في الحقيقة لم أعثر على من أجاب على هذا السؤال (كيف نعرف المهدي؟) سوى الألباني، حيث ذكر بعض ما يتعلق بمعرفة المهدي ضمن بحث له (بالصوت والكتابة) منشور على الرابط التالي: http://ahl-alsonah.com/vb/t1448.html
وقد حدد خمس علامات للتعرف على المهدي:
أولاها: أن يكون من أهل البيت عليهم السلام.
وثانيتها: أن يكون اسمه محمد بن عبد الله، قال: لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا تنقضي الدنيا – وفي رواية: لا تذهب الدنيا – حتى يبعث الله رجلاً يوافق اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئت جوراً وظلماً) فإذاً هو محمد بن عبد الله، ويجب أن يكون هذا اسمه منذ ولد، وليس يكون مخترعاً من جديد.
وقد فتشت في كل كتب المسلمين عن حديث الألباني هذا فلم أجد له عيناً ولا أثراً، وحسبنا الله ونعم الوكيل. نعم، قد يكون نظر الألباني إلى حديث آخر ذكره في سلسلته الصحيحة ج4 ص38 ولفظه: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض.
ولكن – لو تنزلت جدلاً معه على اتحاد معنى المواطئة والموافقة – من سوّغ له التلاعب بألفاظ حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد كونه حكيماً وقاصداً لكل ما يقول، خصوصاً والألباني قد رتّب نتيجة خطيرة جداً على ما نقل من حديث، مفادها: أنّ المهدي اسمه (محمد بن عبد الله)؟!
وهل الألباني مستعد للحساب أمام الله القهار لو كان كلامه هذا مؤدياً إلى أن يقاتل جمهور عريض – ممن يستمع إليه – من المسلمين مهدي آخر الزمان بالنسبة للسنة والذي هو اليماني بالنسبة للشيعة لمجرد كون اسمه (احمد) واسم أبيه يشابه اسم أب النبي كما هو مقتضى المواطئة (أي المشابهة) التي أشار لها النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يكن اسمه (محمد بن عبد الله) كما هو مقتضى ما نقله الألباني؟!!
كذلك قد يكون نظر الألباني إلى ما أورده الطبراني في معجمه (ج10 ص131) عن عبد الله بن مسعود قال:)قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يوافق اسمه اسمي).
ولكن مرة أخرى لا وجود للموافقة في اسم الأب أيضاً. على أنه لا يشك أحد في أنّ “أحمد” أحد أسماء النبي (صلى الله عليه وآله)، قال تعالى على لسان عيسى (عليه السلام): (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (الصف: 6.
وأما ثالث الصفات التي جعلها الألباني سبيلاً للتعرف على المهدي فهي: ما شار لها حديث (يصلحه الله في ليلة).
قال في بيان معنى الحديث: هذا يمكن أن يفسر في الواقع على وجه من وجهين؛ الوجه الأول: أنه لا يكون صالحاً لقيادة الأمة، يكون منطلقاً في دينه وفي استقامته، لكن ليس يخطر في بال أحد أنه يصلح أن يكون قائداً للأمة، فيصلحه الله في ليلة، يلهمه أن يقوم لقيادة المسلمين الذين يلتقون حوله إلى تحقيق الحلم الذي ينشده المسلمون اليوم، وهو الحكم بما أنزل الله، هذا هو التفسير الأول. الوجه الآخر: يكون الرجل غير صالح في نفسه، يعيش ما شاء الله من سنين وهو مفرط على نفسه، مضيع في شيء من دينه، فالله عز وجل يلهمه في ليلة واحدة أن يعود إلى الله تائباً مهتدياً فيصلحه الله في ليلة، هذه صفة ثالثة.
أقول: لا يختلف اثنان في إمامة المهدي (عليه السلام) وخلافته الإلهية، قال (صلى الله عليه وآله): (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم)، (.. فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي) والله تعالى يقول عن أئمة الهدى وخلفائه الإلهيين: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، فهل موقن بآيات الله أو صابر على طاعته وعن معصيته من كان غير صالح في نفسه ومضيع لدينه؟! وهل بين الله وبين أحد قرابة ليجتبي الله إماماً مفرطاً في نفسه مضيعاً لها – وحاشاه – ليلهمه التوبة من الموبقات في ليلة؟؟ وهل بعقيدة الألباني أنّ مثل هذا الشخص يستحق أن يخصص له النبي مئات الأحاديث التي بلغت التواتر والتي تؤكد أهمية القضية، ويحثنا على إتيانه ولو حبواً على الثلج، ثم يكون حاله كما يصفه؟! بل كيف ينتظر الألباني من شخص نعته بكل ما تقدم أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً والحكم بما أنزل الله والحال أنه لم يملأ نفسه خيراً؟؟ وعلى أي أساس تم اختياره من بين بقية البشر خصوصاً وهو غير متحلي – بنظر الألباني – بصفات القيادة حتى فضلاً عن إمامة الناس وإقامة حكم الله؟! ثم مَنْ من خلفاء الله السابقين لم يكن بمؤهل لقيادة أمته ليخطر في بال الألباني عدم صلاحية خليفة الله المهدي للقيادة؟!
في الحقيقة إن مهدي الألباني الذي يحدث المسلمين عن طريق التعرف عليه عند ظهوره لا يعدو أن يكون خيالاً في ذهنه وشبحاً في وهمه البائس ليس إلا، وكلامه – كغيره ممن فسر الحديث بتفسيره – فيه من الجرأة على الله وخلفائه ودينه ما الله جازيهم به وهو حسبنا ونعم الوكيل.
إن صلاح المهدي (عليه السلام) الذي يتحدث عنه النبي (صلى الله عليه واله) هو تماماً ما مر به خلفاء الله السابقين الذين لم يكونوا يعلمون أنهم لهم هذه المنزلة الإلهية الرفيعة ثم أعلمهم الله، فموسى (عليه السلام) الذي خرج ليقتبس لأهله ناراً رجع إليهم وهو رسول نبي، فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى (عليه السلام) في ليلة، وهكذا يكون صلاح أمر المهدي (عليه السلام) رغم طهارتهم وقدسهم قبل ذلك، قال تعالى عن نبيه: (مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(الشورى: 52.
وأما رابع الصفات – وهي هامة جداً كما يقول الألباني – هي خروجه من الشام، يقول: (أنه يخرج في دمشق، وهي عاصمة بلاد الشام قديماً وسوريا حديثاً، وهذا مصرح به في الحديث الصحيح).
أقول: أين حديث خروج المهدي من دمشق الذي هو صحيح في نظر الألباني؟!! أو يقصد نزول عيسى (عليه السلام)، ولا يخفى أن عيسى لا ينزل في بداية أمر المهدي بدليل أنه ينزل للصلاة خلف إمام المسلمين الذي التفَّ حوله أنصاره وفتحت له بلاد الشرق إلى الشام، فقد مرَّ بنا أنّ بداية حركة أمر المهدي هو الشرق كما هو صريح كثير من روايات أهل السنة وأقوال كبار علمائهم. فهل يطلب الألباني من المسلمين أن يبقوا في بيوتهم إلى حين نزول عيسى واجتماعه بالمهدي في الشام بعد أن يكون المهدي قد خاض المعارك وفتح الشرق إلى الشام؟؟! ومن سيقاتل معه إذن؟؟ هل اليهود أم النصارى يا مسلمين وأنتم تدعون أنكم امة جد المهدي (صلى الله عليه وآله) الذي أمركم بإتيانه ولو حبوا على الثلج؟؟ سبحان الله.
ثم ذكر خامس الصفات وهي لقاء المهدي بعيسى عليهما السلام، ثم قال: (هذه علامات يجب أن تبقى في أذهاننا؛ حتى لا نغتر بدعوى بعض الناس أنه المهدي).
ولا ينقضي عجبني لمن يسلّم أمر أخرته بأيدي هؤلاء – الذين أقل ما يقال فيهم أنهم خطاؤون وليسوا بمعصومين فيما قالوه – ليقرروا عنه مصيره الأبدي، وترك سبيل الاهتداء لخلفاء الله الذي بينه الله تعالى في كتابه الكريم وأوضحه حبيبه (صلى الله عليه وآله) غاية الإيضاح، فلينظر المؤمن بالله كيف عرّف الله خلفاءه في كتابه الكريم ليتعرف على خليفته المهدي اليوم بنفس الطريق، فسنّته سبحانه واحدة لا تتغير أو تتبدل أبداً.
وهل عرّف الله خلفاءه في كتابه بغير النص عليه من قبله سبحانه أو الوصية به ممن تقدمه من الحجج الإلهيين الذين يؤمن بهم القوم عند احتجاجه عليهم، وعلمهم الإلهي الذي يحجون به كل من هو دونهم، ورفعهم لراية البيعة لله ودعوتهم الناس لحاكميته سبحانه وترك حاكمية الناس بكل صورها.
فعن النص أو الوصية، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ البقرة: 30، ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ ص: 26، ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ الصف: 6.
وعن العلم قال تعالى عن موسى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ القصص: 14، وقال عن عيسى: ﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ الزخرف: 63، وقال عن حبيبه: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ الجمعة: 2.
وأما الدعوة إلى الله وحاكميته فهو شعار كل خلفاء الله في أرضه، وأمام الجميع كتاب الله لينظروا دعوتهم وأقوالهم.
فهل فعلاً عرفتم هذا من كتاب الله عز وجل لتعرفوا أن أحمد الحسن (عليه السلام) في احتاجه اليوم عليكم – أيها المسلمون – لم تكن سوى هذه الثلاث؟!
ويضاف لها تأييد الله على الصدق بمئات بل آلاف الرؤى الصادقة برسول الله وآله الطاهرين والأنبياء والمرسلين الدالة على أحقيته وأنه المهدي الذي بشر به جده (صلى الله عليه وآله) في آخر الزمان، وقد صح عند كل المسلمين أن الشيطان لا يتمثل بمحمد (صلى الله عليه وآله). أفلا يكون ذلك كافياً لكم لنصرته أو لا أقل البحث الجدي في قضيته وأمره ورادعاً لكم عن تكذيبه بلا دليل، ديدن المعترضين على الدعوات الإلهية كما يحدثنا القرآن الكريم؟!
نصيحة لكل القراء:
ها وقد اقترب الوعد الحق، يشاهد الجميع فوران الأرض بأهلها بعد انهيارات عدة شهدها العالم على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وكثرة الكوارث التي تنذر بأزمة عالمية على أكثر من صعيد، ولا أعتقد أن مؤمناً بالله واليوم الآخر لا يشعر بنذر العذاب التي بدأ أهل الأرض يتحسسونها كما أخبر رسول الله وآله الطاهرين، بما في ذلك ما تفعله العرب اليوم من خلع أعنتها وأنظمتها السياسية الجائرة. فيا قوم ها هو مهدي آل محمد بين أظهركم كما أخبركم جده المصطفى، وقد أتاكم بكل الذي قاله فيه بعد شهادة الله له فآمنوا به وانجوا بأنفسكم من عذاب الله وهوانه يوم لا ينفعكم الندم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 46/سنة 2 في 07/06/2011 – 4رجب1432هـ ق)