(3)
الدليل السابع : قوله ( ص) : خير أمتي أبو بكر ثم عمر .
المناقشة:
هذا الحديث بهذا المقدار ذكره القاضي الإيجي وشارحه وغيرهما أيضا. لكن الحديث ليس هكذا، للحديث ذيل، وهم أسقطوا هذا الذيل ليتم لهم الاستدلال، فاسمعوا إلى الحديث كاملا: عن عائشة، قلت: يا رسول اللّـه، من خير الناس بعدك؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر. هذا المقدار الذي استدل به هؤلاء. لكن بالمجلس فاطمة سلام اللّـه عليها، قالت فاطمة: يا رسول اللّـه، لم تقل في علي شيئا! قال: يا فاطمة، علي نفسي، فمن رأيتيه يقول في نفسه شيئا؟ فيستدلون بصدر الحديث بقدر ما يتعلق بالشيخين ( عمر وأبي بكر )، ويجعلونه دليلا على إمامة الشيخين، ويسقطون ذيله، وكأنهم لا يعلمون بأن هناك من يرجع إلى الحديث ويقرأه بلفظه الكامل، ويعثر عليه في المصادر. لكن الحديث – مع ذلك – ضعيف سندا، فراجعوا كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة.
الدليل الثامن : قوله (ص): لو كنت متخذا خليلا دون ربي لاتخذت أبا بكر خليلا.
المناقشة:
يكفي في الجواب عن هذا الحديث أن نقول: إذا كان رسول اللّـه قال في حق أبي بكر: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر إذا كان قال هكذا في حق أبي بكر، فقد جاءت الرواية عندهم في حق عثمان: إنه اتخذه خليلا! فبالنسبة إلى أبي بكر يقول لو أما في حق عثمان يقول: اتخذته خليلا، يقول: إن لكل نبي خليلا من أمته، وإن خليلي عثمان بن عفان فيكون عثمان أفضل من أبي بكر. فلماذا لم يقدموا عثمان؟
الدليل التاسع : قوله (ص) وقد ذكر عنده أبو بكر فقال رسول اللّـه: وأين مثل أبي بكر، كذبني الناس وصدقني، وآمن بي وزوجني ابنته، وجهزني بماله، وواساني بنفسه، وجاهد معي ساعة الخوف.
المناقشة:
هذا الحديث أدرجه الحافظ السيوطي في كتابه اللآلي المصنوعة بالأحاديث الموضوعة. وأيضا أدرجه الحافظ ابن عراق صاحب كتاب تنزيه الشريعة، أدرجه في كتابه هذا المؤلف في خصوص الروايات الموضوعة.
ومن حيث الدلالة فإنه يدل على أن أبا بكر كان يعطي من ماله رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم )، وكان يصرف من أمواله الشخصية على رسول اللّـه ( صلى اللّـه عليه وآله وسلم )، وكأن رسول اللّـه بحاجة إلى مال أبي بكر وإنفاقه عليه، وهذا من القضايا الكاذبة، وقد وصل كذب هذا الخبر إلى حد التجأ مثل ابن تيمية إلى التصريح عن كذبه، مثل ابن تيمية يصرح بأن هذا غير صحيح ورسول اللّـهلم يكن محتاجا إلى أموال أبي بكر. وهكذا يضع الواضعون الفضائل والمناقب المستلزمة بالطعن في رسول اللّـه، فإنفاق أبي بكر على رسول اللّـه كذب، وابن تيمية ممن يعترف بهذا. فهذا الحديث كذب سندا ودلالة .
الدليل العاشر : قول علي ( عليه السلام ): خير الناس بعد النبيين أبو بكر ثم عمر ثم اللّـه أعلم .
المناقشة:
ما رووه عن علي ( عليه السلام ) في فضل الشيخين، منها الرواية التي ذكرها هؤلاء أنه قال: خير الناس بعد النبيين أبو بكر ثم عمر ثم اللّـه أعلم . ليس هذا اللفظ وحده، لهم أحاديث أخرى، وألفاظ أخرى أيضا ينقلونها عن علي في فضل الشيخين، لكن: أولا: أبو بكر نفسه يعترف بأنه لم يكن خير الناس، ألم يقل: وليتكم ولست بخيركم؟ وهذا موجود في الطبقات لابن سعد، أو: أقيلوني فلست بخيركم، كما في المصادر الكثيرة. وثانيا: ذكر صاحب الإستيعاب بترجمة أمير المؤمنين سلام اللّـه عليه، وذكر ابن حزم في كتاب الفصل، وذكر غيرهما من كبار الحفاظ: إن جماعة كبيرة من الصحابة كانوا يفضلون عليا على أبي بكر. فإذا كان علي بنفسه يعترف بأفضلية الشيخين منه، كيف كان أولئك يفضلون عليا عليهما؟ لقد ذكروا أسماء عدة من الصحابة كانوا يقولون بأفضلية علي، منهم أبو ذر، وسلمان، والمقداد، وعمار، و . . . ، وعلي يعترف بأفضلية الشيخين منه! هذه أخبار مكذوبة على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سلام اللّـه عليه . إذن ، لم نجد دليلا من أدلة القوم سالما عن الطعن والجرح والإشكال ، إما سندا ودلالة ، وإما سندا ، على ضوء كتبهم وعلى ضوء كلمات علمائهم . فتلك الأحاديث من الأحاديث الموضوعة التي لا أساس لها ، في اعترافهم ، لا سيما حديث اقتدوا باللذين من بعدي . والمهم قضية الصلاة ، فصلاة أبي بكر في حياة رسول اللّـه قد تشعر بإمامته بعده ، لكن رسول اللّـه عزله عن المحراب وصلى تلك الصلاة بنفسه ، إن صح خبر إرساله أبا بكر إلى الصلاة.
مناقشة الإجماع على خلافة أبي بكر:
أن صاحب شرح المقاصد وغيره من كبار علماء الكلام يقولون بأنا عندما ندعي الإجماع، لا ندعي وقوع الإجماع حقيقة، فليس معنى قولنا: قام الإجماع على خلافة أبي بكرأن القوم كلهم كانوا مجمعين وموافقين على إمامته، بل إن إمامته قد وقعت في الحقيقة ببيعة عمر فقط وفي السقيفة، بعد النزاع بين المهاجرين والأنصار. لكن مع ذلك عندما نراجع إلى هذه الكتب يقولون بأن الأولى أن نسكت عن مثل هذه القضايا ولا نتكلم عنها، فإن رسول اللّـه قد أمر بالسكوت عما سيقع بين أصحابه، لا داعي لطرح مثل هذه القضايا وللتعرض لمثل هذه الأمور. وإني أرى من المناسب أن أقرأ لكم نص عبارة السعد التفتازاني في شرح المقاصد، لتروا كيف يضطربون، يقول السعد: إن جمهور علماء الملة وعلماء الأمة أطبقوا على ذلك – أي على إمامة أبي بكر – وحسن الظن بهم يقضي بأنهم لو لم يعرفوه بدلائل وإمارات لما أطبقوا عليه. قلت: إذا كان كذلك، إذا كنا مقلدين للصحابة من باب حسن الظن بهم، فلماذا أتعبنا أنفسنا؟ ولماذا اجتهدنا فنظرنا في الأدلة وجئنا بالآية والحديث، كنا من الأول نقول: بأنا في هذه المسألة مقلدون للصحابة، فعلوا كذا ونحن نقول كذا، لاحظوا، ثم يقول التفتازاني: يجب تعظيم الصحابة والكف عن مطاعنهم، وحمل ما يوجب بظاهره الطعن فيهم على محامل وتأويلات، سيما المهاجرين والأنصار.
837 4 دقائق