( تباشير صراع لا يدخر وسيلة ولن يقف عند حد ستكون ساحته الانتخابات البرلمانية المقبلة ) ، هذا بالضبط ما تطلق دلالاته المقالات المنشورة على موقع براثا التابع لجلال الصغير .
فلو استقرأنا ما نشره الموقع المذكور سنجدنا بإزاء حزمة من القضايا ستشكل بالتأكيد رأس الحربة المتعدد بالنسبة للحملة الانتخابية التي يعد حزب الحكيم عدتها منذ اليوم الأول لإعلان تقهقره الانتخابي في المحافظات .
فالمجلسيون الذين تصوروا لوهلة أن المالكي يبتعد عنهم ليقترب من جديد ، ولكن من موقع الأقوى ، باتوا يشعرون أكثر فأكثر بأنه يدير في رأسه فكرة الطلاق البائن معهم ، فالسياسات والتصريحات الأخيرة التي أطلقها المالكي لا يفهم منها المجلسيون سوى معنى واحد مقلق هو رغبة المالكي في إظهارهم بصورة القوى الطائفية التي تضمر الشر وتسعى لتقسيم العراق تحت شعار الفيدرالية ، وبالنتيجة القضاء عليهم والإنفراد بتمثل الشيعة سياسياً ، وهي فكرة دعوتية متجذرة كما يعرف المطلعون على تأريخ العلاقة بين الحزبين – الضرتين . وإذا كان حزب الحكيم قد سمع مثل هذا الكلام مراراً وتكراراً، فإن هذا لا يحمل أي عزاء بالنسبة لهم ، إذ إن خروجه هذه المرة من فم المالكي، وهو الحليف المقرب طيلة السنوات العجاف المنصرمة من عمر العملية السياسية، يحمل خطورة مضاعفة فهو بمثابة ( وشهد شاهد من أهلها ) .
والذي يزيد الطين بلة، بحسب وجهة نظر المجلسيين، إن السياسات والتصريحات المالكية الأخيرة تمثل تمادياً في العداء وتنصلاً من المواثيق والعهود التي تربط المالكي بهم، فالمجلسيون الذين تأملوا أن يحققوا عبر التحالف مع المالكي ما عجزوا عن تحقيقه عبر صناديق الاقتراع، يرون المالكي لا يكتفي بالنأي بنفسه عنهم بل يسعى جاهداً لتنظيم تحالفات مع قوى لا تجمعها بهم سوى مشاعر الكراهية المتبادلة من قبيل حزب مقتدى الصدر وحزب اليعقوبي، وأخيراً محاولته التقرب من البعثيين والقوى المناهضة للعملية السياسية، كما تُسمى .
كتب أحدهم في موقع براثا : ((ولهذا دعني يا دولة الرئيس أهمس في أذنك نصيحة لله فيها رضا وللشعب العراقي فيها سرور ولحزب الدعوة فيها صلاح، أنقذ نفسك وحزبك بإعادة النظر في التحالفات ولا تكرس واقع بعدك عن المجلس الأعلى لأنه يمتلك وكما ثبت في البرلمان يوم الموازنة إنهم يملكون التأثير الأكبر في البرلمان، ورسالة البرلمان الجديدة يجب أن تقرأ بواقعية السياسي الجاد، لا بخيالية المزهو بنصر مشكوك فيه جدا؟… وقد غدا لديك سجل حافل من العهود المنقوضة مع جميع القوى )) .
يشير كاتب هذه الكلمات إلى واقعة التصويت على الموازنة ، ويعدها رسالة من حزب الحكيم ينبغي للمالكي أن يقرأها بواقعية السياسي الجاد لا بخيالية المزهو بنصر مشكوك فيه جداً على حد تعبيره . إذن حزب الحكيم يُذكر المالكي بأنه قادر على التأثير والعرقلة ، فلا زال هو وحلفائه الأكراد أصحاب الكلمة العليا في البرلمان ، وبمقدروهم الإطاحة حتى برئيس الحكومة . فالكاتب نفسه يخاطب المالكي قائلاً : ((أ مثل المجلس الأعلى من له هذه التوجهات وقد حمى السيد المالكي من السقوط عشرات المرات ما بين عام 2006ـ 2008؟ بل ما كان للمالكي وحزبه أن يكونوا في هذا الموضع لو رفض المجلس ذلك، وهم كانوا عرابي مجيء المالكي لموقع الرئاسة؟ )) .
أما الحديث عن تزوير الانتخابات وعدم الحكمة في البناء على نتائجها المشكوكة فقد أطلقه جلال الصغير نفسه وكرره مراراً ، وفي خطبته في الجمعة الفائتة وصف ما جرى في الانتخابات بلغة تهديدية قائلاً : (( لعب في المنطقة المحرمة لا يمكن السكوت عليه بأي حال من الأحوال )) . وهذا الحديث ينحو دائماً منحى اتهام المالكي باستغلال المنصب الحكومي ، يقول أحد كتّاب براثا: (( والسيد المالكي هو أعرف الناس بطبيعة المخالفات القانونية الهائلة التي ارتكبتها قائمته من أجل الوصول بالأرقام إلى هذه الدرجة التي وصلت إليها، لذلك من العجيب على السيد المالكي أن يتحدث عن حظوظه الجماهيرية وهو يعلم كيف بني رقمه الانتخابي، والذي لو أحسنا الظن به، فهو لا يعدو إلا رقماً زهيداً جداً، لا يعبر عن تفوق جماهيري ساحق في العراق، فالذين سجلت أرقامهم في قائمته لا يزيدون على المليون وما دون الأربعمائة بقليل، وهو تقريبا نفس الرقم الذي حصل عليه علاوي يوم انتخابات الجمعية الوطنية يوم أن كان رئيسا للوزراء، فهذا الموقع وكل موقع حكومي له مزاياه الجاذبة ومنه مخاوف ومحاذير رادعة من الذهاب لغيره، وقد استخدمت المزايا الجاذبة والرادعة بشكل كبير في كل المحافظات )) .
لا شك في إن هذه الاتهامات وغيرها كاتهام حزب المالكي بالتنصل عن شعاره الإسلامي ، وخيانته لدماء الشهداء تشكل بمجملها تمارين أولية لمعركة مقبلة ، والمقبل من الأيام يحمل في طياته الكثير فالشعارات التي ترفعها براثا تتمحور حول (( تعطيل الدستور وترتيب الانقلاب عليه هو سبيلك )) ، (( اسرعوا وخلصوا العراق من دكتاتور جديد ))، (( المثل القائل عدو عدوي صديقي وهذا ينطبق على عبد الكرسي رئيس دولة الفانوس ))، (( أين صدام يا مالكي )).
الذي نرجوه حقاً هو أن يتحقق ما تحدثت عنه الروايات : عن عميرة بنت نفيل، قالت: سمعت الحسين بن علي (ع) يقول: (لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً. فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير. فقال الحسين (ع): الخير كله في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله) (غيبة النعماني213). وعن أبي عبدالله (ع): (لا يكون ذلك الأمر حتى يتفل يعضكم في وجوه بعض، وحتى يلعن بعضكم بعضاً، وحتى يُسمي بعضكم بعضأ كذابين) (غيبة النعماني214). وعن مالك بن ضمرة، قال: قال أمير المؤمنين (ع): (يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا – وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض -؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير. قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله (ص) فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد) (غيبة النعماني214). وعن أمير المؤمنين (ع) : (كونوا كالنحل في الطير… الى قوله (ع): فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتى يُسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم – أو قال من شيعتي – إلا كالكحل في العين، والملح في الطعام…) (غيبة النعماني217-218).