نشر موقع “بازفيد” تحقيقا مطولا عن سياسات الصين ضد المسلمين الإيغور وبقية الأقليات في منطقة تشنجيانغ شمال غربي الصين. وبناء على صور التقطتها الأقمار الصناعية ومقابلات مع معتقلين سابقين، كشفت عن تحول في السياسة الصينية تجاه المسلمين والأقليات. وتقوم الصين ضمن هذه السياسة بإنشاء بنية تحتية خاصة لاستيعاب أكبر عدد من المعتقلين بدلا من اللجوء إلى استخدام الأماكن العامة من مدارس وملاجئ ومعسكرات مؤقتة.
وتأتي سياسة الصين الجديدة رغم تأكيدها أن المعتقلين المسلمين الذي قالت إنهم أدخلوا المعسكرات في دورات تثقيفية باتوا أحرارا. وحدد التحقيق 260 بنية تحتية جديدة تم إكمالها منذ عام 2017 وتحمل كلها نفس ملامح معسكرات الاعتقال المحصنة. وهناك مجمع اعتقال في كل منطقة من الإقليم.
وفي أثناء التحقيق، كشف المحققون عن قيام الحكومة الصينية بإنشاء معسكرات اعتقال واسعة لسجن مسلمي الإيغور والقزق وغيرهم من الأقليات المسلمة. وينظر إلى النظام الصيني في الاعتقال أنه الأوسع والأعقد لسجن واضطهاد الأقليات الدينية منذ الحرب العالمية الثانية.
وتضم المرافق المحرّمة عددا من المباني التي تم توسيعها من الداخل في العام الماضي كجزء من حملة الحكومة لسجن أكثر من مليون مسلم، والتي بدأت عام 2016. ففي ذلك العام، وضع تشين غوانغو، المسؤول البارز في الحزب الشيوعي والذي فرضت عليه الحكومة الأمريكية عقوبات، وضع الأقليات المسلمة التي تشكل نصف سكان المنطقة (25 مليون نسمة) تحت الرقابة الدائمة من خلال الكاميرات التي تتعرف على الوجوه ومتابعة الهواتف المحمولة ونقاط التفتيش وسياسة اليد الحديدية التي اتبعتها الشرطة.
كما تعرضوا لانتهاكات من ناحية إجبار النساء على العقم، ومعسكرات الأشغال الشاقة. ومن أجل تطبيق أوامر الحكومة لاعتقال أعداد كبيرة من الأشخاص في وقت واحد، قامت بتعديل المدارس القديمة والبنايات العامة مما أدى لزيادة عدد المعتقلين في عام 2018، ثم بدأت الحكومة ببناء بنى تحتية دائمة تحتوي على إجراءات أمنية مثل الجدران الإسمنتية العالية والأبراج.
ثم أضافت الحكومة مصانع جديدة للمجمعات ومراكز السجن، مما يشير إلى توسع في سياسة الأعمال الشاقة في السجون. وقالت المعتقلة السابقة جينشان بردبيك (49 عاما) التي اعتقلت في سجن تاتشينغ: “الناس يعيسون في هذه الأماكن بخوف دائم” و”الأشخاص الشباب لا يتحملون مثلنا ولهذا كانوا يبكون ويصرخون”.
إلا أن بردبيك الناجية من مرض السرطان، فقدت الطاقة على التحمل عندما شاهدت النساء يجرجرن إلى الزنازين الانفرادية، وفقد الرغبة للبقاء على قيد الحياة، وأرادت الموت داخل المعسكر”.
وحدد موقع بازفيد، 268 مبنى جديدا من خلال المقارنة بين خرائط بيدو وغوغل مابس، التي عادة ما تستخدم في الصين بصور تم الحصول عليها من خرائط خارجية. وتحتوي مراكز السجن، مراكز اعتقال أخرى داخلها. وتم التأكد من 92 منشأة على أنها معسكرات اعتقال، وذلك بناء على وثائق حكومية أو زيارات صحافيين أو مصادر أخرى. فيما تم تحديد 176 معسكر اعتقال من خلال صور الأقمار الصناعية، وأظهرت مجمعات مسوّرة وكثيفة وأسلاك شائكة، ولا تشبه الأسوار التي تحيط بالمنشآت السكنية عادة. وظهر أيضا أن 121 مجمعا منها يحتوي على أبراج مراقبة.
وفي رد على أسئلة الموقع، قالت القنصلية الصينية في نيويورك ببيان، إن موضوع تشنجيانغ لا علاقة له بالدين أو العرق أو حقوق الإنسان، بل الإرهاب والانفصال. وأضافت أن ما كشفه التحقيق “كذب لا أساس له”. وأكدت أن الإقليم أقام مراكز مهنية وتدريبية من أجل “قلع آفة الفكر المتطرف وتعزيز الوعي بحكم القانون وتوفير التعليم المهني وخلق فرص عمل”.
وقالت القنصلية إن حقوق الإنسان محترمة في المراكز، ويتحرك المعتقلون فيها بحرية. وقارنت برامجها التعليمية بما قالت إنها “برامج التدريب الإجبارية للإرهابيين المجرمين” في بريطانيا وأمريكا. وتتوزع المراكز في مناطق الإقليم وبعضها كبير ويتسع لعشرة آلاف معتقل مرة واحدة. وعلى خلاف المراكز السابقة، تبدو الجديدة دائمة مثل السجون المنتشرة في أنحاء البلاد. ويبدو تصميمها مثل الكهوف بحيث يسمح بإضاءة قليلة.
ولاحظ التحقيق طريقة توزيع الغرف في المنشآت الجديدة. وبعد ازدحام الأماكن العامة التي حولتها الحكومة لمعسكرات اعتقال، بدأت في نهاية 2017 ببناء معسكرات اعتقال دائمة وأنشأت أضخمها في ربيع 2018 .
وتم إكمال العديد منها في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وخلال عام 2019. وتصف الحكومة مراكزها بالتعليمية لنزع التشدد، لكنها أشارت إليها في وثائقها الداخلية بـ”معسكرات الاعتقال”.
وتزعم الحكومة أن معظم الذين ينقلون إليها يدخلون دورات لمحو التطرف، إلا إن هؤلاء ليسوا متطرفين. ويعتبر تنزيل تطبق واتساب ممنوعا في الصين وكذا التواصل مع الأقارب في الخارج، وكذا الصلاة، وكلها مخالفات يعاقب عليها بالسجن.
ولأن الحكومة الصينية لا تتعامل مع معسكرات الاعتقال كجزء من النظام القضائي، فإن المعتقلين فيها لا توجه لهم اتهامات أو يقدمون للمحاكم نظرا لأن المخالفات السلوكية ليست جرائم حسب النظام العدلي.
وزادت نسبة الاعتقال في المنطقة منذ بداية الحملة. ففي عام 2017 بلغت نسبة الاعتقالات في الإقليم 21% من كل الاعتقالات التي حدثت في كل الصين، مع أن سكان الإقليم لا يشكلون سوى نسبة 2% من مجمل سكان الصين، إلا أن نسبة سكان السجون زادت ثمانية أضعاف عن الفترة السابقة للحملة.
ويتعرض المعتقلون للتعذيب والتجويع والحجز الانفرادي والتحكم بالنسل وعدد آخر من الانتهاكات. وقالوا إنهم تعرضوا لغسيل دماغ وطلب منهم ترداد شعارات الحزب الشيوعي، ولم يسمح لهم بالحديث بلغتهم بل باللغة الصينية.
وقال آخرون إنه لم يدفع لهم مقابل عملهم في المصانع. وتمنع الحكومة حرية الصحافيين واستخدام الإنترنت بدون رقابة، وعادة ما يعتقل المسلمون لمجرد منشور على منصات التواصل.
ومن بين الأدلة التي ظهرت في أيلول/ سبتمبر الماضي فيديو كشف عن رجال حليقي الرؤوس ومعصوبي الأعين يرتدون ستر مكتوب عليها “مركز اعتقال كاشغر”. وقال الباحث ناثان روسر من المعهد الأسترالي للسياسة الإستراتيجية، إن صور الفيديو تكشف عن نقل المعتقلين.
وتسببت الحملة بالضرر للمسلمين خاصة الإيغور الذي على خلاف الأقليات الأخرى لا دول تدعمهم. وتمنع الحكومة منعا باتا التعبير عن ملامح ثقافية للإثنية التي تنتمي للعرق التركي. ولا يسمح لهم بالصلاة خارج المساجد التي تسمح بها الحكومة.
وقال عبد الولي أيوب، المتخصص باللغة وسُجن ونُفي من تشنجيانغ بعدما فتح روضة أطفال لتعليم لغة الإيغور: “هؤلاء الناس في معسكرات الاعتقال مسالمون” و”هم رجال أعمال وعلماء ومهندسون وفنانون وأطباء وأصحاب محلات ومطاعم وأساتذة استخدموا كتب الإيغور”، وهم “عماد مجتمعنا وبدونهم فنحن لا شيء”.
وكان وضع الأقليات المسلمة في الصين دائما عرضة للمخاطر منذ الثورة الصينية عام 1949، ولكنه زاد شدة عام 2016 عندما قرر مسؤول الحزب في الإقليم اتباع سياسة “التحويل عبر التعليم” وأمر باعتقال أي شخص يجب اعتقاله. وكانت تيرسوني ضياء الدين واحدة من الذين اعتقلوا عام 2018.
وعندما وصلت إلى بوابة المعسكر شاهدت المئات حولها وهم يخلعون مجوهراتهم وأربطة أحذيتهم وأحزمتهم حيث كانوا يحضرون للدخول إلى نقطة التفتيش. واستخدمت الحكومة في البداية بيوت التقاعد والمدارس والمستشفيات و47 سجنا بُنيت قبل عام 2017.
وكانت بعض المعسكرات تطلق سراح المعتقلين بعد أشهر، وفي الأخرى صدرت أحكام بالسجن عليهم كما يقول أدريان زينز.
وقال ثلاثة معتقلين سابقين إنهم سجنوا لعدة أشهر بدون توجيه اتهامات. والتقى موقع “بازفيد” 28 معتقلا سابقا احتجزوا في مراكز الاعتقال ووصفوا كيف تم تقييدهم وتعصيب أعينهم، وقالوا إنه تم نقلهم من مكان إلى آخر من أجل مواجهة الازدحام، وتذكروا أعدادا كبيرة تخرج وتحل محلها أعداد أخرى. ووصف بعضهم كيف كانوا ينامون على السرير بشكل مزدوج وبعضهم كانوا يوزعون أوقات النوم بالدور. وكلهم تقريبا تحدثوا عن كميات الطعام القليلة التي كانوا يحصلون عليها، وهي عبارة عن قطع خبز وعصيدة رز بقليل من اللحم وغيره من البروتينات.
ويقول أورينبك كوكسبك (40 عاما) من أثنية القزق، إنه اعتقل في بداية الحملة، حيث شارك غرفة مع سبعة أشخاص لكل واحد منهم سريره. ولكنه بدأ يلاحظ زيادة الأعداد. وفي يوم شاهد امرأة بالأغلال وأخرى تحمل ابنها وهي ترضعه.
وقال: “كان على البعض التشارك بالبطانيات أو النوم على الأرض” و”أخبرونا لاحقا أن سيحكم على بعضنا بالسجن وسينقلون إلى معسكرات أخرى”.
وأجبر مسؤولون المعتقلين على حفظ الدعاية الشيوعية. وبعضهم قال إن غرفهم كانت مزدحمة لدرجة اضطروا فيها للجلوس على مقاعد بلاستيكية قرب أسرّتهم وقراءة الحروف الصينية والكاميرات تراقبهم.
وكانت الحياة مخيفة بالنسبة لكوكسبك: “كانت هناك نافذة واحدة في غرفتنا ولكنها عالية ولم أستطع رؤية سوى السماء وتمنيت لو أنني عصفور أطير إلى الحرية”.
المصدر: القدس العربي