خبر رئيسيزاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينية

الرؤيا – الحلقة الأولى

الرؤيافي مطلع هذه البحث أود الإشارة إلى أن الكثير جدا من الأشخاص قد شاهدوا رؤى برسول الله ص أو بأهل بيته ع أو بالانبياء ع، كلها تخبرهم بأن السيد أحمد الحسن صادق في ما يدعيه، علماً إن بعض هؤلاء الأشخاص ممن لم يدخلوا في الدعوة المباركة أصلاً ، على الرغم من أن الدليل قد أخذ بأعناقهم ؟! ولكن لا غرابة فقد ورد إن هذا الأمر لا يثبت عليه إلا من أخذ الله ميثاقه في الذر الأول . علماً إن الأشخاص المشار إليهم من مناطق مختلفة، ومدن متعددة، فلم يسبق أن التقوا أو تعارفوا بأية صورة من الصور. بل إن الكثير منهم كانت الرؤيا سبباً في دخوله الى الدعوة المباركة. وبشأن الأدلة على حجية الرؤيا، لابد من تنبيه القارئ إلى مسألة مهمة للغاية هي أن الدعوة الشريفة لا تستدل بالرؤيا على أصل العقيدة، فرؤيا الناس لا تفيد تشريعاً لا في العقائد ولا في الفروع، بل الدعوة المباركة تستدل على الأصل بالنص كما ثبت في محله، والإمامة أو النيابة لابد من النص فيها.

وبخصوص موضوع الرؤيا أود أن أبدأ بالدليل العقلي الذي يحبذه الكثيرون فأقول:

الدليل العقلي على حجية الرؤيا :-

إن السؤال عن حجية الرؤيا يرتبط في الأذهان بسؤال آخر هو : إن الرؤيا هل هي هذه الصورة الذهنية التي نراها في المنام وحسب ، أم أن ثمة واقعا ” خارجيا ” أو حقيقة موضوعية تمثل الصورة الذهنية  تعبيرا ” أو دليلا ” عليها ؟

وبتعبير آخر هل إن الرؤيا وهم لا حقيقة له أم إنها واقع حقيقي يحضر في الذهن من خلال الصورة التي تعبر عنه ؟  للإجابة على هذا السؤال لا بد أن نضع نصب أعيننا أن الإنسان مفطور على البحث عن المعنى أو الحقيقة ، بمعنى إن أي شيء يعترضه يحمله على أن يتساءل عن معناه أو حقيقته .  فالإنسان لا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يفترض أن شيئا ” ما أو حدثا ” معينا ” هو وليد العبث المطلق ، ولا يمكن نسبته إلى معنى أو حقيقة .

  نعم ، قد يخطر في البال إننا كثيرا ” ما نصف سلوكا ” ما بأنه عبث لا طائل منه ، وإنه خلو من المعنى ، وأكثر من ذلك قد ينجر البعض منا بتحفيز هذا الخاطر إلى اجتراح نتيجة مفادها ؛ إن ثمة أشياء لا معنى ولا حقيقة لها .

 هنا لابد أن نلتفت جيدا ” إلى أننا  حين نطلق الوصف آنف الذكر لا نريد منه تقرير النتيجة تلك.

فإن ما يرمي إليه قولنا ذاك هو أن يشير إلى أن هناك منظومة قيمية وأخلاقية محددة تنظم الضمير الجمعي للجماعة ، التي نشير لها باللفظ (نحن) ، وإن هذه المنظومة تمثل البنية التحتية أو القالب الذي نزن وفقه السلوك أو التصرف المعين فنمنحه المشروعية والمعنى في الحالة التي يطابق فيها القالب ، ونسلب عنه المشروعية والمعنى فيما لو أفترق عنه .

نحن إذن بإزاء معنى محدد وحقيقة معينة تواضعنا واصطلحنا عليها هي التي نسلبها عن سلوك ما حين نصفه بأنه عبثي أو لا معنى له ، وليس من شأننا ولا مرادنا أبدا ” أن نسلب عن هذا السلوك مطلق المعنى ، أو نخليه تماما ” من أية حقيقة . بل أبعد من ذلك إن اختيارنا لمنظومة معينة من القيم والأفكار نتخذها فيصلا” في تقييم سلوك معين بأن نضفي عليه المعنى تارة ونفرغه منه تارة أخرى ، كل ذلك يدل إلى أننا نشعر فطريا” بضرورة وجود المعنى أو الحقيقة وإن انعدامها لا يعني سوى الفوضى التي لا يسعنا الإقرار والتسليم بها .

