حتى لو صرفنا النظر عن كل ما ورد في العهد القديم من نصوص تؤكد بصورة لا تقبل الجدل أن اللّـه تعالى خالق الخلق هو إله واحد لا شريك له، ( فَاعْلمِ اليَوْمَ وَرَدِّدْ فِي قَلبِكَ أَنَّ اَلرَّبَّ هُوَ اَلإِلهُ فِي اَلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلى اَلأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. ليْسَ سِوَاهُ )([1]). ( إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: اَلرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ )([2])، أقول فإن في العهد الجديد من الإشارات والنصوص ما يمكننا أن نطمئن منها على أن المسيح(ع) لم يبدل شيئاً من تصور العهد القديم للّـه عز وجل: ( فأَجابَ يسوع: الوَصِيَّةُ الأُولى هيَ: اِسمَعْ يا إِسرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو الرَّبُّ الأَحَد )([3]).
فالمسيح في الحقيقة لم يكن سوى امتداد لأنبياء بني إسرائيل، فهو نبي مرسل من اللّـه تعالى. والنصوص في هذا الصدد من الكثرة بدرجة تثير استغراباً وتساؤلاً لا يجد الباحث جواباً له سوى القول بأن عدم التفات المسيحيين لهذه النصوص منشؤه أنهم لا يعتمدون على النصوص في تقرير العقائد، بل ينطلقون من عقيدة تم تقريرها بصورة غامضة ويعمدون إلى تأويل النصوص، وأحياناً كثيرة لَيَّها لتوافق العقيدة.
سأسطر الآن مجموعة من النصوص التي تخبرنا بأن عيسى(ع) مرسل من اللّـه تعالى، بعد تأطيرها بالسؤال التالي الذي أرجو أن يفكر كل مسيحي به : لماذا تم تجاهل كل هذه النصوص وغيرها من قبل لاهوتيي المسيحية ؟؟
( مَنْ قَبِلَ بِاسْمِي هَذَا الْوَلَدَ الصَّغِيرَ، فَقَدْ قَبِلَنِي؛ وَمَنْ قَبِلَنِي، يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي)([4]).
(لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني)([5]).
(لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل)([6]).
(من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني)([7]).
(من قبل واحدا من أولاد مثل هذا باسمي يقبلني ومن قبلني فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني)([8]).
(روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية)([9]).
(الذي يسمع منكم يسمع مني . والذي يرذلكم يرذلني . والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني)([10]).
(قال لهم يسوع طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله)([11]).
( 23لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب . من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله 24 الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة)([12]).
(أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا . كما أسمع أدين ودينونتي عادلة لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني)([13]).
(36 وأما أنا فلي شهادة أعظم من يوحنا . لأن الأعمال التي أعطاني الآب لأكملها هذه الأعمال بعينها التي أنا أعملها هي تشهد لي أن الآب قد أرسلني . 37 والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي . لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته)([14]).
( 39 وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئا بل أقيمه في اليوم الأخير . 40 لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير)([15]).
(لا يقدر أحد أن يقبل إلي إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني وأنا أقيمه في اليوم الأخير)([16]).
(كما أرسلني الآب الحي وأنا حي بالآب فمن يأكلني فهو يحيا بي)([17]).
(16 أجابهم يسوع وقال تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني . 17 إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من اللّـه أم أتكلم أنا من نفسي . 18 من يتكلم من نفسه يطلب مجد نفسه . وأما من يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق وليس فيه ظلم)([18]).
(28 فنادى يسوع وهو يعلم في الهيكل قائلا تعرفونني وتعرفون من أين أنا من نفسي لم آت بل الذي أرسلني هو حق الذي أنتم لستم تعرفونه . 29 أنا أعرفه لأني منه وهو أرسلني)([19]).
(فقال لهم يسوع أنا معكم زمانا يسيرا بعد ثم أمضي إلى الذي أرسلني)([20]).
(وإن كنت أنا أدين فدينونتي حق لأني لست وحدي بل أنا والآب الذي أرسلني)([21]).
(أنا هو الشاهد لنفسي ويشهد لي الآب الذي أرسلني) ([22]).
(إن لي أشياء كثيرة أتكلم وأحكم بها من نحوكم . لكن الذي أرسلني هو حق . وأنا ما سمعته منه فهذا أقوله للعالم)([23]).
(والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الآب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يرضيه)([24]).
(فقال لهم يسوع لو كان اللّـه أباكم لكنتم تحبونني لأني خرجت من قبل اللّـه وأتيت . لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلني)([25]).
(ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار . يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل)([26]).
(44 فنادى يسوع وقال . الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني . 45 والذي يراني يرى الذي أرسلني)([27]).
(لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم)([28]).
(الحق الحق أقول لكم الذي يقبل من أرسله يقبلني . والذي يقبلني يقبل الذي أرسلني)([29]).
(الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي . والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني)([30]).
( لكنهم إنما يفعلون بكم هذا كله من أجل اسمي لأنهم لا يعرفون الذي أرسلني)([31]).
