محمد بن عبد الوهاب النجدي في سطور
نشأته ووفاته:
ولد محمد بن عبد الوهاب سنة: سنه 1111، وقيل سنة: 1115 هـ في مدينة «العيينة» في نجد، وكان والده الشيخ عبد الوهاب يُعدّ من قضاة المدينة، تلقّى محمد بن عبد الوهاب دروسه الفقهية ـ الفقه الحنبلي ـ في موطنه، ثمّ سافر إلى المدينة ليكمل دراسته فشرع فيها بدراسة الحديث والفقه.
وكان يبدو على قسمات وجهه وفلتات لسانه بين الحين والآخر، ما يكتمه ويخفيه من المعتقدات، وكان مشايخه وأساتذته يتفرسون فيه الضلال، حينما كان يتردّد إلى مكة والمدينة لأخذ العلم من علمائها، وعندما كان يدرس على الشيخ محمد بن سليمان الكردي والشيخ محمد حياة السندي فكانا يتفرّسان فيه الغواية والإلحاد، حتّى أنّ والده عبد الوهاب وهو من العلماء كان يتفرّس فيه الإلحاد ويحذّر الناس منه، وانّ أخاه سليمان ألّف كتاباً في الرد على ما أحدثه من البدع والعقائد الزائفة.
وبعد دراسته في المدينة طاف في كثير من بلاد العالم الإسلامي، فأقام نحو أربع سنين في البصرة، وهنا يلتقي ابن تيمية بالجاسوس البريطاني المعروف (بالمستر همفر) الذي أصبح صديقاً حميماً لمحمد بن عبد الوهاب وصانعه الفكري.
تعرّف همفر على محمد بن عبد الوهاب في البصرة وعند أحد أصحاب الدكاكين.
يقول:تعرفت على شاب كان يتردد على هذا الدكان يعرف اللغات الثلاث، التركية والفارسية والعربية، كان في زي طلبة العلوم الدينية، وكان يسمّى بـ (محمد بن عبد الوهاب) وكان شاباً طموحاً للغاية، عصبي المزاج، ناقماً على الحكومة العثمانية.
ويقول: (كان محمد بن عبد الوهاب شاباً متحرّراً بكل معنى الكلمة، لا يتعصّب ضدّ الشيعة، كما أنّه لم يكن يرى أي وزن لأتباع المذاهب الأربعة المتداولة بين أهل السنة، ويقول: إنّها ما أنزل الله بها من سلطان).
ويقول: (كان الشاب الطموح (محمد) يقلّد فهم نفسه في فهم القرآن والسنّة، ويضرب بآراء المشايخ لا مشايخ زمانه والمذاهب الأربعة فحسب، بل بآراء أبي بكر وعمر أيضاً عرض الحائط إذا فهم هو من الكتاب على خلاف ما فهموه، وكان يقول: إنّ الرسول قال: إنّي مخلّف فيكم كتاب الله والسنة. ولم يقل: إني مخلّف فيكم كتاب الله والسنّة والصحابة والمذهب، ولذا فالواجب اتّباع الكتاب والسنّة مهما كانت آراء المذاهب والصحابة والمشايخ مخالفة لذلك).
إلى أن يقول: ( لقد وجدت في (محمد الوهاب) ضالتي المنشودة، فإنّ تحرره، وطموحه، وتبرّمه من مشايخ عصره، ورأيه المستقل الذي لا يهتم حتى بالخلفاء الأربعة أمام ما يفهمه هو من القرآن والسنة.. كان أكبر نقاط الضعف التي كنت أتمكن أتسلل منها إلى نفسه.. وأين هذا الشاب المغرور من ذاك الشيخ التركي الذي درست عنده في تركيا، فإنّه كان مثال السلف كالجبل لا يُحرّكه شيء. الشيخ محمد الوهاب كان يزدري بأبي حنيفة أيّما ازدراء، وكان يقول عن نفسه: إنّني أكثر فهماً من أبي حنيفة.. »! وكان يقول: إنّ نصف كتاب البخاري باطل!
لقد عقدت بيني وبين (محمد) أقوى الصِلات والروابط، وكنت أنفخ فيه باستمرار وأبين له أنّه أكثر موهبة من (علي وعمر) وأنّ الرسول لو كان حاضراً لاختارك خليفة له دونهما، وكنت أقول له دائماً: آمل من تجديد الإسلام على يدك، فإنّك المنقذ الوحيد الذي يرجى به انتشال الإسلام من هذه السقطة.
وقد قررت مع (محمد) أنْ نناقش في تفسير القرآن على ضوء أفكارنا الخاصّة، لا على ضوء فهم الصحابة والمذاهب والمشايخ، وكنّا نقرأ القرآن ونتكلم عن نقاط منها كنت أقصد من ورائها إيقاع (محمد) في الفخ، وكان هو يسترسل في قبول آرائي ليظهر نفسه بمظهر المتحرر وليجلب ثقتي أكثر فأكثر.(
وهكذا راح المستر يُشكّك هذا الشاب المغرور بالعقائد الإسلامية والإيمانية واحدة تلو أخرى. فأبطل له حقها، وأحق الباطل مكانها، وأحلّ الحرام وحرّم الحلال وكل ذلك يتدرج خطوة خطوة إلى أنْ استحكم الفتل على رقبة الشيخ.
1- إبطال الجهاد:
يقول المستر: قلت له ذات مرة: الجهاد ليس واجباً، قال: وكيف وقد قال الله )جَاهِدْ الْكُفَّارَ(؟
قلت: الله يقول(جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ (، فإذا كان الجهاد واجباً لماذا لم يجاهد الرسول المنافقين؟
قال: جاهدهم الرسول بلسانه.
قلت: إذاً، فجهاد الكفار أيضاً واجب باللسان.
قال: لكن الرسول حارب الكفار.
قلت: حرب الرسول كان دفاعاً عن النفس حيث إنّ الكفار أرادوا قتل الرسول فدفعهم. فهزّ (محمد) رأسه علامةً للرضا).
2- متعة النساء:
ويقول: وقلت له ذات مرة: متعة النساء جائزة؟
قال: كلا.
قلت: فالله يقول:(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)؟
قال: عمر حرّم المتعة قائلاً: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما.
قلت: أنت تقول: أنا أعلم من عمر، فلماذا تتّبع عمر؟ ثم إذا قال عمر أنّه حرّمها وأنّ الرسول أحلّها فلماذا تترك رأي القرآن ورأي الرسول وتأخذ برأي عمر؟
فسكت، ولّما وجدت سكوته دليل الاقتناع وقد أثرت فيه الغريزة الجنسية (ولم تكن له إذ ذاك زوجة) قلت له: ألا نتحرر أنا وأنت ونتخذ (متعة) نستمتع بها.
فهزَّ رأسه علامة الرضا.. وقد اغتنمت أنا هذا الرضا أكبر اغتنام.. وقرّرت موعداً لآتي له بامرأة ليتمتع بها، وكان همي أنْ أكسر خوفه من مخالفة الناس، لكنّه اشترط عليَّ أنْ يكون الأمر سراً بيني وبينه وأنْ لا أخبر المرأة باسمه.
فذهبت فوراً إلى بعض النساء المسيحيات اللاتي كنّ مجنّدات من قبل وزارة المستعمرات لإفساد الشباب المسلم، ونقلت لها كامل القصة، وجعلت لها اسم (صفية) وفي يوم الموعد ذهبت بالشيخ (محمد) إلى دارها، وكانت الدار خالية إلا منها فقرأنا أنا والشيخ العقد لمدة أسبوع، وأمهرها الشيخ نقداً ذهبياً.
فأخذت أنا من الخارج، و (صفية) من الداخل، نتراوح على توجيه الشيخ محمد عبد الوهاب…..
2- حلية الخمر: وفي اليوم الثالث من (المتعة) أجريت مع (محمد) حواراً طويلاً عن (عدم تحريم الخمر)، وكلَّما استدلَّ بالآيات القرآنية والأحاديث زيفتها، وقلت له أخيراً: لقد صحَّ أنّ معاوية ويزيد وخلفاء بني أميّة وبني العباس كانوا يتعاطون الخمر، فهل من الممكن أنْ يكون كل أولئك على ضلال وأنت على صواب، إنّهم لا شك كانوا أفهم لكتاب الله وسنّة الرسول ممّا يدلّ على أنّهم لم يفهموا التحريم، وإنّما فهموا الكراهة والإعافة، وفي الأسفار المقدسة لليهود والنصارى إباحة الخمر، فهل يعقل أنْ يكون الخمر حراماً في دين وحلالاً في دين، والأديان كلها من عند إله واحد؟
ثمّ إنّ الرواة رووا أنّ عمر (بن الخطاب) شرب الخمر حتى نزلت الآية {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُون}ولو كانت الخمرة حراماً لعاقبه الرسول، فعدم عقاب الرسول دليل الحليّة.
أخذ يسمعني (محمد) بكل قلبه، ثم تنهّد وقال: بل ثبت في بعض الأخبار أنّ عمر (ابن الخطاب) كان يكسر الخمر بالماء ويشربها، ويقول: إن سكرها حرام.. ولا، إذا لم تكن تسكر.
ثمّ أردف الشيخ قائلاً: وكان عمر صحيح الفهم في ذلك، لأنّ القرآن يقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنْ الصَّلاةِ} فإذا لم تسكر الخمر لم تفعل هذه الأمور التي ذكرت في الآية وعليه فلا نهي عن الخمر إذا لم تكن مسكرة.
أخبرت (صفية) بما جرى، وأكدت عليها أنْ تسقي الشيخ في هذه المرّة خمرة مغلَّظة، ففعلت وأخبرتني بعد ذلك أن الشيخ شرب حتى الثمالة وعربد وجامعها عدّة مرات في تلك الليلة، وقد رأيت أنا آثار الضعف والنحول عليه غداة تلك الليلة، وهكذا استوليت أنا وصفية على الشيخ استيلاءً كاملاً(.
ويعلّق على هذه الحادثة قائلاً: «يا لها من كلمة رائعة تلك الكلمة الذهبية التي قالها لي وزير المستعمرات حين ودعته: إنّا استرجعنا إسبانيا من الكفار (يقصد المسلمين) بالخمر والبغاء فلنحاول أنْ نسترجع سائر بلادنا بهاتين القوتين العظيمتين.
فالخمرة أُمّ الخبائث، والنساء أصل المفاسد، فإذا شربت الخمرة وصارت أمراً عادياً، وصارت النساء تباع بالشوارع كأرخص أنواع الأحذية، هكذا تسقط الأمّة تحت أقدام أعدائها.(
4- إبطال الصوم:
يقول المستر: ذات مرة تكلمت مع الشيخ عن الصوم وقلت له: إنّ القرآن يقول)وَأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُم ( ولم يقل أنّه واجب عليكم، فالصوم بنظر الإسلام مندوب وليس بواجب.
لكنّه قاوم الفكرة، وقال: يا محمد تريد أن تخرجني من ديني.
قلت له: يا وهاب، إنّ الدين هو صفاء القلب، وسلامة الروح، وعدم الاعتداء على الآخرين، ألم يقل النبي: الدين الحب؟ وألم يقل الله في القرآن الحكيم (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)؟ فإذا حصل للإنسان اليقين بالله وباليوم الآخر، وكان طيّب القلب نظيف العمل، كان من أفضل الناس. لكنّه هزَّ رأسه علامة للنفي وعدم الارتياح.
5- التشكيك بالصلاة:
ومرة أخرى قلت له: الصلاة ليست واجبة.
قال: وكيف؟
قلت: لأنّ في القرآن يقول الله(وَأقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي).. فالمقصود من الصلاة ذكر الله تعالى، فلكَ أنْ تذكر الله تعالى عوضاً عن الصلاة.
قال وهاب: نعم، سمعت أنّ بعض العلماء كانوا يذكرون الله تعالى في أوقات الصلاة عوضاً عن الصلاة.
ففرحت لكلامه أيّما فرح.. وأخذت أنفخ فيه هذا الرأي حتى ظننت إني استوليت على لُبّته، وبعد ذلك وجدته لا يهتم بأمر الصلاة، وأحياناً لا يصلي، خصوصاً في الصباح، فإنّه كان يترك الصلاة غالباً، حيث كنت أسهر معه إلى بعد منتصف الليل غالباً، فكان منهوك القوى عند الصباح، فلا يقوم للصلاة. وهكذا أخذت أسحب رداء الإيمان من عاتق الشيخ (إنْ كان عنده إيمان) شيئاً فشيئاً، وأردت ذات مرة أنْ أناقش حول (الرسول) لكنّه صمد في وجهي صموداً كبيراً، وقال لي: إنْ تكلمت بعد ذلك حول هذا الموضوع قطعت علاقتي بك. وخشيت أنْ ينهار كل ما بنيته، ومن أجل ذلك أحجمت عن الكلام عن الرسول…لكن أخذت في إذكاء روحه في أنْ يكوِّن لنفسه طريقاً ثالثاً غير السنّة وغير الشيعة، وكان يستجيب لهذا الإيحاء كل استجابة؛ لأنّه كان يملأ غروره وتحرره.
وبفضل (صفية) التي دامت علاقتها معه بعد الأسبوع أيضاً في (متعات جديدة) تمكنّا في الأخذ بقيادة الشيخ كاملاً.
وذات مرة قلت للشيخ: هل صحيح أنّ النبي آخى بين أصحابه؟ قال: نعم.
قلت: هل أحكام الإسلام وقتية أم دائمة؟
قال: بل دائمة؛ لأنّ الرسول يقول: حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة.قلت: إذن فلنواخي أنا. وأنت فتواخينا..
ومنذ ذلك الحين كنت أتبعه في كل سفر وحضر، وكنت أهتم لأنْ تأتي الشجرة التي غرستها ثمارها التي صرفت لأجلها أثمن أوقات شبابي).
يقول المستر همفر:(كنت أنا ومحمد نسير في الطريق الذي رسمناه بخطى سريعة ولم أكن أفارقه لا في سفر ولا في حضر، وكانت مهتمي أنْ أُربّي منه روح الاستقلال والحرية، وحالة التشكيك بكل العقائد والشخصيات. وكنت أُبشّره دائماً بمستقبل زاهرٍ وأمدح فيه روحه الوقادة، ونفسه النقادة، ولفقت له ذات مرة (حلماً(
قلت له: إنّي رأيت البارحة في المنام رسول الله ووصفته بما كنت سمعته من خطباء المنابر جالساً على كرسي وحوله جماعة من العلماء، لم أعرف أحداً منهم، وإذا بي أراك قد دخلت ووجهك يشرق نوراً، فلمّا وصلتَ إلى الرسول قام الرسول إجلالاً لك وقبّل بين عينيك، وقال لك: يا محمد أنت سميي، ووارث علمي، والقائم مقامي في إدارة شؤون الدين والدنيا.
فقلتَ: يا رسول الله، إنّي أخاف أنْ أظهر علمي على الناس.
قال رسول الله لك: لا تخف، إنّك أنت الأعلى.
فلمّا سمع محمد بالمنام، كاد أنْ يطير فرحاً.. وسألني مكرراً هل
أنت صادق في رؤياك؟ وكلما سأل أجبته بالإيجاب حتى اطمأنّ وأظنّ أنّه صمّم من ذلك اليوم على إظهار أمره)(مذكرات المستر همفر:ص53-76 باختصار).
ثم بقي محمد بن عبد الوهاب خمس سنين في بغداد، وسنة في كردستان، وسنتين في همدان، ثمّ رحل إلى اصفهان،( من بلاد إيران التي كانت تحت سيطرة الشاه، وهو من العملاء كما هو مشهور ومعلوم.. ولحقته (صفية) إلى أصفهان، وتنعّم بمتعة لمدة شهرين، ثمّ انتقل إلى (شيراز) حيث هيّأ له جاسوس آخر، متعة بامرأة أخرى اسمها (آسية) أجمل وأكثر أنوثة وعاطفة من (صفية) وإنّه قضى معها أسعد ساعات العمر «وتبين لي فيما بعد: أنّ (عبد الكريم الجاسوس الجديد) اسم مستعار لأحد المسيحيين من (جلفاء) من نواحي أصفهان كان من عملاء الوزارة وأنّ (آسية) من يهود (شيراز) وكانت أيضاً هي الأخرى من عملاء الوزارة.
وكان نتيجة سيطرتنا -نحن الأربعة- على (محمد الوهاب) أنّه طُبخ كأفضل ما يمكن لما يرجى منه في المستقبل)مذكرات المستر همفر: 97-98، بتصرّف).
وهكذا تكوّن المسار الفكري عند محمد عبد الوهاب بغرس من الجاسوس البريطاني، وهكذا انحرف المسار الفكري والعقائدي لهذا الرجل بنفخ ودفع ذاك الخبيث البريطاني، إلا أنّ أرض محمد عبد الوهاب كانت خصبة لمثل ذاك الزرع.. لأنّه كان مغروراً متكبراً جاف الطبع، حاد الكلام، عصبي المزاج.
ثمّ شدّ الرحال إلى قم، بعدها توجّه نحو الأحساء ماراً بمدينة البصرة، ثمّ إلى «حُرَيملة» محل إقامة والده (تاريخ نجد:ص111).
ولم يكن محمد بن عبد الوهاب يجرأ على الإعلان عن أفكاره وعقائده مادام أبوه حيّاً، وإن كانت تقع بينهما بين الحين والآخر مشادّات ومنازعات، ولكن بعد رحيل والده في سنة 1153هـ، أزاح الستار عن عقائده وأعلن في الملأ العام عمّا تنطوي عليه نفسه من أفكار وعقائد خاصة.
ولقد كان لحركته هذه ردّة فعل بين أهل «حريملة»، فأوجدت ضجّة بينهم فهمّوا بقتله، فلم يجد بدّاً من الهرب إلى «عيينة» مسقط رأسه ودار نشأته، وقد تعاهد هو وأميرها «عثمان بن معمر» على أن يشدّ كلّ أزر الآخر، فيترك الأمير الحرية للشيخ في إظهار الدعوة والعمل على نشرها، لقاء أن يقوم محمد بن عبد الوهاب بدوره وبشتى الوسائل لسيطرة الأمير على نجد بكاملها.(هذه هي الوهابية:ص112)، وقيل: إن محمد بن عبد الوهاب العيينه وتزوج اخت أمير العيينة.
لم يطل عمر التحالف بين ابن عبد الوهاب والأمير ابن معمر، لأنّ سليمان الحميدي صاحب الأحساء والقطيف أمر عثمان بن معمر ـ و كان أقوى منه ـ أن يقتل الشيخ فاضطر على أثرها ابن عبد الوهاب للتوجّه إلى «الدرعية»، وهي تقع شرقي نجد وكانت بلاد مسليمة الكذاب من قبل والتي انطلقت منها أحزاب الردّة. وكان أميرها آنذاك محمد بن سعود جد الأُسرة الحاكمة في السعودية «آل سعود» و تم إبرام الاتّفاق بين الأمير والشيخ على غرار ما كان قد تم بينه و بين ابن معمر، فقد وهب الشيخ نجد وعربانها لابن سعود، ولتوطيد تلك العلاقة وإحكام الأمر بينهما زوّج محمد بن سعود ابنه عبد العزيز من إحدى بنات محمد بن عبد الوهاب، بدأ ابن عبد الوهاب حملته التبليغية تحت ظل التحالف الجديد ودعمه المادي والعسكري، فجمع الشيخ أنصاره وأتباعه وحثّهم على غزو البلدان المجاورة المسلمة، أو الدخول في الدعوة الجديدة، وهكذا بدأ سيل الغنائم والأموال يسيل باتّجاه الدرعية، تلك المدينة الفقيرة، ولم تكن تلك الغنائم إلاّ أموال المسلمين الذين أعمل الشيخ وأتباعه فيهم السيف وتركهم أشلاء متناثرة وسبى ذراريهم ونهب أموالهم تحت ذريعة التهمة بالشرك والارتداد عن الدين، وهكذا أباح الشيخ أموال المسلمين لجيشه ومناصريه!! حتّى أنّ الآلوسي ـ المعروف بميوله الوهابية ـ ينقل عن المؤرخ ابن بشر النجدي إشارة واضحة إلى حالة النهب و السلب التي اعتمدها الوهابيون.
شهادة ابن بشر النجدي
«… وكان أهل الدرعيّة ـ يومئذ ـ في غاية الضيق و الحاجة، وكانوا يحترفون لأجل معاشهم…. ولقد شاهدت ضيقهم في أوّل الأمر، ثمّ رأيت الدرعيّة بعد ذلك ـ في زمن سعود ـ وما عند أهلها من الأموال الكثيرة والأسلحة المحلاّة بالذهب والفضّة، والخيل الجياد والنجائب العُمانيات، والملابس الفاخرة، وغير ذلك من أسباب الثروة التامة، بحيث يعجز عن عدّه اللسان ويكلُّ عن تفصيله البيان.
ونظرتُ إلى موسمها يوماً ـ في الموضع المعروف بالباطن ـ فرأيت موسم الرجال في جانب وموسم النساء في جانب آخر، فرأيت من الذهب والفضة والأسلحة والإبل والغنم والخيل والألبسة الفاخرة وسائر المآكل ما لا يمكن وصفه، والموسم ممتدٌّ مدّ البصر، وكنت أسمع أصوات البائعين والمشترين وقولهم: بعتُ واشتريت كدويّ النحل…».(تاريخ نجد للآلوسي:ص117).
وتوفى محمد بن عبد الوهاب: سنه 1206هـ.