بهذا الخصوص :
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله ) في وصف الأئمة (ع) : ( … لا يضرهم قطع من قطعهم ولا إدبار من أدبر عنهم إذ كانوا من قبل الله منصوصاً عليهم على لسان نبي الله صلى الله عليه وآله ) كمال الدين وتمام النعمة ص 247.
وقال أيضاً : ( …دللنا على أن الإمام لا يكون إلا معصوماً وأرينا أنه إذا وجبت العصمة في الإمام لم يكن بد من أن ينص النبي صلى الله عليه واله عليه لأن العصمة ليست في ظاهر الخلقة فيعرفها الخلق بالمشاهدة فواجب أن ينص عليها علاّم الغيوب تبارك وتعالى على لسان نبيه صلى الله عليه واله وذلك لأن الإمام لا يكون إلا منصوصاً عليه . وقد صح لنا النص بما بيناه من الحجج وبما رويناه من الأخبار الصحيحة… ) معاني الأخبار ص 136.
وقال الشيخ الطوسي (ره): ( …أن يكون الإمام أعقل رعيته والمراد بالأعقل أجودهم رأياً أعلمهم بالسياسة. ويجب أن يكون على صورة غير منفرة ولا مشينة ولا يلزم أن يكون أحسن الناس وجهاً ويجب أن يكون منصوصاً عليه لما قدمناه من وجوب عصمته. ولما كانت العصمة لا تدرك حساً ولا مشاهدة ولا استدلالاً ولا تجربة ولا يعلمها إلا الله تعالى وجب أن ينص عليه ويبينه من غيره على لسان نبي… ) الاقتصاد ص193.
وقال الشريف الرضي (ره) : ( … لأنا نعلم ضرورة أن كل عالم من علماء الإمامية يذهب إلى أن الإمام يجب أن يكون معصوما منصوصا عليه … ) رسائل المرتضى 2 / 367.
وبعد أن ثبت أن الإمام والحجة على الخلق لابد أن يكون منصوصاً عليه بوصية النبي أو الإمام السابق نؤكد مرة أخرى على أن الوصية من الله تعالى وليس من نبي أو إمام وان النبي أو الإمام مجرد مبلّغ للوصية عن الله تعالى لا غير وإليك أيها القارئ بعض الروايات التي تدل على ذلك : عن أبي عبد الله (ع) قال: ( أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد ؟! لا والله ولكن عهد من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه) الكافي 1 /307.
وفي حديث طويل عن أبي عبد الله (ع) قال : ( إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود (ع) أن اتخذ وصياً من أهلك فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبياً إلا وله وصي من أهله وكان لداود (ع) أولاد عدة وفيهم غلام كانت أمه عند داود وكان لها محباً فدخل داود (ع) عليها حين أتاه الوحي فقال لها : إن الله عز وجل أوحى إلي يأمرني أن أتخذ وصياًً من أهلي فقالت له امرأته : فليكن ابني قال : ذلك أريد . وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنه سليمان، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى داود : أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري …) الكافي 1 / 307.
وعن أبي عبد الله (ع) قال: (ما مات عالم حتى يعلّمه الله عز وجل إلى من يوصي ) الكافي 1/ 307.
…………………………………………………………………………………………………………………
( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 29 – السنة الثانية – بتاريخ 8-2-2011 م – 4 ربيع الأول 1432 هـ.ق)