( وأما الآن فأنا ماض إلى الذي أرسلني وليس أحد منكم يسألني أين تمضي)([32]).
( فقال لهم يسوع أيضا سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا) ([33]).
( وهذه هي الحياة الحقيقية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك . ويسوع المسيح الذي أرسلته )([34]).
( الكلام الذي اعطيتني قد اعطيتهم) و ( انا قد اعطيتهم كلامك)([35]).
ترى ما عسى تكون وظيفة الرسول غير إيصال الرسالة التي يحمله المرسل مسؤولية إيصالها؟
أعتقد هذا المقدار يكفي، وإن كان يوجد نصوص أخرى، ولكن الآن أود تقديم نصوص من العهد القديم تؤكد إن معنى إرسال اللّـه تعالى لعيسى(ع) هو نفسه معنى إرساله تعالى لموسى(ع)، بلا فرق:
( 9وَالآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضًا الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ، 10فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ. 11فَقَالَ مُوسَى ِللّـه: مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَحَتَّى أُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ؟ 12فَقَالَ: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَهذِهِ تَكُونُ لَكَ الْعَلاَمَةُ أَنِّي أَرْسَلْتُكَ: حِينَمَا تُخْرِجُ الشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، تَعْبُدُونَ اللّـه عَلَى هذَا الْجَبَلِ. 13فَقَالَ مُوسَى ِللّـه: هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟ 14فَقَالَ اللّـه لِمُوسَى: أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ. وَقَالَ: هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ.
15وَقَالَ اللّـه أَيْضًا لِمُوسَى: هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: يَهْوَهْ إِلهُ آبَائِكُمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. هذَا اسْمِي إِلَى الأَبَدِ وَهذَا ذِكْرِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ )([36]).
وأخيراً أود أن أضع هذه النصوص أمام القارئ، وبرأيي إنها كفيلة بإقناعه بأن معاصري عيسى وتلامذته أيضاً كانوا ينظرون له على أنه نبي كسائر أنبياء بني إسرائيل:
(13وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً، اسْمُهَا (عِمْوَاسُ). 14وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هذِهِ الْحَوَادِثِ. 15وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. 16وَلكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ. 17فَقَالَ لَهُمَا: مَا هذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟ 18فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، الَّذِي اسْمُهُ كَِلْيُوبَاسُ وَقَالَ لَهُ: هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ؟ 19فَقَالَ لَهُمَا: وَمَا هِيَ؟ فَقَالاَ: الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي كَانَ إِنْسَانًا نَبِيًّا مُقْتَدِرًا فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللّـه وَجَمِيعِ الشَّعْبِ )([37]).
هذان شخصان من أتباع عيسى(ع) والمؤمنين به يقولان عنه إنه نبي، علماً إن هذه الحادثة جرت بعد الصلب، فأين الكلام عن الإلوهية المطلقة والتثليث المزعوم؟ بطبيعة الحال لم يثقفهم عيسى عنها أبداً، وإنما ابتدعت في زمن لاحق.
(54وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا:«مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ 55أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ 56أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ كُلُّهَا؟» 57فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ:«لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ». 58وَلَمْ يَصْنَعْ هُنَاكَ قُوَّاتٍ كَثِيرَةً لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ )([38]).
(4فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَقْرِبَائِهِ وَفِي بَيْتِهِ )([39]).
بالتأكيد من يسمع كلام عيسى هذا يفهم أنه يقول عن نفسه إنه نبي لا إلهاً مطلقاً. للبحث بقية ستأتي بعونه تعالى.
([1]) تثنية: 4-39
([2]) ثنية: 6-4
([3]) مرقس:12-29.
([4]) لوقا:9 – 48.
([5]) يوحنا:6- 38.
([6]) متى:5 -17.
([7]) متى:10 -40.
([8]) مرقس:9- 37.
([9]) لوقا:4- 18.
([10]) لوقا:10- 16.
([11])يوحنا:4- 34.
([12]) يوحنا: 5.
([13]) يوحنا:5- 30.
([14]) يوحنا: 5.
([15]) يوحنا:6.
([16]) يوحنا:6- 44.
([17]) يوحنا:6- 57.
([18]) يوحنا:7.
([19]) يوحنا:7.
([20]) يوحنا:7- 33.
([21]) يوحنا:8- 16.
([22]) يوحنا:8- 18.
([23]) يوحنا:8- 26.
([24]) يوحنا:8- 29.
([25]) يوحنا:8- 42.
([26]) يوحنا:9- 4.
([27]) يوحنا:12.
([28]) يوحنا:12- 49.
([29]) يوحنا:13- 20.
([30]) يوحنا:14- 24.
([31]) يوحنا:15- 21.
([32]) يوحنا:16: 5.
([33]) يوحنا:20: 21.
([34]) يوحنا: 17.
([35]) يوحنا:17: 8، 14.
([36]) خروج:3.
([37]) لوقا:24.
([38]) متى:13.
([39]) مرقس:6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 16/سنة 2 في 09/11/2010 – 3 ذو الحجة 1431هـ ق)