مازال الكلام حول كتاب النجاشي، وإليكم النقطة الرابعة :
النقطة الرابعة:
ان لم تكن كل او بعض توثيقات وتضعيفات النجاشي مبنية على الحدس والاجتهاد، فهي اما بنقل ناقل او عن شهرة او ما شابه ذلك، وسيأتي التكلم عن شهرة احول الرجال لدى النجاشي في النقطة الخامسة الاتية، ولنتكلم الان عن النقل:
فلا يخفى ان النقل يكون بنقل رجل عن رجل وهكذا حتى ينتهي الى من عاشر اصحاب الائمة او الرواة عنهم وعرف احوالهم من الوثاقة والضعف، لان الشيخ النجاشي ومن عاصره وتاخر عنه ، متأخرين عن عصر الائمة (ع) فالنجاشي توفي سنة ( 450 هـ ) فمن اين له مباشرة معرفة من عاصر الرسول (ص) او الامام علي (ع) وهكذا الائمة من بعده (ع( ؟!
واذا كان الامر بنقل ناقل ، فلابد من معرفة سند هذه التوثيقات والتضعيفات ، وهل رجال السند كلهم ثقاة مأمونون في نقل احوال الرجال ام لا ؟
والحال ان توثيقات وتضعيفات النجاشي لم يذكر سندها والرجال الناقلون لها، فهي من هذه الناحية مرسلة ولا يجوز الاعتماد عليها – حسب منهجكم – ، حيث نجدكم عندما يأتيكم توثيق او تضعيف بواسطة رواية – كما في كتاب الكشي – فانكم تدققون في سندها فإن كان سندها ضعيفاً – كأن يكون مرسلاً او يحتوي على مجهول او مذموم – تردونها ولا تعتمدون عليها في توثيق او تضعيف، فلابد ان يكون ذلك ايضا ساريا في توثيقات وتضعيفات النجاشي المنقولة بلا سند، وإلا فالتناقض بيِّن !
فإن قيل ان النجاشي ترجم لكثير من اصحاب الكتب الرجالية وذكر طريقه اليهم، فمن المحتمل انه اخذ كل التوثيقات والتضعيفات من هذه الكتب.
أقول:
أ – لا يمكن الجزم بأنه اخذ كل التوثيقات والتضعيفات من هذه الكتب الرجالية التي ذكرها، لانه قد يعتمد احيانا على الشهرة مثلا او على الاجتهاد والحدس، وان كان بعضها عن تلك الكتب فمن اين تحديد ذلك البعض ؟ فالنجاشي لم ينسب اقواله الى الكتب الرجالية ربما الا نادرا، فيبقى هذا البعض المفترض مجهولا ومخلوطاً مع غيره، فلا يمكن الاعتماد عليه والجزم به وتمييزه عن غيره.
ب – ثم على فرض الجزم بأن ما ذكره النجاشي في كتابه مأخوذا من تلك الكتب التي ذكرها في رجاله عند ترجمة مصنفيها، يأتي الكلام في طريقه الى تلك الكتب فلابد ان يكون رجال تلك الطرق صحيحا ولا يوجد فيهم ضعيف، ودون ذلك خرط القتاد.
وسأذكر الان بعض الكتب الرجالية التي ذكرها النجاشي في كتابه وابين ضعف طريقه اليها وبذلك تكون ساقطة عن الحجية – لا اقل على منهجكم – :
# طريقه الى كتاب عن الرجال للحسن بن الحسين العرني:
احمد بن علي والحسين بن عبيد الله عن محمد بن علي بن تمام ابو الحسين الدهقان عن علي بن محمد الجرجاني عن ابيه عن يحيى بن زكريا بن شيبان عن الحسن بن الحسين العرني بكتابه.
تحقيق الطريق:
اولا: صاحب الكتاب وهو ( الحسن بن الحسين العرني ) ذكره النجاشي بدون توثيق ولا مدح ، راجع ص51 برقم 111. ولم يوثقه احد غير النجاشي ، وذكره المحقق الخوئي بلا توثيق او مدح اصلا، راجع معجم رجال الحديث ج5 ص 295 برقم 2788.
وثانياً: علي بن محمد الجرجاني : لم اجده حتى في رجال المحقق الخوئي، وذكره الشيخ النمازي في مستدركاته ونص على عدم ذكره في الكتب الرجالية ، ولم يوثقه او يمدحه. راجع مستدركات علم رجال الحديث ج5 ص290 برقم 9618.
ثالثاً: ابو علي المتقدم : محمد الجرجاني: لم اجده في الكتب اصلا.
وبما تقدم لا يمكن الحكم بصحة طريق النجاشي الى كتاب الحسن بن الحسين العرني في الرجال.
# ذكر النجاشي كتاب ( تاريخ الرجال ) لاحمد بن علي بن محمد العقيقي ولم يذكر طريقه اليه اصلا، واكتفى بقوله: وقع الينا منها … تاريخ الرجال.
فيكون هذا الكتاب مرسل ولا يجوز الاعتماد عليه.
# طريقه الى كتاب الرجال لحميد بن زياد:
الحسين بن عبيد الله عن احمد بن جعفر بن سفيان عن حميد بن زياد.
التحقيق السندي:
اولا: صاحب الكتاب ثقة ولكنه واقفي، وقد يكون متشددا فيضعف او يذم اصحاب الائمة الموالين، وقد يوثق من يماثله في الاعتقاد وان كان فيه ذمائم قادحة بنظر الموالين.
ثانيا: احمد بن جعفر بن سفيان: لم يوثق حتى من قبل المحقق الخوئي ، وصرح محمد الجواهري في كتابه ( المفيد من معجم رجال الحديث ) بأنه مجهول، ولم يوثقه حتى الشيخ علي النمازي الشاهرودي في مستدركاته.
فيكون الطريق ضعيفا حتى لو اقتصرنا على احمد بن جعفر بن سفيان ، لانه مجهول، فيسقط هذا الكتاب عن الحجية.
# طريقه الى كتاب ( من روى عن عن ابي جعفر – ع – من الرجال ) لحمزة بن القاسم:
الحسين بن عبيد الله عن علي بن محمد القلانسي عن حمزة بن القاسم.
التحقيق السندي:
علي بن حمزة القلانسي: لم يوثق حتى من قبل المحقق الخوئي والشيخ النمازي. وجزم المحقق الخوئي انه غير الذي من اصحاب الجواد (ع). ولم تتعرض له كتب الرجال بالمرة.
وايضا يسقط هذا الكتاب عن الحجية لجهالة علي بن حمزة القلانسي.
# طريقه الى كتاب ( الرجال ) لعبد الله بن جبلة:
الحسين بن عبيد الله عن احمد بن جعفر عن حميد واحمد بن عبد الواحد عن علي بن حبشي بن قوني عن حميد بن زياد عن احمد بن الحسين البصري عن عبد الله بن جبلة.
التحقيق السندي:
اولا: صاحب الكتاب واقفي.
ثانيا: احمد بن جعفر: الظاهر انه بن سفيان المجهول.
ثالثا: علي بن حبشي: لم يوثق، وجزم المحقق الخوئي بعدم ثبوت وثاقته. راجع معجم رجال الحديث ج12 ص326 برقم 7989.
وعلي أي حال، لا يمكن الجزم بصحة الطريق ، فيسقط الكتاب عن الحجية.
وهناك غير هذه الكتب يمكن الطعن في طريق النجاشي اليها ايضا تركتها للاختصار، نعم توجد بعض الكتب طريق النجاشي اليها صحيح، ولكن من اين لنا ان نجزم بأنه وثق الرواي الفلاني من خلال الكتاب الفلاني دون غيره ؟! فتسقط كل التراجم عن الاعتبار.
ج – وحتى لو اغمضنا النظر عن طريق النجاشي الى الكتب الرجالية التي ذكرها في كتابه، فيبقى الكلام وكل الكلام ، في طريق وسند صاحب الكتاب الى عصر الرواة وهل هو معلوم او مجهول ، وهل رجاله ثقاة ام لا ، وهل ان الذي عاشر الرواة ووثقهم وثقهم برأيه واجتهاده ام بنقل عن الائمة (ع)، وهل انه مأمون وحاذق في تقييم الرجال ام لا وهل … وهل … ؟
اسئلة كثيرة بقيت بلا جواب !
النقطة الخامسة:
فأن قيل جهالة سند الكتب الرجالية لا يضر ، لان النجاشي وامثاله كان قريبا عن عصر الرواة واهل العلم واصحاب هذا الفن … الخ، فأحوال الرواة كانت مشهورة ومعروفة للنجاشي وامثاله فلا بأس في الاعتماد على توثقات وتضعيفات النجاشي وان كانت بلا سند.
أقول:
أ – لا نسلم بأن احوال كل الرواة كانت مشهورة ومعروفة في عصر النجاشي ومن عاصره، نعم احوال من اشتهر بالوثاقة ومن اشتهر بالضعف معروفة ، كحواريي الائمة (ع) ونظرائهم ، وربما اكثر او كل هؤلاء لا تنحصر معرفة احوالهم في كتب الرجال، بل التاريخ والسيرة والروايات تكفلت بذلك او بأكثره على اقل تقدير.
