زاوية الدعوة اليمانيةعقائد السنةعقائد الشيعةغير مصنف

أصل الاجتهاد عند العامة والشيعة ـ الحلقة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين الائمة والمهديين واللعنة الدائمه المؤبده على اعدائهم من الاولين والاخرين الى قيام يوم الدين

أول ابتداء هذه الفتنه الشوهاء والبدعه الرعناء من ابناء العامه فقد بنوا تلك القواعد العقليه من نسج تلك العقول الناقصه والاراء المستشنعه ولم يقفوا عند حد بل قالوا ان المجتهد اذا اخطأ فله اجر واحد واذا اصاب فله اجران .

عندما نراجع سيرة الصحابه الذين عاصروا النبي الاعظم صل الله عليه واله وسلم نجدهم قد عملوا بالنص لا غير فلما ارتحل النبي صل الله عليه واله وسلم الى الرفيق الاعلى وتولى الخلافه والامر غير اهلها فكان الخليفه منهم يقضي بما اقتضاه الحال من الكتاب والسنه فان لم يجد نصا بالمسأله حكم بما يراه من المصلحة التي تروق له فشأنه شأن الأمراء والملوك يراعون ما ينتظم به امر دولتهم وتصلح به الرعيه بزعمهم وان كان مخالفا للشارع المقدس ففتاواهم كانت في مصالحهم الخاصة وما يديم كرسي الحكم وكانوا يسمون ما لم يستند الى النص <اجتهادا> والعامل به مجتهدا ولذا نذكر للقارئ الكريم نماذج من اجتهادهم في قبال النص .

البدعة الاولى: هي الشورى التي ابتدعوها واستدلوا بهذه الايه الكريمة وهي قوله تعالى: (وامرهم شورى بينهم) فعارضوا التنصيب الالهي لخلفاء الله تعالى وسمحوا لانفسهم ان يدفعوا من نصبه الله سبحانه بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي نزلت في حقه الايات وصرحت باسمه الروايات من الموالين والمخالفين.

البدعه الثانيه: مخالفة متعة الحج التي عمل بها الرسول الاعظم صل الله عليه وال وسلم وامر بها عن الله عز وجل وهي مما نص عليها الذكر الحكيم قال تعالى: (فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثه ايام في الحج وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة كامله ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام).

وصفة هذا التمتع بالعمرة الى الحج فهو ان ينشىء المتمتع بها احرامه في اشهر الحج من الميقات فيأتي مكه ويطوف بالبيت ثم يسعى بين الصفا والمروه ثم يقصر ويحل من احرامه فيقين بعد ذلك حلالا حتى ينشىء في تلك السنه نفسها احراما اخر للحج من مكه والافضل من المسجد ويخرج الى عرفات ثم يفيض الى المشعر الحرام ثم يأتي بافعال الحج على ما هو مفصل في محله هذا هو التمتع بالعمرة الى الحج وقد حرمه عمر بن الخطاب فأفتى في قبال النص الالهي .

البدعه الثالثة: مخالفه متعة النساء التي شرعها الله ورسوله صل الله عليه وال وسلم وعمل بها المسلمون على عهده ص حتى التحق بالرفيق الاعلى ثم عمل بها على عهد ابي بكر حتى قضا لسبيله فقام بعده عمر وهم مستمرون على العمل بها حتى نهى عنها بقوله على المنبر: متعتان كانتا على عهد رسول الله ص وانا انهى عنهما واعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء ; فعارض النص الالهي باجتهاده في قبال النص الالهي الذي اباحها بقوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فأتوهن اجورهن فريضه) ايه 24سوره النساء.

اما نصوص السنن فقد اخرجها اصحاب الصحاح بكل ارتياح وحسبنا منها حديث ابي نضره فيما اخرجه مسلم في باب التمتع بالحج ص467 ج1 من صحيحه اذ قال كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها فذكر ذلك لجابر فقال على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله ص فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسول الله ما شاء وبما شاء فأتموا الحج والعمره وابتوا نكاح هذه النساء فلأن أوتى برجل نكح امرأة الى اجل الا رجمته بالحجاره .

وفي رواية اخرى انه قال: ايها الناس ثلاثه كن على عهد رسول الله ص وانا انهى عنهن واحرمهن واعاقب عليهم متعة الحج ومتعة النساء وحي على خير العمل .

وقد انكر امير المؤمنين (ع) ذلك الفعل البشع الذي فعله عمر وعثمان فقد روي عن سعيد بن المسيب قال اجتمع علي وعثمان بعسفان فكان عثمان ينهى عن المتعه والعمره فقال له علي ع : ما تريد الى امر حلله رسول الله ص تنهانا عنه ؟ فقال عثمان : دعنا منك. فقال علي ع: اني لا استطيع ان ادعك …. الحديث.

البدعه الثالثه: اضافه فصل للاذان وهو الصلاة خير من النوم فهذا الفصل لم يكن على عهد رسول الله بل ولم يكن هذا الفصل على عهد ابي بكر وانما امر به عمر بن الخطاب .

فقد روي عن نافع عن ابن عمر عن عمر انه قال لمؤذنه : اذا بلغت حي على الفلاح فقل الصلاة خير من النوم. هذا ما اخرجه الدار قطني في السنن في النداء للصلاة ص 15 ج1.

البدعه الرابعه: صلاة التراويح التي ما انزل الله بها من سلطان فلم تكن على عهد رسول الله ص ولا على عهد ابي بكر .

فقد اخرج البخاري في كتاب التراويح عن عبد الرحمان بن عبد القارىء قال خرجت مع عمر في ليله في شهر رمضان الى المسجد فإذا الناس اوزاع متفرقون الى ان قال عمر: اني ارى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد كان امثل فجمعهم على ابي بن كعب قال ثم خرجت معه ليله اخرى والناس يصلون بصلاتهم قال عمر نعمت البدعة هذه …..الحديث صحيح البخاري كتاب صلاة التراويح ص 233ج1.

وهناك عشرات البدع التي ابتدعها عمر بن الخطاب منها طلاق الثلاث وصلاة الجنائز ومنها عول الفرائض ومنها اشتراط التوارث بين الاخوه والاخوات ان لايكون للموروث منهم ولد  ومنها ميراث الجد مع الاخوه ومنها تزوج زوجه المفقود  ومنها بيع امهات الاولاد الخ…..من البدع التي نطوي عنها كشحاً.

ذكر ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغه: كان عمر مجتهدا يعمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسله ويرمي تخصيص النص بالراي والاستنباط من اصول تقضي خلاف ما يقضيه عموم النص ويأمر أمراءه بالكيد والحيله ويؤدب قوما ويعفو عن اخرين استحقوا العقوبه بحسب ما يراه من المصلحة، انتهى كلامه.

واستمر الامر الى ان جاء امير المؤمنين عليه السلام فغير بعض ما ابتدعوه وبقي الباقي لعدم تمكنه من ذلك لكثره الاعداء والمخالفين.

فلما جاء بنو اميه لعنهم الله واخزاهم في الدنيا والاخره واستولوا على دفة الحكم فأكثروا البدع والاضاليل فلما انقضت ايامهم واستولى بعدهم بني العباس الذين جاءوا يطلبون الرضا من ال محمد عليهم السلام كذبا وزورا حتى زادوا الطين بلة فأقصوا اهل البيت واي اقصاء بل عمدوا اليهم وقتلوهم شر قتله فكثر فقهاء الضلالة في ايامهم فقربوهم وامروا الناس باتباعهم فاظهروا الزهد والتزهد في الدنيا لميل قلوب الهمج الرعاع من الناس فصار لهم مريدون يروجون لهم الكرامات ويبثون فتاواهم الباطله وبدعهم بين الناس فمالت لهم الحكام وولوهم المناصب والحكومات في القضاء والتدريس فكثرت عليهم المسائل وارادوا اظهار الفضيله بذكر المسائل الغريبه ولم يكن عندهم من السنه ما يفي بذلك لعدم رجوعهم الى الائمه عليهم السلام فنظروا فيما يمكن ان يستدل به فرأوا انحصار النقل في الكتاب والسنة ورأوا قدمائهم عملوا بالاجماع والقياس والراي والاستحسان- كما ذكرت لكم المصداق الاجلى وهو عمر بن الخطاب- فجمعوا تلك الطرق واضافوا اليها ما يكمل به التصرف فيها من مسائل الكلام والمنطق والعربيه ورتبوا ذلك على الابواب والفصول وسموه علم اصول الفقه وجعلوا محل الاجتهاد في مسائل الفقه ما ليس عليه دليل قطعي بل ظني وقالوا القطعيات ليست فقها بل الفقه هو الظنيات لا غير وعرفوا المجتهد هو العالم بتلك الاصول القادر على استنباط الاحكام منها ورد كل فرع اليها فإن اصاب حكمه الظني حكم الله الواقع فله أجران وان اخطأ فله اجر.

واستدلوا بحديث رواه عمر بن العاص  وقالوا ان الصحابه كلهم مجتهدين وكانوا يعرفون هذه الاصول بالسليقه وقالوا ان الرعيه قسمان مجتهد ومقلد يجب عليه تقليد المجتهد .

ولما تمادى الزمان وكثر المجتهدون وادى ذلك الى الاختلاف والتناحر وتكفير بعضهم بعضا ارادوا حسم ماده الفتنه فأجمعوا على حصر العمل بالمذاهب الاربعه المشهوره الحنفي والشافعي  والحنبلي والمالكي فمن خالف هذه المذاهب واحدث مذهبا خامسا فهو مبتدع وحل دمه وماله وعرضه الا ان يتوب ويرجع الى احد هذه المذاهب الاربعه هذا بالنسبه لعملهم بالفروع .

اما بالنسبه الى اصول العقيده فكان القدماء منهم بين المجبره والقدريه ومرجئه ومجسمه وحشويه وكانت الدوله انذاك للمعتزله لميل اوائل بني العباس كهارون الرشيد والمأمون والمعتصم والمتوكل الى الاعتزال واستمر ذلك الامر الى ان ظهر ابو الحسن علي بن اسماعيل الاشعري البصري وكان اول امره معتزليا من تلامذة ابي علي الجبائي فأراد الانفراد طلبا للرئاسه فخالف شيخه وكفره واتبعه جماعه من العامه كابي بكر الباقلاني وامام الحرمين والغزالي والفخر الرازي فاشتهر مذهبه في المشرق والمغرب فلم يوّل القضاء الا من كان اشعريا في الاصول مقلدا لاحد المذاهب الاربعه في الفروع .

فهذا هو اصل الاجتهاد عند ابناء العامه والى يومنا هذا .

اما ابتداء اطلاق لفظ الاجتهاد عند الشيعه الاماميه في معرفة الاحكام الشرعيه وتسميه العالم مجتهدا، فسيأتي الحديث عنه في حلقة لاحقة إن شاء الله.

 (صحيفة الصراط المستقيم ـ العدد 9 ـ الصادر بتاريخ 12 شوال 1431 هـ الموافق ل 21/09/2010 م)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى