لاشك في أن المالكي الذي تحمس لرئاسة الوفد المتوجه للدوحة كان يتوقع الإياب بغنيمة أكبر قليلاً من خفيّ حُنين، فالملفات التي حملتها حقيبته، فيما يتعلق بالأمن والضرب على أيدي الصدريين، والمصالحة مع البعثيين، وتبني الخطاب الوطني المناهض لمفهوم الفيدراليات، كانت بمنظوره تكفي على الأقل لكسر الوجوم الذي يميز النظرة العربية لحكومته.
و لاشك في أنه قد صُدم بالنتيجة التي أسفرت عنها رحلته، فالعرب الذين شغلهم مصير الرئيس السوداني المتهم بجرائم تماثل تلك المتهمة بها حكومة المالكي، صرفوا كرمهم كله على البشير، ولم يتبق لديهم غير كلمات مشككة يغيظون بها المالكي، ووعد من الأمير القطري بإرسال خفي حنين في أقرب فرصة متاحة.
إن عودة المالكي المثقلة بمشاعر الخيبة حَريةٌ بدفعه لتصحيح التساؤل الذي يبدو أنه قد أخطأ في طرحه، فالسؤال الصحيح ليس هو: ما الخطوات التي يمكن أن تُرضي العرب، وإنما هو: ما هي القاعدة التي ينطلق منها العرب في تأسيس موقفهم من العراق؟
ولعله يكفي المالكي دليلاً على حقيقة أن السؤال المطروح لم يكن موفقاً ذلك التلاعب الواضح بالمواقف، فالعرب كانوا يتحدثون عن ضرورة ضبط الوضع الأمني لحماية أبناء جلدتهم العرب السنة تحديداً، وبلغ الأمر بمملكة آل سعود حد المجاهرة بدعم الإرهاب السني والتدخل العسكري، وبعد حين تحولت النغمة إلى ضرورة المصالحة مع البعثيين، وكانت الطلبات تتبع دائماً بعبارة: لا يكفي، نريد المزيد، بل إن الاستنكاف العربي الذي تعكز على حجج واهية لتجنب إرسال سفراء لبغداد خشية أن يفسر كنوع من الاعتراف بالحكومة الشيعية، لم يجد في كل الدماء الشيعية التي أراقها المالكي مسوغاً لتحريك الشفة العربية، اللبقة جداً حين يتعلق الأمر بالانتقاد، يحركها ولو بكلمة تشجيع ساخرة أو شامتة، فالسياسة التي يتبعها العقل العربي فيما يتعلق بالعراق هي سياسة تعجيز بامتياز، أما الهدف الحقيقي – الذي لا يخجل العرب من التصريح به – فيتمثل في رفض العراق الشيعي.
هذه الحقيقة إذا كان الإقرار بها يفتقر لدى المالكي لدلائل فهو بالتأكيد يشكو لوثة ما في عقله، فالدلائل مطروحة في الطريق يعرفها الخاصة والعوام على حد سواء، ويكفي المالكي أن يتذكر أن العرب لم يسمحوا أيام حكم صدام بالاعتراف بشيء اسمه معارضة شيعية، بينما يحتضنون اليوم كل من هب ودب من المعارضين لحكم الصفويين المجوس.
بطبيعة الحال لست من المنافحين عن المالكي وحكومته، فما يهمني حقاً هو الشيعة الذين وضعهم قادتهم في موقف لا يحسدهم عليه حتى الكلب الأجرب، وما يقال عن الحكومات الشيعية في العراق أو إيران أو سواها لا أرى فيه شيئاً أقل من استحقاقهم لولا إنني على يقين كاف أن المقصود منه ليس هو هذه الحكومات، والمنطلقات التي ينبثق عنها ليست هي ما يتم التصريح به إعلامياً، وإن المستهدف حقاً هو نفس التشيع.
إن أفضل ما يمكن أن تفعله حكومة المالكي والأحزاب الشيعية هو أن تعيد قراءة الواقع السياسي؛ العراقي والعربي، وتعي جيداً أن محاولاتها الساذجة لتذويب الهواجس الطائفية أو القفز البهلواني عليها لا تجديها نفعاً، فالعرب الذين يملئون الفضاء ضجيجاً من أجل إلصاق صفة الطائفيين بالشيعة، يؤكدون حتى بصراخهم هذا أنهم طائفيون ولن يقبلوا بالشيعة.
فالعرب يفهمون من مصطلح (الشيعة) على أنه وصف يكتسب حضوره من إشارته لمضمون فكري وعقائدي، لا يمكن أن ينفك عنه بمجرد الاكتفاء بتغييب الحديث عنه، أو تبني خطاب يعانق المنظومة العلمانية، بل لابد من الإعلان جهاراً نهاراً عن التبرؤ منه وتبني ما يسمونه العقيدة السنية، فأنت لن تكون عربياً إلا إذا كنت سنياً، أما إذا كنت شيعياً فلن يشفع لك انتسابك لأسد أو تميم أو قيس لتكون عربياً، بل أنت فارسي وإن نبت لحمك وعظمك ودمك من حليب نياق الدهناء !
وعلى أية حال كان حرياً بأحزاب الشيعة – كما يزعمون – أن يلتفتوا إلى أن العمق الحقيقي للعقيدة الشيعية لا يرتبط بقومية معينة ولا بأرض معينة، فهو عالمي بمعنى تساميه عن كل ما هو أرضي فالقومية الحقيقية والبلاد الحقيقية للشيعي هي : (الله – محمد – علي). التشيع بكلمة أخرى لا يضع نصب عينيه من هدف، ولا يتعامل إلا مع الحقيقة المطلقة التي تجد أفقها الرحيب في مسألة أصل وجود الإنسان على هذه الأرض وماذا أراد الله تعالى له من وجوده هذا. أما ما يفترضه أبناء الأرض من حقائق تتعلق بالقومية والبلد فلا قيمة حقيقة لها، وهكذا كانت الفكرة العالمية التي تتجسد بعقيدة المهدي ودولته العالمية تعبيراً صادقاً عن حقيقة التشيع. أما إذا كان سياسيو الشيعية – بحسب اصطلاحهم – يرغبون بكراسي الحكم فالأجدر بهم أن يتخلوا عن ادعائهم بأنهم شيعة، ويدخلوا لعبتهم السياسية بأي اسم آخر، فهم على أي حال لم يعودوا شيعة حين فارقوا مبادئ التشيع، كما إن هذا يوفر لهم فرصة ما للحصول على الرضا العربي الذي يستجدونه، وسيرون أن أي شيء قد يفعلونه لن يحقق لهم مرادهم، وأن لا سبيل أمامهم سوى العودة إلى ما نبذوه وراء ظهورهم، فبه وحده نجاتهم.
و لاشك في أنه قد صُدم بالنتيجة التي أسفرت عنها رحلته، فالعرب الذين شغلهم مصير الرئيس السوداني المتهم بجرائم تماثل تلك المتهمة بها حكومة المالكي، صرفوا كرمهم كله على البشير، ولم يتبق لديهم غير كلمات مشككة يغيظون بها المالكي، ووعد من الأمير القطري بإرسال خفي حنين في أقرب فرصة متاحة.
إن عودة المالكي المثقلة بمشاعر الخيبة حَريةٌ بدفعه لتصحيح التساؤل الذي يبدو أنه قد أخطأ في طرحه، فالسؤال الصحيح ليس هو: ما الخطوات التي يمكن أن تُرضي العرب، وإنما هو: ما هي القاعدة التي ينطلق منها العرب في تأسيس موقفهم من العراق؟
ولعله يكفي المالكي دليلاً على حقيقة أن السؤال المطروح لم يكن موفقاً ذلك التلاعب الواضح بالمواقف، فالعرب كانوا يتحدثون عن ضرورة ضبط الوضع الأمني لحماية أبناء جلدتهم العرب السنة تحديداً، وبلغ الأمر بمملكة آل سعود حد المجاهرة بدعم الإرهاب السني والتدخل العسكري، وبعد حين تحولت النغمة إلى ضرورة المصالحة مع البعثيين، وكانت الطلبات تتبع دائماً بعبارة: لا يكفي، نريد المزيد، بل إن الاستنكاف العربي الذي تعكز على حجج واهية لتجنب إرسال سفراء لبغداد خشية أن يفسر كنوع من الاعتراف بالحكومة الشيعية، لم يجد في كل الدماء الشيعية التي أراقها المالكي مسوغاً لتحريك الشفة العربية، اللبقة جداً حين يتعلق الأمر بالانتقاد، يحركها ولو بكلمة تشجيع ساخرة أو شامتة، فالسياسة التي يتبعها العقل العربي فيما يتعلق بالعراق هي سياسة تعجيز بامتياز، أما الهدف الحقيقي – الذي لا يخجل العرب من التصريح به – فيتمثل في رفض العراق الشيعي.
هذه الحقيقة إذا كان الإقرار بها يفتقر لدى المالكي لدلائل فهو بالتأكيد يشكو لوثة ما في عقله، فالدلائل مطروحة في الطريق يعرفها الخاصة والعوام على حد سواء، ويكفي المالكي أن يتذكر أن العرب لم يسمحوا أيام حكم صدام بالاعتراف بشيء اسمه معارضة شيعية، بينما يحتضنون اليوم كل من هب ودب من المعارضين لحكم الصفويين المجوس.
بطبيعة الحال لست من المنافحين عن المالكي وحكومته، فما يهمني حقاً هو الشيعة الذين وضعهم قادتهم في موقف لا يحسدهم عليه حتى الكلب الأجرب، وما يقال عن الحكومات الشيعية في العراق أو إيران أو سواها لا أرى فيه شيئاً أقل من استحقاقهم لولا إنني على يقين كاف أن المقصود منه ليس هو هذه الحكومات، والمنطلقات التي ينبثق عنها ليست هي ما يتم التصريح به إعلامياً، وإن المستهدف حقاً هو نفس التشيع.
إن أفضل ما يمكن أن تفعله حكومة المالكي والأحزاب الشيعية هو أن تعيد قراءة الواقع السياسي؛ العراقي والعربي، وتعي جيداً أن محاولاتها الساذجة لتذويب الهواجس الطائفية أو القفز البهلواني عليها لا تجديها نفعاً، فالعرب الذين يملئون الفضاء ضجيجاً من أجل إلصاق صفة الطائفيين بالشيعة، يؤكدون حتى بصراخهم هذا أنهم طائفيون ولن يقبلوا بالشيعة.
فالعرب يفهمون من مصطلح (الشيعة) على أنه وصف يكتسب حضوره من إشارته لمضمون فكري وعقائدي، لا يمكن أن ينفك عنه بمجرد الاكتفاء بتغييب الحديث عنه، أو تبني خطاب يعانق المنظومة العلمانية، بل لابد من الإعلان جهاراً نهاراً عن التبرؤ منه وتبني ما يسمونه العقيدة السنية، فأنت لن تكون عربياً إلا إذا كنت سنياً، أما إذا كنت شيعياً فلن يشفع لك انتسابك لأسد أو تميم أو قيس لتكون عربياً، بل أنت فارسي وإن نبت لحمك وعظمك ودمك من حليب نياق الدهناء !
وعلى أية حال كان حرياً بأحزاب الشيعة – كما يزعمون – أن يلتفتوا إلى أن العمق الحقيقي للعقيدة الشيعية لا يرتبط بقومية معينة ولا بأرض معينة، فهو عالمي بمعنى تساميه عن كل ما هو أرضي فالقومية الحقيقية والبلاد الحقيقية للشيعي هي : (الله – محمد – علي). التشيع بكلمة أخرى لا يضع نصب عينيه من هدف، ولا يتعامل إلا مع الحقيقة المطلقة التي تجد أفقها الرحيب في مسألة أصل وجود الإنسان على هذه الأرض وماذا أراد الله تعالى له من وجوده هذا. أما ما يفترضه أبناء الأرض من حقائق تتعلق بالقومية والبلد فلا قيمة حقيقة لها، وهكذا كانت الفكرة العالمية التي تتجسد بعقيدة المهدي ودولته العالمية تعبيراً صادقاً عن حقيقة التشيع. أما إذا كان سياسيو الشيعية – بحسب اصطلاحهم – يرغبون بكراسي الحكم فالأجدر بهم أن يتخلوا عن ادعائهم بأنهم شيعة، ويدخلوا لعبتهم السياسية بأي اسم آخر، فهم على أي حال لم يعودوا شيعة حين فارقوا مبادئ التشيع، كما إن هذا يوفر لهم فرصة ما للحصول على الرضا العربي الذي يستجدونه، وسيرون أن أي شيء قد يفعلونه لن يحقق لهم مرادهم، وأن لا سبيل أمامهم سوى العودة إلى ما نبذوه وراء ظهورهم، فبه وحده نجاتهم.