عندما نمر بالتاريخ ونتصفح سجله ومواقف المؤثرين فيه تكون لنا وقفات معهم ومع ما تركوه في سجلهم الباقي ين أيدينا من ايجابيات وسلبيات، وبنظرة على الماضي القريب وما مر به العراق في ثورة العشرين، فإن أحفاد العراقيين أبناء اليوم يتطاولون بالتباهي بمواقف أجدادهم من المحتل البريطاني، رغم عدم التكافؤ في العدة والعدد وكذلك في الإعداد والاستعداد، حتى إن العراقيين بطوائفهم المختلفة يتحايلون على بعضهم لينسبوا لأنفسهم فعل غيرهم من مآثر ثورة العشرين لما في فعل الأجداد من الفخر والبطولة التي يعتز بها الإنسان العراقي، لأنها أعادة له مجده وثبتت قدمه في جهاد الأعداء طاعة لله ولرسوله الكريم صلوات الله عليه واله.
رغم إن المواقف السياسية في حينه لم تكن لترتقي للموقف الشعبي ولموقف رجال الدين من الطوائف المختلفة، إلى إننا ننظر إلى إجمالي ردة فعل الشارع ومن كان له التأثير فيه. من جانب آخر فإن الشارع يرى في رجال الدين الأثر الأكبر في توجيه الناس وقيادتهم في المواقف المماثلة، وبالفعل كانت استجابة الشارع على مستوى النداء الذي تبنّاه رجال الدين في مواجهة المحتل البريطاني، مما ولد فينا الاعتزاز بمواقف الأجداد لانتصارهم للإسلام وجهادهم أعداء الله والوطن والدين.
ورغم إن الموقف حاليا لا يختلف عما واجهه البلد في زمن الاحتلال في ثورة العشرين، ورغم إن المتصدين لقيادة الشارع وتوجيه الناس هم رجال الدين وبصورة اكبر مما كان الموقف آنذاك، إلى إن الذين احترفوا الدين في يومنا هذا هم ابعد ما يكون عن الدين، رغم وضوح الموقف، ورغم إن الأمر من البديهيات الإسلامية، فالجهاد الدفاعي في موقف كهذا لا يقبل الشك والتأويل.
الغريب في الأمر إن رجال الدين الذين تحجروا في ظلمات السراديب كان لهم موقف مختلف من المحتل أيام الطاغية صنيعة البغايا (هــــدام)، إذ إنهم أفتوا في حينه بوجوب جهاد الكافرين من قوات التحالف الذين جاءوا من أقصى الأرض لاحتلال ارض المسلمين، واستندت الفتوى لديهم بعدم إعانة الكافر ضد الحاكم المسلم الظالم عندما كان الطاغية (هـــدام) هو الحاكم، ثم عادوا وعطلوا الجهاد الدفاعي بعد أن أصبح المحتل هو الآمر الناهي والمتسلط على أمور المسلمين ظلماً وعدواناً.
إن مراجعة سجل المرجعية ألشيعية الحالية وموقفها من الاحتلال، وما قامت به من الدعوة للعمل مع المحتل الكافر بحجة مصلحة الوطن وحاجة الأمة لقوى الاحتلال يجعل من المستحمرين من إتباع هذه الطغمة من رجال الدين، أذناب للمحتل كما هي المرجعية في عملها بين يدي أعداء الله محتلي ارض الأنبياء والمرسلين. وهكذا تتلون المرجعية الدينية في موقفها من المحتل، فإذا كان الموقف الأول من جهاد المحتل في زمن الطاغية نابع من أساسيات ألإسلام في الجهاد الدفاعي، فلماذا تبدل الموقف ألان والإسلام هو الإسلام، وحكم الجهاد الدفاعي من العدو الكافر هو هو. إن الذي سبب التغير في الموقفين هو نظرة رجال الدين لمنافعهم الدنيوية، ومحاباتهم لصاحب السلطة والنفوذ في كل حين. حتى وصل بهم الأمر إلى رفع موضوع الجهاد من رسائلهم العملية التي يعتاشون من وراءها.
ويضاف لمواقف تجار الدين وجامعي أموال الخمس مواقف السياسيين الفاسدين الذين وصلوا للسلطة على خلفية كونهم معارضة لنظام الطاغية، ولا يخفي إن شعارات المعارضة كانت تتمحور حول حرية الإنسان العراقي وتحريره من ظلم الطاغية وزمرته الفاسدة، وكونهم من محبي الدنيا والمتعلقين بملذاتها، فلم نرى إنهم كانوا ينتمون لله في فعلهم ضد الطاغية صنيعة البغايا، بل التجئوا إلى من هو من طينتهم والطيور على أشكالها تقع، وكانت النتيجة إن معارضة الفنادق لم تجلب للعراق غير البؤس والشقاء والعبودية للمحتل الكافر بعد أن كانت عبودية للظالم المفسد، لقد أعانوا عدو الله أمريكا على عدو الله (هــــدام) واستبدلوا ظالما بظالم والفرق إنهم قد أسسوا لأنفسهم بذلك زعامة سياسية ونفوذ سلطوي يرضي غرورهم ونزوعهم نحو الجاه والمال والسلطان.
إن سياسيي اليوم في بلد الاحتلال ومعهم تجار الدين ومنافقي الفتاوى المتلونة، قد كتبوا في صفحات تاريخهم العار والذل والاستسلام للمحتل الكافر، وسودوا صفحات وجودهم أمام الله سبحانه وتعالى بانحرافهم عن الدين الحنيف والسير خلف وليهم أمريكا الظالمة.
ماذا سنكتب في صفحات التاريخ في فعلكم وسوء انتسابكم لله والوطن والأرض التي أنجبتكم، ماذا سنقول لأحفادنا بحقكم وما اجترحتموه من أفعال سوء وغدر ومكر ضد أبناء العراق، وكيف سنبرر مواقفكم المخزية واستسلامكم المهين للعدو المحتل للوطن، هل لكم أن تتخيلوا كتاب التاريخ بعد خمسين أو مئة عام عندما يمر على فعلكم في فصل التاريخ المعاصر وكيف سينظر أحفاد العراقيين لأجدادهم الذين هم انتم. كيف سيقارن الأحفاد فعلكم بما مر به البلد من تجربة في ثورة العشرين،
لابد إن أحفادنا سيكونون في موقف لا يحسدون عليه، ولابد إن الألم والحسرة تعتصرهم على فعل أجدادهم الفاسدين المفسدين الذين هم انتم.
ولكن لا عليكم فسيكون للأحفاد متنفس كلما مروا على قبوركم، سيلعنون يومكم وفعلكم وما كتبتم فيه وما سكتم عنه، سيلعنون الفنادق التي جمعتكم والصحف التي بشرت بكم والدول التي جعلت منكم حقيقة بعد أن كنتم سرب من الخونة الفاشلين من أعداء الله والإنسانية، وسيبرؤون إلى الله من فعل أجدادهم من إفساد في الأرض وخضوع واستسلام للمحتل الكافر، وسيكون فصل في كتاب التاريخ فيكم عنوانه الأيام السود وصناع الظلام. واطمئنوا ولا تأسوا كثير على ما سيعانيه أحفادكم لان لهم متنفس آخر في قبوركم، فهم وفي كل مرة سيمرون على شواهدكم سيبصقون على باقي جيفتكم في القبر الذي حوى أجسادكم العفنة، وسيقرئون من القرآن آيات البراءة منكم ومن فعلكم، لعنة الله عليكم اجمعين.
صادق الحسيني