قبل أن أدخل في موضوعي أود الإشارة إلى أمر مهم ، لكي لا تتلقف الظنون عبارة ( اليماني هو قائم آل محمد ) بكثير من الأوهام ، غير المقصودة من البعض والمقصودة من آخرين.
أود أن أقول: إن اليماني هو القائم بالسيف بأمر من أبيه الإمام المهدي (ع) ، وهذا المعنى الذي يؤكد وجود الإمام المهدي (ع) ، ويمنحه دوره الكامل سيكون دائماً حداً لن تتجاوزه كلماتي.
ولأبدأ الآن بالرواية التالية ، ورد في الكافي – الشيخ الكليني :
( عن أبي عبد اللّـه ( عليه السلام ) قال : كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد من دون اللّـه عز وجل )([1]).
هذه الرواية تعني أن كل راية على الإطلاق ترفع قبل القائم هي راية ضلال وصاحبها طاغوت يُعبد من دون اللّـه، لا يُستثنى من هذا الحكم غير راية القائم فقط.
ولكنا علمنا مما تقدم أن راية اليماني – وهي قبل الإمام المهدي (ع) – هي راية هدى ، بل أهدى الرايات ، فكيف نخرج من التعارض بين رواية اليماني والرواية الواردة في الكافي أعلاه ؟
ليكن واضحاً لنا أن أي حل للتعارض لابد أن يُبقي على مضمون كلتا الروايتين دون أن يُسقط منه شيئاً.
والحل الوحيد الذي يمكن أن نتحصله في حالتنا هو أن نقول أن راية القائم وراية اليماني هما راية واحدة، وهذا يقوي حقيقة أن القائم هو نفسه اليماني. وهذه الحقيقة أشارت لها الرواية الآنفة التي نصت على أن أمير جيش الغضب أو قائد الأصحاب الثلاثمائة وثلاثة عشر هو خليفة يماني، وعن أبي عبداللّـه (ع) ، قال : ( إذا أذن الإمام دعى اللّـه باسمه العبراني فأتيحت له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر قزع كقزع الخريف ).
فالخليفة اليماني بحسب أبي عبداللّـه (ع) هو إمام .
ورد في الكافي – الشيخ الكليني :
عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّـه عليه السلام قال : ( إن اللّـه تعالى أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا سويا ، مباركا ، يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن اللّـه ، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل ، فحدث عمران امرأته حنة بذلك وهي أم مريم ، فلما حملت كان حملها بها عند نفسها غلام ، فلما وضعتها قالت : رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى، أي لا يكون البنت رسولا يقول اللّـه عز وجل واللّـه أعلم بما وضعت ، فلما وهب اللّـه تعالى لمريم عيسى كان هو الذي بشر به عمران ووعده إياه ، فإذا قلنا في الرجل منا شيئا وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك )([2]).
الإمام الصادق (ع) ينبهنا في هذه الرواية إنهم (ع) إذا قالوا أن القائم هو فلان منهم وكان ولده أو ولد ولده هو القائم فعلينا أن لا ننكر ذلك. والذي يقوي أن الأمر يعني القائم هو أنهم لم يقولوا في أحد من الأئمة السابقين للإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) شيئاً ولم يكن فيه، ويدل عليه كذلك إن سياق حديثه (ع) كان في عيسى (ع) وهو المنقذ الذي كان ينتظره اليهود .
وفي الكافي أيضاً :
( عن أبي عبد اللّـه عليه السلام قال : إذا قلنا في رجل قولا ، فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك ، فإن اللّـه تعالى يفعل ما يشاء )([3]).
وقوله: ( فإن اللّـه تعالى يفعل ما يشاء ) ، واضح في أن الأمر يستبطن اختباراً للناس.
وفي الكافي – الشيخ الكليني :
( عن أبي خديجة قال : سمعت أبا عبد اللّـه عليه السلام يقول: قد يقوم الرجل بعدل أو يجور وينسب إليه ولم يكن قام به، فيكون ذلك ابنه أو ابن ابنه من بعده ، فهو هو )([4]).
وهذه الرواية تدل على أن أمراً ما أو عملاً ما قام به ابن الرجل أو ابن ابنه ثم نُسب إليه – أي إلى نفس الرجل – فالنسبة صحيحة.
وهكذا إذا قال آل محمد (ع) إن القائم هو الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع)، وكان القائم هو ولده أحمد فهو هو.
وفي الإمامة والتبصرة – ابن بابويه القمي :
( عن أبي عبيدة الحذاء: قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذا الأمر، متى يكون؟ قال: إن كنتم تؤملون أن يجيئكم من وجه ، ثم جاءكم من وجه فلا تنكرونه )([5]).
هنا أبو عبيدة يسأل الإمام الباقر (ع) عن هذا الأمر، أي عن أمر القائم (ع)، فيجيبه، إنه إذا كنتم تؤملون أن يجيئكم من وجه ثم جاءكم من وجه فلا تنكرونه !؟ وهذا الكلام من الإمام (ع) لا يمكن أن يكون دون معنى أبداً، بل الأكيد الأكيد إن الإمام (ع) يقصد منه الإشارة إلى أمر سيقع، ويريد من شيعته أن يلتفتوا له، ولا ينكرونه.
على أي حال كانت هذه مقدمات لتهيئة ذهن القارئ، وفيما يأتي استعراض لما وقعت عليه يدي من أدلة تؤكد هذا الأمر:-
الدليل الأول :
عن حذيفة ، قال : ( سمعت رسول اللّـه (ص) – وذكر المهدي – فقال: إنه يبايع بين الركن والمقام ، اسمه أحمد وعبداللّـه والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها )([6]).
الرسول (ص) في هذه الرواية يسمي المهدي (ع) ويذكر له ثلاثة أسماء، وهي الأسماء نفسها التي ذكرها (ص) لولد الإمام المهدي ( أحمد ) في رواية الوصية حيث قال (ص) هناك : ( ... يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملى رسول اللّـه (ص) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً فأنت يا علي أول الإثني عشر إماماً … وساق الحديث إلى أن قال : وليسلمها الحسن (ع)إلى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد (ع) فذلك إثنا عشر إماماً ، ثم يكون من بعده إثنا عشر مهدياً ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد اللّـه و أحمد ، والاسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين ).
فالمهدي (ع) الذي يبايع بين الركن والمقام هو ولد الإمام المهدي (ع) ، أي أحمد الذي هو اليماني نفسه. والأسماء الثلاثة التي يذكرها رسول اللّـه في الوصية ، ويكررها في الرواية التي يذكر فيها المهدي تدل على هذه الحقيقة .
وبطبيعة الحال لا حاجة للتذكير بأن المهديين الإثني عشر ومنهم أحمد يصح على كل منهم إطلاق لقب المهدي.
للبحث تكلمة ستأتي إن شاء اللّـه.
([1])الكافي : ج 8 – ص 295.
([2])الكافي : ج 1 – ص 535.
([3]) الكافي : ج 1 – ص 535.
([4])الكافي : ج 1 – ص 535.
([5])الإمامة والتبصرة : ص 94.
([6])الغيبة للطوسي :ص 299 – 305.
…………………………………………………………………………………………………………………………………….
( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 13 – السنة الثانية – بتاريخ19-10-2010 م – 11 ذو القعدة 1431 هـ.ق)