غاية ما في الأمر إننا في لحظة ما ، وبسبب الحاجة لنظم أمورنا فعليا ” وعمليا ” نتفق على منظومة معينة نرى في لحظتنا تلك إنها الأكمل أو الأكثر مطابقة للكمال ، أي المعنى أو الحقيقة بصورتها المطلقة .

ولعل خير دليل على إننا لا يسعنا التسليم بعدم وجود المعنى ، إننا – وتاريخ الإنسان كله شاهد – ما أن نرى نقصا ” في منظومتنا حتى نبادر إلى البحث عما يستكمله ، وهكذا ترانا بلا كلل ولا ملل ما إن ينبثق فتق حتى نسده وما أن يتصدع بنيان حتى نرممه ، لم نستسلم يوما ” ولم ترتفع لنا راية بيضاء ، وإنما كان دأبنا أبدا ” البحث عن الكمال والتطلع للحقيقة .

والآن إذا كان الأمر كذلك ، فبأي دليل عقلي نخرج الرؤيا عن ما أدخلنا فيه كل الأشياء ؟ أ ليس هو التحكم والعناد المقيت ؟ ولأطرح عليك هذا السؤال : لو حدث أن رأيت رؤيا وأخبرك أحدهم أن بإمكانه أن يجد لك تعبيرها ، أ لا يتحرك فيك الشوق لمعرفة ما عسى أن يخبرك به ؟ بل لو كنت أشد الناس إنكارا ” لوجود حقيقة تنطوي عليها الرؤيا وأخبرك بما أخبرك ألا تهجس شعورا ” وإن دقَّ وخفي ، ينبض في أعماقك قائلا ” : ترى ما عساه يخبرني ؟ بالله عليك إلا يعني ذلك إنك بدأت الشك في إنكارك وصرت تحدث نفسك : سبحان الله لعل الرؤيا تستبطن حقيقة أجهلها ! وهل أنا ممن يحيط علما” بكل شيء ؟ قل لي : هل كنت ستحدث نفسك بهذا لو أنك تعلم يقينا بخلو الرؤيا من المعنى ؟

والحقيقة إن الإنسان لا يسعه القول بعدم وجود الإمكان المغاير لما في رأسه من أفكار ، لأنه ببساطة يعلم جيدا ” أن رأسه لم يحط علما ” بكل شيء ، وأن ما بين يديه من معرفة ليس سوى عطايا حاضره الذي يعيشه ، أما ما في الغيب ، وما عسى أن يأتي به قابل الأيام من معارف قد تختلف عن ما تختزنه عقولنا فنحن قاصرون عن معرفته ، تلك هي الحقيقة المريرة التي لابد أن تخضع لها نفوسنا .

عودا ” على بدء ، إذا كان الإنسان يتطلع دائما ” ، ويسعى دائبا ” للوصول إلى المعنى والحقيقة ، فهل يمكن لله عز وجل أن يخدعه ويضله ؟ أمن المعقول أن نقول على الله الذي يعلم بحقيقة الإنسان ويعرف ما يختلج في نفسه من تطلع للمعنى والحقيقة ، ويعلم إنه حين يريه رؤيا سينطلق لمعرفة معناها وحقيقتها التي لا يسعه إلا أن يفترض وجودها ، والتي ما أن يتبينها حتى تراه يصدق بها ويعتبرها ، أقول أ من الممكن لله سبحانه أن يري الإنسان رؤيا إذا لم يكن يقيم لها وزنا ” ؟

أ ليس في ذلك إضلال للإنسان يجل عنه الله سبحانه ؟ وإذا كان للرؤيا حقيقة تعبر عنها ، بحسب ما تدلنا فطرتنا ، وبحسب إيماننا بالله تعالى ، فما  الذي نريده من حجية الرؤيا غير هذا ؟

ولعل قائلا” يقول إن الرؤيا حجة على صاحبها دون سواه ، ومن ثم فإنها لا تملك من الحجية إلا بالقدر الذي يكون فيه شعور الإنسان بشيء حجة عليه ، أقول إن تسليم العقل والفطرة بأن ثمة حقيقة وراء الرؤيا ، ومعرفة الله سبحانه بهذا التسليم يحملنا طائعين أو مرغمين على الخضوع إلى أن الله تعالى الذي لا يرضى لعباده الضلال قد جعل للرؤيا حقيقة ، وهل الدين إلا  ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) 0 وإذا كان للرؤيا حقيقة فمن غير الممكن أن تكون هذه الحقيقة حقا” بالنسبة لزيد وباطلا” بالنسبة لعمرو . ولا سيما إذا كانت واقعا ” خارجيا ” لا تحدده قيود تجعله ناظرا ” لحالة نفسية أو معنوية متعلقة بشخص دون سواه كما هو شأن دعوة السيد احمد الحسن ، فهي لا تناسب زيدا” بقدر أكبر مما تناسب فيه عمرا” ، وإنما هي مناسبة لهما معا ” بمستوى واحد ، ومن هنا تكون الرؤيا التي يراها أحدهما حجة عليه وعلى الآخر أيضا ” ، فالحقيقة التي تعبر عنها مطلقة وواحدة ولا اختصاص لها بالأفراد .

وقد يعترض إشكال مفاده إن فكر الإنسان حين ينشغل في يقظته بأمر ما عادة ما يرى هذا الإنسان أحلاما ” محورها ذلك الأمر نفسه .

وبحسب ما أتذكر الآن إن هذه الفكرة هي نفسها التي فسر بها أرسطو مسألة الأحلام 0 لدفع هذا الإشكال لا بد من ملاحظة أن هذا التفسير يريد أن يقول أن نفـــس الإنســـان هـي الــتي تخلق الرؤيا ، أو قل تختلقها أو تلفقها .

ولو تأملنا قليلا ـ ويمكننا في هذا الصدد أن نستعين بآراء علماء النفس ـ  لتوصلنا ، تماشيا” مع هذا التفسير ، الى أن النفس تعمد إلى اختلاق الحلم طلبا” للراحة أو تنفيسا” عما يختلج فيها من مكبوتات أو توترات ، والسؤال الآن ؛ هل إن رؤى أنصار الإمام المهدي u المؤمنين بدعوة السيد أحمد الحسن ، قابلة لانطباق هذا المفهوم عليها ؟

للإجابة عن هذا السؤال لا بد من توضيح هو ؛ إننا نتحدد في سياق هذه المناقشة بتلك الرؤى التي تتعلق بإثبات صحة دعوة السيد أحمد الحسن بوصفها محل النزاع الحقيقي ، وإذا أتضح هذا الأمر نقول إن الرائي لا بد أن يكون قلقا ” أو متشككا ” أو على أقل الفروض لم يبلغ به الإيمان بالدعوة أو الكفر بها مرتبة اليقين التي تستقر عندها نفسه وينتفي المحفز الذي يستحثه لطلب اليقين سلبا” أو إيجابا” ، ولو تفحصنا المؤثرات التي تتحكم بتوجيه أو تسيير حركة وعيه لوجدنا النتيجة وقد سقطت في أيدينا كالثمرة اليانعة . فمن جهة يجد الإنسان نفسه محاصرا” بثقافة لا تمل ولا تكل عن تمجيد المرجعيات الدينية والإعلاء من شأنها وتقديسها وتصويرها على أنها الحارس الأمين لدين الله ، ويجد غالبية ساحقة لا هم لها سوى الصراخ :( احذروا يا عباد الله المساكين فهذا عصر تكثر فيه الفتن ) !!

ومن جهة أخرى يجد الإنسان نفرا” من المؤمنين بدعوة السيد أحمد الحسن لا يكاد جمعهم يملأ العين التي لا يملؤها سوى التراب ، ويمكنك أن تضيف المزيد من التفاصيل لكلا الصورتين .

والآن إذا كانت النفس الميالة لراحتها هي التي تخلق رؤاها فما بالها تختار كفة الدعوة المباركة ، مع ما ينطوي عليه هذا الاختيار من مخالفة الأغلبية الساحقة بجهازها الإعلامي والدعائي المناهض للدعوة والمشكـك فيهـا الذي لا يتوانى عن نعتها بأبشع النعوت ؟ إن العقل السليم يقول ان الرؤيا ان كانت النفس تخلقها فلابد ان تكون لغير صالح الدعوة طالما كانت النفس تميل لراحتها وتنفس عن كربها من خلال الاحلام. إذن الرؤى التي تصدع بصدق الدعوة المباركة لا يمكن ان تكون من اختلاق النفس بل هي من الله حتما وجزما.

ــــــــــــــــــــــــــ

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 3/سنة 2 في 10/08/2010 – 29 شعبان1431هـ ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى