أخبار سياسية منوعة

البعد الطائفي آخر حصون القومية العربية

لكي تضمن بقاء الترابط قائماً في الأسرة، أو في القبيلة، أو في بلد بأسره، ما عليك سوى
أن تخلق خطراً أو عدواً خارجياً، يؤدي دور قناة التسريب لفائض الغضب المتبادل بين أفراد
الأسرة أو القبيلة أو البلد، أو يحملهم على الأقل على تأجيل خلافاتهم ليتفرغوا لهذا
الخطر الخارجي الذي يستهدفهم جميعاً.
هذه الفكرة إن لم يكن دائماً فهي غالباً ما تنجح،
وهذه النتيجة تشمل الحالات التي يتم فيها اختلاق عدو وهمي، ويمكننا أن نجد لها الكثير
من المصاديق? فعلى مستوى الأسرة تستطيع الأم دائماً إجبار أطفالها على تأجيل رغباتهم
المشاكسة بجملة من قبيل ( اصمتوا وإلا سمعكم الحرامي ، أو الذئب ، أو حتى الطنطل )،
وعلى مستوى الأمم استغلها أبطال السقيفة الذين دفعوا بالشعب الذي لم يستوعب بعد كيف آلت
الخلافة لغير علي (ع) رغم وصايا الرسول (ص) به، وفي غمار المعارك نسي الكثيرون مسألة
الخلافة واستتب الأمر للسراق، فكانت حروب الفتوح ذات فلسفة تخديرية في جانب مهم منها
على الأقل .
وبقدر تعلق الموضوع بفكرة القومية العربية، فإن هذه الفكرة لم تكن لتجد هذا الصدى في
النفوس لولا الصورة التي ق?دمت بها، فحتى على مستوى ما ي?سمى بالآباء المؤسسين للفكرة كان
الخطاب الترويجي ينحو منحى التذكير بالخطر الداهم الذي يمثله الاستعمار، بل إن عودة
للجذور البعيدة للفكرة التي بدأت مع ملوك بني أمية والفقهاء الملحقين بهم، الذين أطروا
الدولة بشعار العروبة في مقابل العجمة، ومنحوا العنصر العربي كل الإمتيازات وسلبوها عن
غيرهم ( الأعاجم )، هذه العودة تدلنا على أن الفكرة استغلت من جهة لتكون بديلاً عن
الفكرة الإسلامية التي يحاصرهم بها معارضوهم، ولتكون من جهة أخرى العقدة التي يمكن أن
تلتقي عندها العصبيات المختلفة .
بعد انحسار موجة الاستعمار ونشوء ما س?مي بالدولة القطرية كان من المتوقع أن تنحسر معها
موجة الفكرة القومية غير مأسوف عليها، ولكن وللأسف الشديد وجدت الفكرة في الخطر
الإسرائيلي إكسيراً يمد عروقها الجافة بماء الحياة، فكانت الناصرية والبعثية وغيرها من
الحركات ذات التوجه القومي تديم الضرب على وتر الوحدة العربية الكفيلة وحدها كما زعموا
بالتصدي لخطر الصهيونية العالمية ومن ورائها الإمبريالية الأمريكية. وبطبيعة الحال كانت
الفكرة القومية بالنسبة لعرابيها تعني قبل كل شيء مصادرة كل الأفكار الأخرى، وتعني وهو
المهم بالنسبة للحكام أن يفهم الشعب بأن قائده القومي معصوم بفعل الضرورة القومية !
ولكن حيث أن مجرى الحياة لا يأبه أبداً لجمود الرؤوس على فكرة، ويستمر دائماً بقذف
الأفكار الجديدة إلى الشاطئ، فقد استفاقت الدول العربية ذات صباح على واقع جديد تكاد
الدولة الإسرائيلية أن تكون فيه دولة عربية شقيقة، وكانت الفكرة القومية في ظل هذا
الامتحان الصعب تبحث في الرؤوس عن مسوغ جديد يديم بقاءها لشوط إضافي آخر ، وكانت
الصعوبات تتأكد يوماً بعد يوم فالواقع الجديد دفع بوقائع لم تكن بحسبان أحد من عشاق
قدسية الدم العربي، فهاهم العرب ولأول مرة في العصر الحديث يقاتل بعضهم بعضاً، حدث هذا
في الغزو العراقي للكويت وفي حرب عاصفة الصحراء التي اصطفت فيها الكثير من الدول
العربية في معسكر الإمبريالية الأمريكية? سواء منها المشاطئة للمحيط الهادر، أو الخليج
الثائر، كما تقول الإنشودة المدرسية.
ولم يتبق على العهد القومي سوى بعض الدول التي لا تملك مشروعاً بديلاً مثل سوريا التي
بقيت تردد الأدبيات القومية دون ملل ولأسباب خاصة تتعلق بطبيعة النظام المنتمي داخلياً
لأقلية دينية، فلا يمكنه في هذه الحالة سوى الإستمرار بلعبة البعبع الواقف وراء الباب،
والتغني بالحلم القومي الذي يمنح هذا النظام الذريعة التي يستطيع من خلالها تعبئة الناس
نحو هدف آخر غير التفكير بحكم الأقلية، كما إن الفقر الذي تعيشه سوريا يستوجب نوعاً من
الوهم اللذيذ يتعاطاه الشعب ليتناسى واقعه الصعب.
ولكن حدثت مفارقة غريبة كل الغرابة، فالدول التي تخلت عن الأسطورة القومية، ورأت فيها
مقولة عاطفية لا تملك رصيداً واقعياً مثل الأردن ومصر ومملكة آل سعود وتوابعها
الخليجية، وآثرت الارتماء في أحضان الغرب استفاقت فجأة على خطر يهدد وجودها ? أو هكذا
أوهمتها أمريكا ? وليس هذا الخطر سوى إيران الشيعية.
ولم تجد هذه الدول سلاحاً فكرياً تواجه به إيران وتعبئ به شعوبها سوى الفكرة القومية،
ولكن بعد تغذيتها بمضمون جديد، بل قل بعد أعادة مضمونها العمري الحقيقي الذي حاول
الآباء المؤسسون تغليفه ببعض الأفكار المصنعة في الغرب وألمانيا على وجه الخصوص، وهكذا
أصبحت الفكرة القومية اليوم تعني شيئاً واحداً محدداً لا يخجل أصحابه بالتصريح بكنهه
وهو : رابطة الدول التي تتمذهب بالمذهب السني العمري، وأصبح العدو الأول والأخير لهذه
الدول متمثلاً بالشيعة، وإذا كان الخطاب الإعلامي يركز أكثر على تسميات الفرس أو
الصفويين أو إيران النووية فليس ذلك سوى جزء من الخدعة التي تستوجبها الحرب. وإذا كان
عمر رائد الفكرة القومية الأول تمنى يوماً أن يكون بينه وبين بلاد الفرس جداراً من نار،
فإن أتباعه اليوم في صدد التدشين الفعلي لفكرته العنصرية الشوفينية.
الحقيقة التي يجب أن يعترف بها القائلون بالفكرة القومية هي أن مضمونها كان دوماً هذا
المضمون العمري الذي يجرد الإسلام من حقيقته الإلهية ليكرسه واقعة من إنتاج قوم هم
العرب، وإذا كانت هذه الفكرة من إنتاج مؤامرة السقيفة وامتداداتها الأموية، فهي إذن
فكرة سنية عمرية بامتياز، خبى أوراها زمناً وتوارت خلف أفكار غريبة نتيجة السيطرة
السنية على الشيعة طيلة القرون السابقة، وها هي تعود اليوم بثوبها الأصلي الذي أججته
النفوس الحاقدة على الشيعة.
ولكي لا أتهم بالتحامل غير المبني على دليل أنقل مقاطع من مقال لكاتب يصف نفسه بأنه
عروبي عنوانه ( لماذا أكره الفرس ) منشور على موقع ( كتاب من أجل الحرية )، يقول صاحب
المقال : (( يسكنني الاحباط هذا اليوم ، واذا عرف السبب بطل العجب ، سبب الاحباط
والانكسار ، ان شابا عربيا فلسطينيا طالعني مع على احد الفضائيات قائلا وليته لم يقل :
بارك الله  بالرئيس المجاهد احمدي نجاد لدعمه قضية فلسطين ، يا اخي اتمنى ان يبرك على
انفاسك جمل ، هل وصل الامر بالعرب ان يتغنون بالفرس ، ومتى احب الفرس العرب ، حتى
هوليود التي تصنع الحلم والخيال ستفشل لو انها صورت فيلم يتحدث عن تلك المحبة المزعومة
بين العرب والفرس ، للتذكره ان نجادي اعترض على هوليوود لأنها انتجت شريطاً يظهر تفوق
300 اسبرطي على جيش فارسي جرار ، ولكن يبدو ان اكذوبة حسن نصر الله لا احسن الله له او
اسطورة السيستاني ، قد استطاعت ان تعشعش في بعض العقول الضيقه ، ما رايك يا اخي
الفلسطيني العربي ان نعود للتاريخ )) [الثلاثاء, 17 مارس 2009 02:36 الكاتب العروبي ابو
بكر الزوبعي] .
نعم المسألة هي أن العقل السني العروبي معتقل في التأريخ لا يغادره، وأي تأريخ هذا هو
التأريخ الأسطوري الذي صنعوه بأيديهم وصنفوا الشيعة من خلاله بوصفهم عدواً فارسياً
مجوسياً يستهدف الإجهاز على العرب. وإذا كان هذا المقال لا يكفي رغم حشر اسم حسن نصر
الله اللبناني ليبين أن الحقد هو على الشيعة باسم الفرس فما عليكم سوى مراجعة ما يصدر
في الدول العربية من صنوف الخطابات العدائية للشيعة، أو يمكنكم أن تستطيبوا النوم
اللذيذ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى