زاوية الدعوة اليمانيةعقائد الشيعةغير مصنف

الأصول الرجالية في الميزان / القسم الثاني

2– رجال البرقي:
قال الشيخ جعفر السبحاني: ( كتاب الرجال للبرقي كرجال الشيخ ، أتى فيه أسماء أصحاب النبي صلى الله عليه وآله والأئمة إلى الحجة صاحب الزمان عليهم السلام ولا يوجد فيه أي تعديل وترجيح … ( كليات في علم الرجال ص 71 – 72.
وجاء في تقرير بحث السيد علي العلامة الفاني : ( الخامس – رجال البرقي لمؤلفه أحمد بن محمد البرقي صاحب المحاسن المتوفى عام 274 هـ‍ . وهذا الكتاب ليس بهذه المعروفية كسوابقه بل ولا أهمية له تذكر لعدم تعرضه للتوثيق أو التضعيف إلا نادرا جدا . . فإنه اقتصر فيه على ذكر الطبقات بلحاظ أصحاب كل إمام ولذا تنحصر فائدته في ذلك مضافا إلى معرفة بعض المهملين الذين قد يتعرض لذكرهم دون غيره ) بحوث في فقه الرجال ص 28.
اذن فهذا الكتاب لا يستفاد منه في مسألة توثيق او تضعيف الرواة الا نوادر واكثرها معروفة ، لانه لم يتطرق الى ذلك، بل اكتفى بذكر طبقات اصحاب الائمة (ع) فقط .
وليس هذا فقط ، فإن الكتاب غير مقطوع بانتسابه الى مؤلفه، حسب ما قال الشيخ جعفر السبحاني، حيث قال:  (…  وذكر النجاشي في عداد مصنفات البرقي كتاب الطبقات ثم ذكر ثلاثة كتب اخر ثم قال : ” كتاب الرجال ” ( الرقم 182) والموجود هو الطبقات المعروف برجال البرقي ، المطبوع مع رجال أبي داود في طهران ، واختلفت كلماتهم في أن رجال البرقي هل هو تأليف أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن ( المتوفي عام 274 أو عام 280 ) أو تأليف أبيه ، والقرائن تشهد على خلاف كلتا النظريتين وإليك بيانها :
1- إنه كثيرا ما يستند في رجاله إلى كتاب سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي ( المتوفي 301 أو 299 ) وسعد بن عبد الله ممن يروي عن أحمد بن محمد بن خالد فهو شيخه ، ولا معنى لاستناد البرقي إلى كتاب تلميذه.
2- وقد عنون فيه عبد الله بن جعفر الحميري وصرح بسماعه منه وهو مؤلف قرب الإسناد وشيخ القميين ، وهو يروي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، فيكون البرقي شيخه ، فكيف يصرح بسماعه منه ؟.

3- وقد عنون فيه أحمد بن أبي عبد الله ، وهو نفس أحمد بن محمد بن خالد البرقي المعروف ، ولم يذكر أنه مصنف الكتاب كما هو القاعدة فيمن يذكر نفسه في كتابه ، كما فعل الشيخ والنجاشي في فهرسيهما والعلامة وابن داود في كتابيهما.

4- وقد عنون محمد بن خالد ولم يشر إلى أنه أبوه. وهذه القرائن تشهد أنه ليس تأليف البرقي ولا والده ، وهو إما من تأليف ابنه أعني عبد الله بن أحمد البرقي الذي يروي عنه الكليني ، أو تأليف نجله أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي الذي يروي عنه الصدوق ، والثاني أقرب لعنوانه سعد والحميري اللذين يعدان معاصرين للابن وفي طبقة المشيخة للنجل ) نفس المصدر السابق.
وكيف كان فالكتاب لا فائدة منه في معرفة احوال الرجال من حيث الجرح والتعديل، فلا تستأهل البحث.

3- رجال النجاشي:
وهو تأليف الشيخ ابو العباس احمد بن علي بن احمد بن العباس النجاشي الاسدي الكوفي، المولود سنة 372 هـ، والمتوفي سنة 450 هـ .
وهو من المعاصرين للشيخ الطوسي ( رحمه الله )، ويقال بأنه اضبط من الجميع في معرفة أحوال الرجال.
ويؤخذ على هذا الكتاب عدة نقاط:

النقطة الأولى:
إن كتاب رجال النجاشي موضوعه ذكر المصنفين من الشيعة أي اصحاب الكتب ، فالراوي الذي ليس عنده كتاب لا يذكره النجاشي ، وبهذا يكون هذا الكتاب غير نافع ابدا في معرفة احوال الرواة الذين لم يصنفوا كتبا، ولا يمكن لاحد ان يعترض على راو معين من غير المؤلفين بأنه مجهول بحجة ان النجاشي لم يذكره في رجاله، لان النجاشي يذكر المؤلفين فقط.

بل ان بعض العلماء اعترض على تسمية كتاب النجاشي بـ ( رجال النجاشي )، وقال الاصح ان يسمى ( فهرس النجاشي )، لان المتعارف ان كتب الرجال هي التي تذكر الرجال واحوالهم سواء كانوا اصحاب كتب ام لم يكونوا كذلك، واما الكتب التي تخصص لذكر اصحاب الكتب والتصانيف فتسمى بـ ( الفهرست (.
ومسألة اختصاص كتاب رجال النجاشي بالمصنفين فقط لا خلاف فيه وقد صرح بذلك النجاشي نفسه في مقدمة كتابه، حيث قال:
( أما بعد ، فإني وقفت على ما ذكره السيد الشريف – أطال الله بقاءه وأدام توفيقه – من تعيير قوم من مخالفينا أنه لا سلف لكم ولا مصنف . وهذا قول من لا علم له بالناس ولا وقف على أخبارهم ، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم ، ولا لقي أحدا فيعرف منه ، ولا حجة علينا لمن لم يعلم ولا عرف . وقد جمعت من ذلك ما استطعته ، ولم أبلغ غايته ، لعدم أكثر الكتب ، وإنما ذكرت ذلك عذرا إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره . وقد جعلت للأسماء أبوابا على الحروف ليهون على الملتمس لاسم مخصوص منها . [ وها ] أنا أذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح ، وهي أسماء قليلة ، ومن الله أستمد المعونة ، على أن لأصحابنا – رحمهم الله – في بعض هذا الفن كتبا ليست مستغرقة لجميع ما رسمه ، وأرجو أن يأتي في ذلك على ما رسم وحد إن شاء الله ) رجال النجاشي ص 3.

النقطة الثانية:
ومن النقطة الاولى يتفرع قلة عدد الذين ترجم لهم الشيخ النجاشي في رجاله، وانها نسبة ضئيلة جدا اذا ما قيست الى مجموع رواة الحديث ، وخصوصا بعد الالتفات الى ما بلغت اليه المستدركات المتأخرة حيث فاقت الـ ( 18000 ( راو، فالنجاشي لم يذكر في كتابه سوى ( 1269 ) راو، وكما قلت كلهم مصنفين واصحاب كتب ، واما الذين لم يصنفوا كتبا من الرواة فلم يترجم لهم النجاشي في كتابه.

وعلى أي حال فكتاب النجاشي من ناحية العدد المترجم له لا يفي بالغرض المطلوب، فلا يمكن ان يحتج به على العدد الهائل الذين لم يذكرهم من الرواة ، بأنهم مجهولون لان النجاشي لم يذكرهم، بل ان النجاشي اعترف بأنه لم يحط حتى بأسماء المصنفين، وانه ربما فاته الكثير منهم. راجع ما نقلته قبل قليل من مقدمة كتابه.

النقطة الثالثة:
احتمل بعض العلماء ان التوثيقات والتضعيفات الواردة في كتاب رجال النجاشي انها مبنية على الحدس أي الظن او الاجتهاد ، وبهذا لا تكون لها حجية ولا يمكن الاعتبار بها، بل من اطلع على الكتاب بانصاف وتامل يجزم بان كثير او اكثر التوثيقات والتضعيفات مبنية على الظن او الاجتهاد أي انها حدسية وليس حسية او عن معاشرة للرواة او بشهرة كاشفة للحقيقة.

فقد نقل المحقق الخوئي عن الشيخ فخر الدين الطريحي – المتوفي سنة 1085 هـ – في مشتركاته انه قال: ( ان توثيقات النجاشي او الشيخ يحتمل انها مبنية على الحدس فلا يعتمد عليها ) معجم رجال الحديث للخوئي ج1 ص 42.
وقال المحقق يوسف البحراني : ( … وانت خبير بما بين مصنفي تلك الكتب وبين رواة الاخبار من المدة والازمنة المتطاولة فكيف اطلعوا على احوالهم الموجب للشهادة بالعدالة او الفسق ؟ والاطلاع على ذلك – بنقل ناقل او شهرة او قرينة حال … كما هو معتمد مصنفي تلك الكتب في الواقع – لا يسمى شهادة. وهم اعتمدوا على ذلك وسموه شهادة … ) الحدائق الناضرة ج1 ص22.
وقال المحقق الهمداني – وهو المعروف بـ ( آقا رضا الهمداني ) المتوفي سنة 1322 هـ، وهو من كبار العلماء المحققين -، قال:

(… فلا يكاد يوجد رواية يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق، لولا البناء على المسامحة في طريقها، والعمل بظنون غير ثابتة الحجية، بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية وإن كان بواسطة القرائن الخارجية التي عمدتها كونها مدونة في الكتب الأربعة، أو مأخوذة من الأصول المعتبرة، مع اعتناء الأصحاب بها، وعدم أعراضهم عنها … ولأجل ما تقدمت الإشارة إليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حال الرجال، والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدمين الذين تفحصوا عن حالهم … ) مصباح الفقيه ج2 ص12.
ومن الواضح ان كلام البحراني والهمداني عام لكل الكتب الرجالية بما فيها رجال النجاشي، فافهم واغتنم. توجد نقاط أخرى نناقش بها كتاب النجاشي نؤجلها إلى قسم لاحق.

(صحيفة الصراط المستقيم ـ العدد 38 بتاريخ 8 جمادى الاول 1432 هـ الموافق ل 12/04/2011 )

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى