أخبار سياسية منوعة

سجناء الرأي والعقيدة في عراق اليوم

سجناء الرأي والعقيدة في عراق اليوم

أبو محمد الأنصاري

في زمن الطاغية صدام كان كل ما يخالف المرجعية الفكرية لحزب البعث التي تحددت فيما بعد بما يتقوله صدام حصراً ، كان يُعد جريمة يستحق من يقدم عليها أقسى العقوبات ، أما من يتناول شخص الطاغية بالنقد أو الشتم أو السخرية فالعقوبة التي يستحقها جزاء وفاقاً هي قطع اللسان ووشم الجبين ، وما تعرفونه عنه أدهى وأمر ( وما هو عنه بالحديث المُرجم ) ، بل إن الحديث عن صدام وجرائمه قد يُعد من وجهة نظر ما نوعاً من التغطية على جرائمه ، باعتبار أن السارد لابد أن يغفل عن الكثير من الجرائم التي يمتلئ بها سجل الرجل ، ثم إن الكلمات لا تغطي كل المعنى المرتبط بالجرائم الموصوفة .

المهم الآن هو هل تغير الزمان ، هل الحال اليوم غير الحال بالأمس ، أم إن الحال هي هي لا شمس أشرقت ولا لاح قمر ؟

الحق إن الحال لم تتغير على الرغم من كل الإدعاءات والمزاعم الطويلة العريضة باحترام الحريات وحقوق الإنسان ، ففي الجنوب الذي أعرفه أكثر من سواه تشكل عصابات بدر التابعة لحزب الحكيم و مثلها عصابات مقتدى الصدر ، وسواهم من أتباع المراجع ، ما يُشبه محاكم التفتيش ، والويل كل الويل لمن تشتم أنوفهم فيه رائحة العداء أو الرفض أو المعارضة لمراجعهم ، فأهون ما قد يفعلونه هو الزج به في السجون الحكومية التي يسيطرون عليها دون قضاء أو محاكمة ليذوق في مطاميرها الرهيبة شتى صنوف التعذيب ؛ الموروث منه من زمن صدام، والذي استحدثه عقولهم الإجرامية الشيطانية، أوما تعلموه من أسيادهم الأمريكان من رذائل الإعتداءات الجنسية ، والتهديد بانتهاك الأعراض .

إن أكبر تهمة يمكن أن توجه لإنسان هي نقد أو معاداة المرجعية ، فهذه التهمة تساوق التجديف أو الزندقة والهرطقة ، نعم يمكنك بالنسبة لهم أن تكون شيوعياً ملحداً ، ويمكنك أن تتبنى أي فكر لا يمت بصلة لدين أصلاً ، ويمكنك أن تقول : هذه حكومة فاشلة ( طبعاً هذه الأيام وبعد أن أضحى المالكي خصماً لأوباش بدر صارت هذه الكلمة محبوبة ) ، ويمكنك أن تلعن اليوم الذي رأيت فيه وجوه أعضاء البرلمان والوزراء ، ولكن إياك إياك أن تذكر الصنم القابع في سراديب النجف المظلمة بسوء ، بل غير مسموح لك أن تقول : إن فوق عينه حاجباً ، أو إن ملامح وجهه تشبه إلى حد بعيد ملامح قرد ( قارنوا بين صورتيهما لتتأكدوا فأنا لا أفتري على الرجل – الصنم ) .

نعم هي وثنية فكرية وعقائدية لم يسبق لها مثيل، بل هي تفوق في سوئها حتى الوثنيات الجاهلية القديمة، فقديماً كان يمكن للجاهلي أن يزدري صنم القبيلة، وكان يمكنه على سبيل المثال أن يلاحظ أنه صامت لا ينطق، ولكنك اليوم لا يسعك التصريح بمثل هذه الملاحظة الصارخة بوضوحها بالنسبة لصنم الجاهلية المعاصرة، على الرغم من إن أتباعه أنفسهم لم يشهد أحد منهم يوماً أنه سمع بشحمة أذنه أن لسان الصنم قد دار يوماً في جوف حلقه وصدر صوت من أي نوع كان عن هذا الدوران ! ولكنهم مع ذلك يطالبونك بأن تفهم صمته على أنه حكمة !؟ كتب أحد مقلديه يوماً ببلاغة مضحكة: (( وحين تتزاحم أقدام الشر على باب بيته يلوذ بقرون من حكمة الصمت لكي تمر العاصفة … تشرق الدنيا وتغرب ، توضع الخطط والبرامج ، يبيع الساسة ويشترون ، تكتب الأقلام ما تكتب يتخاصمون على هذه الأسمال أو تلك يزحفون أو ينبطحون ، ترتعش القلوب خوفاً أو قلقاً على الوطن لكنه هادئ كبوابة الأمير ، وصامت صمت خيول الأنبياء ))!! [جريدة ( الهداية ) الصادرة عن ممثلية المرجعية الدينية في مدينة الزبير . العدد ( 25 ) السنة الثالثة / 10 شوال / 1426] .

بل إن وثنية هذا العصر بلغت حضيضاً لم تبلغه الوثنيات القديمة ، فالوثنية المعاصرة لم تعد تقبل تعددية الصنم / الإله كما كانت تفعل الوثنية القديمة ، فعُبّاد الأصنام الأخرى مشركون يستحقون الرجم والقتل ، ويحرم حتى مجرد النظر إلى وجوههم الكالحة ، فإذا كنت يعقوبي الهوى أو صرخي الدين فأنت كافر بأبي محمد رضا السيستاني ، والأمر نفسه يقال بالنسبة لعقيدة الآخرين بمن يعبد السيستاني دون آلهتهم .

المشكلة أن جميع هؤلاء الوثنيين لديهم عناصر زرعوها في قوات الأمن أو الجيش ، وجميعهم لديهم سيارات من نوع ( البطة ) ويمتلكون من السلاح والقتلة ما لم يكن يملكه هبل في زمانه ، وأهون شيء بالنسبة لهم أن يردوك في الشارع دون أن يكلفهم ذلك رفة جفن واحدة ، خسائرهم فقط رصاصة مدفوعة الثمن من مال الخمس الذي يسرقونه من الناس .

وبطبيعة الحال هم دائماً يغطون على جرائمهم بتهم جاهزة يلفقونها للضحايا المغدورين ، أو أولئك المنسيين في قعر السجون دون محاكمات أو أحكام قضائية ، بل إن الكثير ممن يحكم القضاء ببراءتهم يلبثون في السجن لأن العصابات الوثنية ترفض إطلاق سراحهم ، أو تلفق لهم تهماً جديدة لتبقيهم على عهدة التحقيق غير معلوم النهاية ، وفي أحيان كثيرة حين يتم إطلاق سراح بعض المظلومين تلاحقهم العصابات لتغدر بهم في الشوراع ، وعلى مرأى ومسمع من أطفالهم ، وقد تستعدي عليهم بعض الجهات العشائرية بحجة أن هؤلاء إرهابيون قتلوا أبناءكم ، وهذه الجهات من نفس طينة عصابات بدر وغيرها لا تتورع عن فعل أقبح المنكرات دون أن تطلب بينة أو تتحقق من جلية الأمر ، بل إنها – ويا للجاهلية المقيتة – تعود بعد ارتكابها جريمتها القذرة الجبانة بالهوسات والرقص وكأنها قد انتصرت على عدو دنس أرضها واستذل شعبها .

Aaa_aaa9686_(at)_yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى