زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينيةعقائد أهل الكتاب

أمة الملكوت القادم بحسب تبشير الكتاب المقدس (العهد والبركة لإسماعيل القسم الأول)

 أمة الملكوت القادم بحسب تبشير الكتاب المقدس بينا في مقالات و بحوث سابقة أن الكتاب المقدس قد بشر بالملكوت القادم، وسنحاول فيما يلي من بحوث استيضاح هذه البشارة وتحديد ما تعنيه من خلال عناوين كثيرة:

العهد والبركة لإسماعيل

القسم الأول

جاء في سفر التكوين: ( 1 وقال الرب لإبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك . 2 فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك . وتكون بركة . 3 وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه . وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض )([1]).

في هذا النص يبارك الرب إبراهيم ( إبرام ) u، ويجعله أمة عظيمة، وتتبارك فيه جميع قبائل الأرض، فهل تختص هذه البركة بإسحق دون إسماعيل أم تشمل الاثنين معاً، وبعبارة أكثر دقة وأكثر ملائمة لطبيعة هذا البحث، هل تشمل البركة إسماعيلu، أم لا ؟

يجب أن نلاحظ أن اللّـه عز وجل قد بارك إبراهيم هذه البركة قبل أن تكون له ذرية، والبركة كما هو واضح تتمثل بتكثير إبراهيم وجعله أمة عظيمة تتبارك فيها جميع قبائل الأرض. وحيث إن إسماعيل هو الابن البكر لإبراهيم فمن المؤكد الذي لا يجادل فيه غير معاند أن يكون مشمولاً بهذه البركة، إن لم نقل إنه هو المتبادر إلى الذهن منها بوصفة الابن البكر كما سلف القول.

وتوجد في أعمال الرسل شهادة على ما نقول هنا: (1فَقَالَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ: أَتُرَى هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا هِيَ؟ 2فَقَالَ: أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ وَالآبَاءُ، اسْمَعُوا! ظَهَرَ إِلهُ الْمَجْدِ لأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ فِي مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، قَبْلَمَا سَكَنَ فِي حَارَانَ 3وَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ، وَهَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 4فَخَرَجَ حِينَئِذٍ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَسَكَنَ فِي حَارَانَ. وَمِنْ هُنَاكَ نَقَلَهُ، بَعْدَ مَا مَاتَ أَبُوهُ، إِلَى هذِهِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمُ الآنَ سَاكِنُونَ فِيهَا. 5وَلَمْ يُعْطِهِ فِيهَا مِيرَاثًا وَلاَ وَطْأَةَ قَدَمٍ، وَلكِنْ وَعَدَ أَنْ يُعْطِيَهَا مُلْكًا لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدُ وَلَدٌ )([2]).

وقد تأكدت البركة لإبراهيم بعد فترة فكلمه اللّـه تعالى من خلال الرؤيا: (1بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى أَبْرَامَ فِي الرُّؤْيَا قَائِلاً: لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدًّا. 2فَقَالَ أَبْرَامُ: أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، مَاذَا تُعْطِينِي وَأَنَا مَاضٍ عَقِيمًا، وَمَالِكُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟ 3وَقَالَ أَبْرَامُ أَيْضًا: إِنَّكَ لَمْ تُعْطِنِي نَسْلاً، وَهُوَذَا ابْنُ بَيْتِي وَارِثٌ لِي. 4فَإِذَا كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ قَائِلاً: لاَ يَرِثُكَ هذَا، بَلِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ هُوَ يَرِثُكَ. 5ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجٍ وَقَالَ: انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَعُدَّ النُّجُومَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعُدَّهَا. وَقَالَ لَهُ: هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ. 6فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسِبَهُ لَهُ بِرًّا. 7وَقَالَ لَهُ: أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيَكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا )([3]).

وهنا أيضاً لم تكن لإبراهيم ذرية، وكان إبراهيم يخشى أن يكون وارثه أليعازر الدمشقي، فجاءه كلام الرب: (لاَ يَرِثُكَ هذَا، بَلِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ هُوَ يَرِثُكَ). فمن عسى أن يكون هذا الذي يخرج من أحشائه غير إسماعيل ولده البكر ؟

إن صرف الأمر عن إسماعيل عناد واضح لا يستسيغه عقل سليم على الإطلاق. نعم كان يمكن أن يقال بهذا لو أن ثمة نص يجرد إسماعيل من هذه البركة، ومثل هذا النص غير موجود، وإن حاولت يد التلاعب بالنصوص أن تجده.

وحتى بعد أن بلغ إبراهيم سن التاسعة والتسعين، فإن البركة التي تجددت لم تستثن إسماعيل، بل هي أظهر فيه من أخيه إسحق الذي لم يكن قد ولد بعد.

بطبيعة الحال لا أريد أن يفهم كلامي هذا إني أقول مثلاً إنه لا بركة لإسحق، بل كل ما أحاول إثباته إن البركة كما تشمل إسحق تشمل إسماعيل بالتأكيد لأنه نسل إبراهيم.

(1وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: أَنَا اللّـه الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، 2فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا جِدًّا. 3فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ. وَتَكَلَّمَ اللّـه مَعَهُ قَائِلاً: 4أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ، 5فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ. 6وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ. 7وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. 8وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلهَهُمْ)([4]).

بل حتى بعد أن ولد إسحق وتجدد العهد لإبراهيم – ولعل تجدده هنا من أجل أن يشمل إسحق كما سبق أن شمل إسماعيل – أقول هنا أيضاً لم يحدث استثناء لإسماعيل، بل ورد إنه أيضاً سيجعل اللّـه منه أمة لأنه نسل إبراهيم، والنص على أنه نسل إبراهيم لا شك يحملنا على الربط بين العهد هنا وما سبق أن عهد اللّـه لإبراهيم:

(9 ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم يمزح . 10 فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها . لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق . 11 فقبح الكلام جدا في عيني إبراهيم لسبب ابنه . 12 فقال اللّـه لإبراهيم لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك . في كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها . لأنه بإسحق يدعى لك نسل . 13 وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك )([5]).

وفي سفر التكوين يتأكد العهد لإسماعيل وهذه المرة من خلال حديث ملاك الرب مع أمه هاجر: ( 1 وأما ساراي امرأة إبرام فلم تلد له . وكانت لها جارية مصرية اسمها هاجر . 2 فقالت ساراي لإبرام هو ذا الرب قد أمسكني عن الولادة . داخل على جاريتي . لعلي أرزق منها بنين . فسمع أبرام لقول ساراي . 3 فأخذت ساراي امرأة أبرام هاجر المصرية جاريتها من بعد عشر سنين لإقامة أبرام في أرض كنعان وأعطتها لإبرام رجلها زوجة له . 4 فدخل على هاجر فحبلت . ولما رأت أنها حبلت صغرت مولاتها في عينيها . 5 فقالت ساراي لإبرام ظلمي عليك . أنا دفعت جاريتي إلى حضنك . فلما رأت إنها حبلت صغرت في عينيها . يقضي الرب بيني وبينك . 6 فقال أبرام لساراي هوذا جاريتك في يدك . افعلي بها ما يحسن في عينيك . فأذلتها ساراي . فهربت من وجهها 7 فوجدها ملاك الرب على عين الماء في البرية . على العين التي في طريق شور . 8 وقال يا هاجر جارية ساراي من أين أتيت وإلى أين تذهبين . فقالت أنا هاربة من وجه مولاتي ساراي . 9 فقال لها ملاك الرب ارجعي إلى مولاتك واخضعي تحت يديها . 10 وقال لها ملاك الرب تكثيرا أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة . 11 وقال لها ملاك الرب هاأنت حبلى فتلدين ابنا . وتدعين اسمه إسماعيل لأن الرب قد سمع لمذلتك . 12 وإنه يكون إنسانا وحشيا . يده على كل واحد ويد كل واحد عليه . وأمام جميع إخوته يسكن . 13 فدعت اسم الرب الذي تكلم معها أنت إيل رئي . لأنها قالت أههنا أيضا رأيت بعد رؤية . 14 لذلك دعيت البئر بئر لحي رئي. هاهي بين قادش وبارد 15 فولدت هاجر لإبرام ابنا . ودعا أبرام اسم ابنه الذي ولدته هاجر إسماعيل. 16 كان أبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لإبرام )([6]).

في هذه البشارة لهاجر يتكرر العهد بتكثير نسل إسماعيل حتى لا يعد من الكثرة، وكون البشارة من ملاك الرب تدل بلا شك على عناية إلهية فائقة

بإسماعيل.

ومثله في التكوين أيضاً: ( وَسَمِعَ اللّـه بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَنَادَى مَلاَكُ اللّـه هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: مَا الَّذِي يُزْعِجُكِ يَا هَاجَرُ لاَ تَخَافِي لأَنَّ اللّـه قَدْ سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُلْقًى. قُومِي وَاحْمِلِي الصَّبِيَّ وَتَشَبَّثِي بِهِ لأَنَّنِي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً )([7]).

وحتى بعد أن يولد إسحق ويباركه اللّـه عز وجل، يبارك معه أخاه إسماعيل ويخبر إبراهيم بأنه سيكثر إسماعيل حتى يلد إثنا عشر رئيساً:

(15وَقَالَ اللّـه لإبراهيم: سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ، بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ. 16وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضًا مِنْهَا ابْنًا. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَمًا، وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ. 17فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ، وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟.18وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ ِللّـه: لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!. 19فَقَالَ اللّـه: بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. 20وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. 21وَلكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الآتِيَةِ. 22فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ صَعِدَ اللّـه عَنْ إِبْرَاهِيمَ 23فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلَ ابْنَهُ، وَجَمِيعَ وِلْدَانِ بَيْتِهِ، وَجَمِيعَ الْمُبْتَاعِينَ بِفِضَّتِهِ، كُلَّ ذَكَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ، وَخَتَنَ لَحْمَ غُرْلَتِهِمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَيْنِهِ كَمَا كَلَّمَهُ اللّـه. 24وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ، 25وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ ابْنَ ثَلاَثَ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ. 26فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَيْنِهِ خُتِنَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ. 27وَكُلُّ رِجَالِ بَيْتِهِ وِلْدَانِ الْبَيْتِ وَالْمُبْتَاعِينَ بِالْفِضَّةِ مِنِ ابْنِ الْغَرِيبِ خُتِنُوا مَعَهُ )([8]). للبحث بقية.



([1])   التكوين:12.

([2])  أعمال الرسل:7.

([3])   تكوين15.

([4])  التكوين: 17/1 – 8.

([5])   تكوين: 21.

([6])   التكوين:16.

([7])   تكوين:21/ 17 – 21

([8])   تكوين:17.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 20/سنة 2 في 07/12/2010 – 1محرم 1432هـ ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى