زاوية العقائد الدينيةعقائد السنةعقائد الشيعة

آية أولي الأمر الحلقة الثانية

تفسير الآية في ظلال الروايات:

 هناك روايات متعددة في دائرة تعيين المعصوم المراد من الآية ﴿اطيعوا اللـه…﴾، وأهمها حديث الثقلين.

 وطبقاً لما ورد في هذا الحديث فإنّ النبي الأكرم (صلى اللـه عليه وآله) صرّح للمسلمين في أواخر عمره الشريف وقال :( إنّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثِّقْلَيْنِ ما إنّ تَمَسَّكْتُمْ بِهِما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي… كِتابَ اللـه… وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي).

ومعنى هذا الحديث أن القرآن الكريم مصون من الخطأ والإشتباه، ولذلك فإنّ الشخص الذي يتحرك في خط القرآن فإنّه مصون من الوقوع في الخطأ أيضاً، إذن فلابد أن يكون أهل البيت معصومين أيضاً من الخطأ والإشتباه كيما يصحّ التمسّك بهم ويكون التحرّك في خطّهم مصوناً من الوقوع في أشكال الزلل والزيغ وإلاّ فلا معنى أن يكون أهل البيت غير معصومين والشخص الذي يسير في خطّهم ويتبعهم يكون مصوناً من الوقوع في الخطأ.

 إذن فطبقاً لهذه الرواية فإنّ أهل البيت معصومون، وكما تقدّم في شرح الآية الشريفة ﴿اطيعوا اللـه…﴾ يجب أن يكون هذا الفرد المعصوم معيّن من قبل اللـه تعالى،وهذا يعني أن الأئمّة المعصومين معيّنون ومنتخبون بأفرادهم من قبل اللـه تعالى.

يروي الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودّة الصفحة 116 عن بعضهم: سمعت عليّاً صلوات اللـه عليه يقول : وأتاه رجل فقال : أرني أدنى ما يكون به العبد مؤمناً وأدنى ما يكون به العبد كافراً وأدنى ما يكون به العبد ضالاً، فقال له : قد سألت فافهم الجواب : أما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أن يعرفه اللـه تبارك وتعالى نفسه فيقر له بالطاعة ويعرفه نبيه (صلى اللـه عليه وآله) فيقر له بالطاعة ويعرفه إمامه وحجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة.... قلت يا أميرالمؤمنين : صفهم لي، قال : الذين قرنهم اللـه تعالى بنفسه وبنبيه، فقال : يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللـه وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم، فقلت له جعلني اللـه فداك أوضح لي. فقال : الذين قال رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) في مواضع وفي آخر خطبة يوم قبضه اللـه عزّوجلّ إليه:﴿ إنّي تَرَكُتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلّوا بَعْدِي إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِما كِتابَ اللـه عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتي ﴾. فنرى في هذه الرواية الرابطة التفسيرية بين حديث الثقلين واُولي الأمر.

و ينقل أبوبكر المؤمن الشيرازي عن ابن عبّاس قوله : إن هذه الآية (آية الإطاعة) نزلت في علي (عليه السلام) حيث خلفه رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) في المدينة (في غزوة تبوك) فقال يا رسول اللـه : أتخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال رسول اللـه (ص) : أَما تَرْضى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزَلَةِ هارُونَ مِنْ مُوسى، حِينَ قالَ : اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ، فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَاُولُوا الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ يعني أن الآية الشريفة ناظرة إلى عملك وسعيك وأنت مصداق اُولي الأمر.

 والنتيجة هي أن الآية الشريفة مع قطع النظر عن الروايات تدلُّ على أن اُولي الأمر يجب أن يتحدد بمصداق معيّن ومعصوم ومنصوب من قبل اللـه تعالى، وكذلك يفهم من خلال الروايات الشريفة أن المراد هو فرد معيّن ومنصوب بالنصب الإلهي، وهم الأئمّة الاثنا عشر، أي الإمام عليّ وأحد عشر من ذرّيته وأبنائه الطاهرين.

 شبهات وردود:

 الإشكال الأوّل: إذا كان الإمام عليّ (عليه السلام) هو مصداق اُولي الأمر كما يقول الشيعة إذن فلماذا لم تكن إطاعته واجبة في زمان حياة رسول اللـه (ص) في حين أن الآية الشريفة تقرر وجوب إطاعة اُولوا الأمر كما هو الحال في وجوب إطاعة اللـه ورسوله ؟

 وبعبارة اُخرى أن الإمام عليّ (عليه السلام) كان في عصر النبي مأموراً أيضاً ولم يكن آمراً وقائداً تجب إطاعته على المسلمين، وعليه فإنّ التفسير المذكور للآية لا ينسجم مع وجوب الإطاعة الفعلي لاُولي الأمر.

 الجواب : ويمكن الجواب عن هذا السؤال بنحوين :

1– لابدّ في البداية من معرفة المراد من «الرسول» و «اُولوا الأمر»، فلو فهمنا الفرق بين هاتين الكلمتين سيتضح لنا الجواب على السؤال أعلاه، «الرسول» هو الشخص المرسل من قبل اللـه تعالى لبيان أحكامه وإبلاغ دينه وإنذار الناس، أي أنه مضافاً إلى «النبوّة» وتبليغ الأحكام فإنه مرسل لإنذار الناس من العذاب الإلهي وببيان أوضح أن الرسول هو الشخص المأمور لبيان الأحكام وتبليغ الرسالة.

 وأمّا اُولوا الأمر فلا يتحملون مسؤولية التقرير والتشريع بل مسؤولية حراسة هذا القانون وتجسيده على مستوى الواقع الإجتماعي، وبعبارة أوضح يمكن القول أن النبي يمكن تشبيهه بالمشرّع والمقنن، بينما «اُولوا الأمر» هم القائمون على تنفيذ وإجراء هذه القوانين.

 ومع الإلتفات إلى هذا البيان فإنّ المقنن في زمن الرسول هو النبي الأكرم (صلى اللـه عليه وآله)وكذلك كان النبي الأكرم مسؤولاً عن تنفيذ القانون وإجرائه في الوسط الإجتماعي، وعلى هذا الأساس ففي زمن حياة الرسول الأكرم (صلى اللـه عليه وآله) كان (صلى اللـه عليه وآله)رسولاً وفي نفس الوقت «ولي الأمر» أيضاً كما في مورد النبي إبراهيم (عليه السلام) أيضاً حيث يقرر القرآن الكريم هذه الحقيقة وهو أنه قد نال مقام الإمامة مضافاً إلى مقام النبوّة، أي أنه مضافاً إلى مرتبة التشريع والتقنين نال مرتبة مسؤولية إجراء القانون، إذن فمقام الرسالة هو مقام التقنين، ومقام الإمامة واُولوا الأمر هو مقام إجراء القانون، وفي زمن حياة النبي (صلى اللـه عليه وآله) كان النبي رسولاً و ولي الأمر ولكن بعد رحلت النبي (صلى اللـه عليه وآله) فإنّ الشخص المعصوم المنصوب من قبل اللـه تعالى ورسوله هو المعني بـ «اُولي الأمر» ولم يكن ذلك إلاّ الإمام علي (عليه السلام) ومن بعده سائر الأئمّة المعصومين واحداً بعد الآخر، لأنه لم يرد إدعاء النصب الإلهي لهذا المقام إلاّ للإمام علي وذريته الطاهرين.

 والنتيجة هو أن ادّعاء فعلية الإطاعة لا يضر بتطبيق كلمة «اُولوا الأمر» على الإمام علي (عليه السلام) بعد رحلة الرسول (صلى اللـه عليه وآله) وعلى أبنائه الطاهرين بعد رحلة الإمام علي (عليه السلام)كما هو المستفاد من الأحاديث الشريفة.

2 –   أما الجواب الآخر فهو أن الإمام علي (عليه السلام) كان في حياة النبي (صلى اللـه عليه وآله) أيضاً من اُولي الأمر، وعلى الأقل في فترة معيّنة من حياته الشريفة، وذلك عندما توجه النبي الأكرم (صلى اللـه عليه وآله)إلى غزوة تبوك وأبقى الإمام علي (عليه السلام) على المدينة بعنوان خليفته. ولتوضيح المطلب أكثر لابدّ من إلقاء بعض الضوء على واقعة تبوك، كما سيأتي في حلقة لاحقة.

………………………………………………………………………………………………………………………….

( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 15 – السنة الثانية – بتاريخ 2-11-2010 م – 25 ذو القعدة 1431 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى