على الرغم من أن الرد الذي وجهه المالكي لبايدن قد جاء متأخراً كثيراً من جهة ، وعلى الرغم من أنه لم يكن بالمستوى الذي يستحقه المحتل ، ولكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً كما يقال.
المسألة الآن ليست أن نبحث في زمنية أو قوة وضعف الرد ، فالمهم الآن حقاً هو هل سيشكل هذا الرد منعطفاً في العلاقة العراقية الأمريكية ، أم إنه مجرد فورة عاطفية عابرة من رجل حاول جاهداً خلال الأيام الماضية أن يرسم حول صورته إطار الرجل الوطني القوي القادر على مواجهة تحديات المرحلة الخطيرة ، لاسيما بعد أن أثبتت الانتخابات الأخيرة قدرة تسويقية كبيرة لمثل هذه الصورة ؟ وعلى أي حال يبدو أن انتقال السلطة إلى أوباما واقتراب الانتخابات قد أوجد مناخاً ملائما لقول بعض الكلمات التي لم تكن لتقال ، وجدير بالذكر إن المالكي ليس استثناء فكرزاي الأفغاني يتكلم هذه الأيام بأشياء مشابهة .
على الأرجح إن ما يدفع بأحد الاحتمالين إلى الواجهة ليس هو قوة شكيمة المالكي ، ومدى اعتقاده حقاً بما نطقت به شفتاه ، فليس من شك أن ثمة حسابات داخلية كثيرة وبالغة الخطورة لابد للمالكي أن يضعها نصب عينيه فيما لو فكر بالمضي بما يوحي به موقفه هذا إلى حد أبعد من مجرد الموقف العاطفي العابر . فالمتربصون ولاسيما الأكراد الذين يضمرون الكثير من الضغائن للمالكي ، ومثلهم الجهات الموتورة في الانتخابات الأخيرة سيكون من دواعي سرورهم البالغ أن يتركوا المالكي وحيداً في أي معركة يمكن أن يفتعلها معه الأمريكان ، ولعل المعركة التي يخوض المالكي وحزبه غمارها في البرلمان مؤشر على شعور المالكي بأجواء العداء التي يضمره له الخصوم السياسيون ، ولعل المالكي يحاول قطع الطريق على أي محاولة تستهدف عزله لاحقاً يكون منطلقها البرلمان ، لاسيما وأن الأخبار تتحدث عن إمكانية قوية لتشكيل حلف ثلاثي من الأكراد وبعض القوى السنية وحزب الحكيم هدفه الحد من الشعور المتنامي لدى الكثير من القوى بإمكانية تغيير اللعبة السياسية في العراق ، وهو الشعور الذي قوّته أطروحات المالكي الأخيرة حول تعديل الدستور ومواجهة مشاريع الفيدرالية .
إن ما يحتاجه المالكي في معركته المتوقعة مع الأمريكان ( لا أظن الأمريكان سيبلعون كلمات المالكي بالسهولة التي يفعل بها العراقيون الإهانات الأمريكية ) هو مساندة السيستاني التي يمكن أن تحول دون استغلال حزب الحكيم للموقف المتأزم لتحقيق مكاسب رخيصة ، والتي يمكن أن تشكل فرقاً في الحسابات الأمريكية ، ولكن هل يفعلها السيستاني ؟
لابد للسيستاني إن كان لا يزال يتذكر شيئاً من المفاهيم الأخلاقية والدينية أن يشد على كلمة المالكي ويدفع بها إلى مديات أبعد حتى مما قد يكون حددها لها هذا الأخير ، وعلى أية حال السيستاني على المحك هذه المرة أيضاً فهل سيخفق كما في كل مرة ؟
لنتذكر أن السيستاني ومن خلال ألسنة وكلائه قال في الانتخابات الأولى التي جرت في العراق بعد الإحتلال إنه يحث الناس على المشاركة الواسعة لأن الانتخابات كما زعم طريق للتسريع بخروج القوات الأجنبية من العراق وصون كرامة واستقلال البلد ، وهذه اللازمة رددها وكلاؤه ووردت بتواتر واضح في الاستفتاءات واللقاءات التي أجرتها معه الصحف الأجنبية ، وبالأمس القريب كان السيستاني ووكلاؤه يصرون بحماسة على أن تضمن الاتفاقية الأمنية استقلالية العراق وسيادته ، فهل سيتنكر لكلماته ؟
أغلب الظن ، بل اليقين أنه سيفعل وسيلوذ بالصمت المعروف عن أسد السراديب النجفية الرطبة ، ولعل الإشارة الأولى لهذا الموقف المتوقع من السيستاني قد أتت من قناة الفرات السيستانية التي أذاعت مقطعاً من كلمة المالكي في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع الرئيس الفرنسي ، أغفلت فيه أي ذكر لكلمة المالكي بحق بايدن .
Aaa_aaa9686_(at)_yahoo.com