ب – الدليل على عدم اشتهار احوال كل الرواة في عصر النجاشي ومن عاصره، هو كثرة تناقضهم وخطأهم في توثيق او تضعيف الرواة، واضطراب من تأخر عنهم في الترجيح بين الاقوال، كما نص على ذلك المحقق يوسف البحراني في الحدائق ، حيث قال:
(… فلاضطراب كلامهم في الجرح والتعديل على وجه لا يقبل الجمع والتأويل ، فترى الواحد منهم يخالف نفسه فضلاً عن غيره. فهذا يقدم الجرح على التعديل، وهذا يقول لا يقدم إلا مع عدم إمكان الجمع، وهذا يقدم النجاشي على الشيخ، وهذا ينازعه ويطالبه بالدليل.
وبالجملة: فالخائض في الفن يجزم بصحة ما ادعيناه، والبناء من أصله لما كان على غير أساس كثر الانتقاض فيه والالتباس ) الحدائق الناضرة ج 1 23.
وامثلة التناقض مثلا بين النجاشي والطوسي كثيرة اذكر بعضها وباختصار:
# داود بن كثير الرقي ، من أصحاب الإمام الكاظم (ع) وقد أدرك الرضا (ع) على ما نقل:
قال الشيخ الطوسي في رجاله ص329 رقم 5003: داود بن كثير الرقي، مولى بني اسد ، ثقة.
وقال الشيخ النجاشي في رجاله ص 156 رقم 410: داود بن كثير الرقي … ضعيف جداً والغلاة تروي عنه . قال احمد بن عبد الواحد: ما رأيت له حديثاً سديداً .
قال الطوسي في رجاله ( في من لم يرو عنهم – ع – ص405 رقم 6037: ( جعفر بن محمد بن مالك، كوفي، ثقة، ويضعفه قوم، وروى في مولد القائم عليه السلام أعاجيب (.
وقال النجاشي في رجاله ص119 رقم 313: جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور … كوفي ابو عبد الله كان ضعيفاً في الحديث، قال احمد بن الحسين كان يضع الحديث وضعاً ويروي عن المجاهيل، وسمعت من قال: كان أيضاً فاسد المذهب والرواية …
# معلى بن خنيس:
ذكره الشيخ الطوسي في الممدوحين في كتاب الغيبة ص346 قائلاً: ( وكان من قوام أبي عبد الله عليه السلام وإنما قتله داود بن علي بسببه وكان محموداً عنده ومضى على منهاجه وأمره مشهور (
وقال النجاشي في رجاله ص 417 رقم 1114 : ( معلى بن خنيس: أبو عبد الله مولى الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ومن قبله كان مولى بني أسد ، كوفي ، بزاز، ضعيف جداً، لا يعول عليه … ( انتهى.
# سالم بن مكرم أبو خديجة:
قال الطوسي في الفهرست ص 140 رقم 337: سالم بن مكرم يكنى أبا خديجة … ضعيف .
قال النجاشي في رجاله ص177 رقم 501: سالم بن مكرم بن عبد الله أبو خديجة … ثقة ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام …
# المفضل بن عمر:
رجال ابن الغضائري ص87 رقم 117: ( المفضل بن عمر الجعفي ابو عبد الله ، ضعيف ، متهافت ، مرتفع القول ، خطابي … ولا يجوز ان يكتب حديثه .
وذكره الشيخ الطوسي في الغيبة في باب وكلاء الائمة (ع) الممدوحين ص346.
# ابو الصلت الهروي وهو عبد السلام بن صالح، من اوثق اصحاب الامام الرضا )ع(
قال عنه النجاشي في رجاله ص245 برقم 643: ( عبد السلام بن صالح ابو الصلت الهروي: روى عن الرضا (ع) ثقة صحيح الحديث له كتاب وفاة الرضا (ع).
ونص الشيخ الطوسي على انه عامي – وهذا من العجائب – ، راجع رجال الشيخ الطوسي ص 360 برقم 5328 و باب الكنى ص369 برقم 5499.
في حين ان ابا الصلت الهروي من المشهورين بالتشيع ، حتى ان المتشددين من العامة ضعفوه بسبب تشدده في التشيع وموالاة اهل البيت (ع)، والاغرب من ذلك نجد ان الشيخ الطوسي نفسه يروي في كتابه ) اختيار معرفة الرجال ) روايات تنص على تشيعه وشدته في ذلك ، ورغم ذلك يقول عنه بأنه عامي في كتاب رجاله !!!
والكلام في تناقضات المتقدمين طويل جدا لا تسعه هذه الصفحات القليلة.
ومن الملاحظ فيما تقدم ان النجاشي بالغ جدا في تضعيف اوثق اصحاب الائمة (ع) وبعبارات قاسية جدا، فاذا خفي حال هؤلاء الاعاظم على الشيخ النجاشي ، فخفاء من هو دونهم في الشهرة والفضل اولى … ولله في خلقه شؤون. في القسم اللاحق نتحدث عن رجال الشيخ الطوسي.
(صحيفة الصراط المستقيم ـ العدد 39 بتاريخ 15 جمادي الاول 1432 هـ الموافق ل 19/04/2011 م)